من جديد تحركت المياه الآسنة في جامعة الدول العربية، فطفى على السطح موضوع تداول منصب الأمين العام للجامعة، فلا يبقى إرثا يتوارثه مسؤولون من مصر، ولاتبقى الجامعة امتدادا لوزارة الخارجية المصرية كما يدعي المطالبون بالتداول، منذ تأسست الجامعة من سبع دول عام 1944، إلى أن أمسوا اثنين وعشرين دولة، باستثناء السنوات التي قضتها في ضيافة تونس، حيث تولاها تونسي، هو الشاذلي القليبي، وكان تعيينه تكريسا لمبدإ أن يكون الأمين العام من دولة المقر.. وحين عادت الأمانة العامة للقاهرة عين على رأسها وزير الخارجية المصرية عصمت عبدالمجيد، وبعده خلفه في الديبلوماسية المصرية عمرو موسى.
وحيث إن القمة العربية القادمة ستنعقد في شهر مارس المقبل في الجزائر، فإن الحكومة الجزائرية تسعى لأن يصدر عن القمة الجديدة جديد، حتى لاتكون قمة باهتة لاطعم لها ولا لون، فمنذ قمة بيروت قبل ثلاث سنوات، التي صدرت عنها مبادرة سعودية جديدة، تحمل اسم الأمير عبدالله ولي عهد المملكة العربية السعودية، عن قضية فلسطين، وإنهاء ما يوصف بالصراع العربي الإسرائيلي، فإن ماتلاها لم يضف شيئا جديدا إلى العالم العربي، بل كان مجرد استضافات، عادية للمحافظة على الاجتماعات الدورية التي تقرر عقدها مرة في السنة، فقد مرت سنة على قمة تونس، ومنذ انفضاضها لم نسمع، أو نقرأ، أو نشاهد مايذكرنا بها وبما أضافته من إيجابيات للعالم العربي، أو صدت عنه من كوارث ونكبات، ما نزال نتجرع مرارتها، في حسرة وألم.
الجديد الذي تعمل الجزائر على تحقيقه في القمة القادمة هو:
٭ اتخاذ قرار بتداول منصب الأمين العام للجامعة فلا يبقي حكرا على دولة المقر.
٭ إحياء فكرة إنشاء محكمة العدل العربية.
٭ إعادة هيكلة الأمانة العامة.
٭ ترشيد العمل العربي المشترك.
٭ إعادة النظر في موضوع التصويت.
وهكذا تختزل الأوضاع العربية في المغرب والمشرق، من السودان والصومال وفلسطين والعراق، إلى موضوع يمكن أن يحتل المرتبة العاشرة من الاهتمامات العربية، لأن دعوى هؤلاء تنسب قصور العمل العربي المشترك إلى عدم تداول منصب الأمين العام، وأن تعيينه من أي بلد عربي آخر سيخرج الوضع العربي المتردي من تحت أنقاض العجز والقصور، كذلك فإن الدعوة لإنشاء محكمة عدل عربية، تعود إلى عام 1950 وأصحاب هذه الدعوى يعلمون علم اليقين أن العجز والقصور فينا جميعا وليس في انتساب الأمين العام، فقد دخل عمرو موسي إلي مبنى الأمانة العامة، وفي محفظته مشروع لتطوير عمل الجامعة وقسمه لعدة مراحل، ولكن التيارات المتضاربة في الدول العربية أجهضت مشاريعه لأنها تعمل على أن تبقى الجامعة في غرفة الإنعاش، لاهي حية فتتحرك، ولا هي ميتة فتدفن، كذلك فإن لجنة تعديل ميثاق الجامعة التي كان لي شرف رئاستها في مطلع الثمانينات قد وضعت مشروعا لمحكمة العدل العربية، وافقت عليه كل الدول العربية ولكنه بقي حبرا على ورق في أدراج مكاتب الإدارة القانونية في الأمانة العامة، وبين الحين والآخر نبحث عن مشجب نعلق عليه عجزنا وقصورنا، فمرة ندعو لتعديل الميثاق، فإذا جد الجد وشرعنا في دراسة التعديل، عدلنا عنه إلى الاكتفاء بإضافات مواد للميثاق القائم، وبعد عشرين سنة من إعداد مشروع جديد، تمخضت العبقرية السياسية العربية فاكتفت بتبنى الإلتزام بدورية اجتماعات القمة كل سنة.
