القضية الفلسطينية الى اين؟ العراق الى اين؟ سؤالان ملحان في بداية العام 2005 في ضوء إجراء انتخابات الرئاسة الفلسطينية في أجواء اقل ما يمكن ان توصف به انها حضارية وفي وقت صارت الانتخابات العراقية المقررة في أواخر الشهر الجاري أمراً حتمياً.
قبل كل شيء، اظهر الشعب الفلسطيني في الداخل انه قادر على ممارسة لعبة الديموقراطية, والاهم من ذلك، اظهر هذا الشعب الذي يقاوم الاحتلال يومياً انه مستعد للاستفادة من دروس الماضي القريب اي من الخطأ الذي ارتكب بعد فشل قمة كامب ديفيد صيف العام 2000. تمثل ذلك الخطأ في اتخاذ قرار بعسكرة الانتفاضة، وكانت نتائجه الويلات التي حلت بالشعب الفلسطيني, على رأس هذه الويلات ان المجرم الذي اسمه ارييل شارون تحول ضحية فيما الضحية التي اسمها الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال والساعي الى استعادة بعض ابسط حقوقه تحول الى مجرم في نظر القوة العظمى الوحيدة في العالم، اي الولايات المتحدة الاميركية, وهو ما قاد الى وضع ياسر عرفات في الاقامة الجبرية.
كانت الانتخابات فرصة لا تعوّض كي يؤكد الشعب الفلسطيني انه قادر على استعادة المبادرة واختيار رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية يستطيع التحدث الى العالم بلغة العصر وبواقعية آخذاً في الاعتبار التوازنات الاقليمية والدولية، خصوصاً لجهة الاعتراف بأن الادارة الاميركية تعتبر الطرف الوحيد القادر على ايجاد شريك اسرائيلي في مفاوضات السلام وان هذه المفاوضات لن تعاود بجدية في غياب الدور الاميركي, هذا الدور الذي غيبه كلياً قرار عسكرة الانتفاضة والعمليات الانتحارية وصواريخ «القسام» التي لا تخدم سوى شارون.
تعتبر الانتخابات الفلسطينية فرصة لتأكيد ان الشعب الفلسطيني يقاوم الاحتلال من اجل استعادة حقوقه لا اكثر ولا اقل, وكل ما يريده هو العيش في سلام وان يكون له موقعه على الخريطة الجغرافية للشرق الاوسط, هذا الموقع يتمثل في دولة فلسطينية «قابلة للحياة» تؤمن للمواطن الفلسطيني في اي مكان يعيش فيه كرامته مع حمل جواز سفر يحظى باحترام العالم ويؤكد ان للفلسطيني هوية وطنية ووطناً وانه ليس مجرد لاجئ!
تضع الانتخابات الفلسطينية الادارة الاميركية امام تحد واضح، ذلك انه سيكون عليها الاجابة قريباً عن سؤال في غاية الوضوح هو هل تريد حلاً في الشرق الاوسط ام لا؟ ام تريد البقاء اسيرة سياسات آرييل شارون الساعي الى تكريس الاحتلال والاستمرار في مصادرة حقوق شعب بكامله؟
لعل اهم ما اسفرت عنه انتخابات الرئاسة الفلسطينية ان الاكثرية صوتت لمرشح «فتح» محمود عباس (ابو مازن), وجاء التصويت للرجل ليس باعتباره مدعوماً من «فتح» فحسب، بل لأنه اعتمد ايضاً خطاباً سياسياً واضحاً يقوم على الشفافية والواقعية, لم يتراجع «ابو مازن» في خطابه السياسي عن تأكيد ان قرار عسكرة الانتفاضة جر المآسي، ولم يتراجع عن موقفه من العمليات الانتحارية التي بدلت موقف الرأي العام العالمي من القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والتي جعلت المجتمع الاسرائيلي يدعم شارون وسياساته المجنونة.
ومن هذا المنطق، يمكن القول ان الفلسطينيين لم يصوّتوا لشخص، بل صوّتوا لبرنامج وخطاب سياسي واضحين, هذا البرنامج وهذا الخطاب يؤديان في النهاية الى رمي الكرة في ملعب الآخرين، خصوصاً الملعب الاميركي والاسرائيلي بدل ان تكون في الملعب الفلسطيني، كما الحال في السنوات الاربع الاخيرة.
فلسطين الى اين بعد الانتخابات الرئاسية؟ الاكيد ان الوضع الفلسطيني يسير نحو الافضل ولو نسبياً والامل كبير بأن تتصرف «حماس» التي ما زالت مصرّة على اطلاق صواريخ «القسام» بطريقة مسؤولة تجعل منها حزباً معارضاً يسعى الى تصحيح اي اعوجاج ولكن بطريقة سلمية بعيداً عن فوضى السلاح وعن التصرفات التي لا تخدم سوى ارييل شارون ومن لفّ لفه.