وفي يقيني أن الدعوة الجزائرية لتداول منصب الأمين العام، إن تحققت، فهي مسمار جديد في نعش هذه الجامعة المفترى عليها، وأقولها بصدق وصراحة، ليس من مصلحة الجامعة العربية أن يتم تداول منصب أمينها العام بين الدول الأعضاء، بل ضمان بقائيا ولو متعثرة أو كسيحة في هذا الزمن العربي الباهت، أن يبقى أمينها العام من دولة المقر، ليس لأنه لا توجد في غير مصر كفاءات قادرة، بل إن الدول العربية ملأى بهذه الكفاءات، ولكن لأن أكثر من تسعين في المائة من العاملين في الأمانة العامة هم من المصريين، من مدير مكتب الأمين العام إلى مستشاريه الفاعلين إلى الناطق باسمه، إلى السكرتيرات والراقنات، فكيف يمكن لأمين عام من غير دولة المقر أن يتقن التعامل معهم والاستفادة من خبرتهم السياسية والاقتصادية والادارية والسلوكية؟
أما باقي الموظفين على اختلاف انتماءاتهم العربية، فوجودهم فقط لإضفاء صفة الوجود العربي في الأمانة العامة، وتعيينهم من وزارة خارجيتهم يتم فقط لإثبات حضورهم، أو للتخلص من شخص لم تجد وزارته له مكانا في إداراتها فلم يختر الأمين العام أيا من الأمناء المساعدين أو الملحقين، فحكومتهم هي التي تفرضهم، ولا يجد الأمين العام مناصا من الموافقة على انتسابهم للجامعة، ولا يجب اتخاذ منظمة الأمم المتحدة مثالا للإقتداء، ولا حتى منظمة المؤتمرالاسلامي، التي انكشف عجزها وهزال عملها في السنوات الأخيرة؟
فهل ستوافق الدول العربية على الاقتراح الجزائري، بتداول منصب الأمين العام؟
لا أعتقد ذلك.
وها هو أول إرهاص بعدم الموافقة غياب خمس وزراء خارجية عن الاجتماع التحضيري للقمة الذي ينعقد الآن في القاهرة، وهم وزراء خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، ووزير خارجية سوريا فاروق الشرع، ووزير خارجية الكويت، ووزير خارجية لبنان، فما قيمة اجتماع يغيب عنه سعود الفيصل، وفاروق الشرع، ودولتهما لها وزن وقول فصل في أي عمل عربي؟ وليس ذلك تقليلا من قيمة سواهما، من المتغيبين.
ومن المواضيع التي ينظرها الاجتماع التحضيري، موضوع التصويت، فمعظمهم يدعي أن من معوقات العمل العربي ضرورة الإجماع في اتخاذ القرارات، وهو ادعاء لا أصل له، فالإجماع مطلوب في حالتين فقط، الأولى عند اتخاذ تدابير لصد اعتداء وقع على دولة عضو، وهذا منصوص عليه في المادة السادسة من الميثاق، والحالة الثانية التي يجب فيها الاجماع هي فصل دولة عضو من الجامعة، وتلك هي المادة الثامنة عشرة من الميثاق، أما ماعدا ذلك من القرارات فلا يشترط فيها الاجماع، وذلك منطوق ومفهوم المادة السابعة من الميثاق، فأين الإشكال؟ ولِمَ الاصرار، ومنذ عقود، على تعليق الفشل الجماعي العربي على وهم الإجماع.
أعود إلى موضوع الأمين العام، فإنه يعين بموافقة ثلثي الدول الأعضاء، ولا قيود على أية دولة أن ترشح من تريد، فالحائز على ثلثي الدول الأعضاء هو من سيعينه مجلس الجامعة أمينا عاما، فإذا كان المرشح من مصر، دولة المقر، فهو من سيفوز بأكثر من ثلثي الأصوات، أما إذا لم ترشح مصر أحدا لهذا المنصب فتلك قضية أخرى، لن تكون مؤشرا على انتهاج السبيل السوي.