اذا استطاعت «حماس» الانتقال من ميليشيا مسلحة الى حزب سياسي معارض في اطار تفاهم واسع على ضبط الاوضاع الامنية في الاراضي الفلسطينية، تكون ادت افضل خدمة للقضية في هذه الايام الصعبة التي يحتاج فيها الفلسطينيون الى الاعتراف بأن لعبة السلاح هي اللعبة المفضلة لدى ارييل شارون وان استعادة الحقوق الفلسطينية لا تكون سوى بالديبلوماسية والسياسة, انها اللعبة التي يفضل رئيس الوزراء الاسرائيلي استبعادها باستمرار لمصلحة لغة السلاح, فهل تمارس «حماس» دور الحزب السياسي المعارض ام تفضل اعتماد اجندة ليس معروفاً من يقف خلفها ولكنه معروف جيداً انها توظف في غير مصلحة الشعب الفلسطيني؟
مرة اخرى، ان الوضع الفلسطيني يسير نحو الافضل بعد الانتخابات، انه يبعث بعض الأمل بأن عذابات هذا الشعب المقاوم ستخف ولو قليلاً في انتظار قرار اميركي واضح بإعادة الطرفين المعنيين الى طاولة المفاوضات والعمل على إيجاد تسوية تلبي الحد الادنى من المطالب الفلسطينية, اما الوضع العراقي، فيخشى ان يتجه الى الاسوأ في حال اصرت الولايات المتحدة على ان الانتخابات هدف في حد ذاته, ذك ان السياسة الاميركية المتبعة حالياً تشبه تلك التي اتبعت في مرحلة ما قبل اسقاط نظام صدام حسين, فقد بدأ الاعداد لعملية عسكرية كبيرة من اجل الوصول الى بغداد من دون التفكير في كيفية معالجة الاوضاع السياسية التي ستنجم عن هذه العملية, وقد تكررت الاخطاء الاميركية الى ما لا نهاية منذ سقوط صدام حسين, واذا كانت هذه الاخطاء بدأت بقرار حل الجيش العراقي، فإنها انتهت بقرار إجراء انتخابات من دون التنبه الى ان المستفيد الاول من هذه الانتخابات يمكن ان تكون احزاب مسيسة دينياً موالية لإيران؟ ما الذي ستفعله الادارة الاميركية في حال سيطرت هذه الاحزاب على المجلس الوطني الذي سيتولى وضع دستور جديد للبلاد؟ كيف يمكن للادارة الاميركية ان تقف في وجه مجلس منتخب «ديموقراطياً»؟ هل تستطيع ان تفعل شيئاً آخر غير الاستسلام لإرادة المجلس حتى ولو كانت الأوامر تأتي من طهران؟
وما قد يكون اخطر من ذلك كله انه في حال عدم انتخاب مجلس متوازن يمثل اطياف الشعب العراقي بشكل مقبول نسبياً، سيفتح ذلك الابواب امام حروب داخلية تعتبر الحروب الدائرة حالياً في العراق نزهة امامها, هل فكرت اميركا بما بعد الانتخابات العراقية؟ ام انها بدأت تفكر بتلك المرحلة بعد اتخاذ قرار بإجراء الانتخابات وتحديد موعدها أواخر يناير الجاري؟ الخوف كل الخوف ان تكون الانتخابات العراقية نقطة تحول نحو الاسوأ في ظل وجود ادارة اميركية لم تفعل حتى الآن شيئاً في العراق باستثناء اتخاذ قرارات خاطئة تصب في اتجاه واحد هو تحويل العراق ملجأ آمناً للارهاب والارهابيين والمتطرفين من كل المشارب, هل من مجال لتفادي الاسوأ للعراق؟ من الصعب الاجابة عن هذا السؤال لكن الاكيد ان الانتخابات العراقية وبالطريقة المرتجلة التي أعد لها لن تؤدي الى تحسن الوضع العراقي في غياب معجزة, فلندعو من اجل هذه المعجزة في زمن قد لا تستجاب فيه مثل هذه الدعوات، خصوصاً ان ليس في واشنطن من يريد طرح سؤال في غاية البساطة هو الآتي: هل صدفة ان طهران وواشنطن تلتقيان عند ضرورة إجراء الانتخابات العراقية في موعدها؟ انه سؤال يستأهل بحثاً طويلاً ومعمقاً خصوصاً انه يأتي بعدما كان هناك التقاء بين الجانبين عند ضرورة اسقاط صدام حسين فكانت ايران عملياً في العام 2003 الى جانب الولايات المتحدة في حملتها العسكرية التي اوصلتها الى بغداد.