واشنطن: دانا بريست وبوب دروغين: حل العراق محل أفغانستان باعتباره مركزا لتدريب الجيل القادم من الإرهابيين «المحترفين»، طبقا لتقرير كشف عنه اول من أمس مجلس الاستخبارات القومي الأميركي، وهو مركز ابحاث تابع لمدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي ايه».
وقد قدم العراق للإرهابيين «ارضا للتدريب ومنطقة للتجنيد، والفرصة لتحسين الخبرات التكنيكية»، طبقا لما ذكره ديفيد لو، ضابط مجلس الاستخبارات المسؤول عن الاخطار الخارجية. وأوضح «بل ان هناك، طبقا لأفضل السيناريوهات، احتمال عودة بعض المقاتلين الى بلادهم اينما كانت وبالتالي الانتشار في دول كثيرة».
وجاءت تعليقات لو خلال تنوير نادر من المجلس حول تقريره الجديد بخصوص الاتجاهات العالمية طويلة المدى للارهاب. وقد استغرق اعداده سنة كاملة ويشمل تحليلات لأكثر من الف خبير أميركي وأجنبي. ويضم التقرير تقييما لدور العراق الجديد كـ«منطقة تفريخ» للإرهابيين الاصوليين.
وكان الرئيس بوش قد وصف الحرب في العراق بأنها جزء لا يتجزء من جهود الولايات المتحدة لمواجهة الارهاب. ولكن تقرير المجلس اشار الى ان النزاع ساعد ايضا الإرهابيين على ايجاد ملاذ وسط فوضى الحرب. وقال رئيس مجلس الاستخبارات الوطني روبرتس هتشينغز «في الوقت الراهن اصبح العراق «نقطة جذب لنشاطات الارهاب الدولي».
وقبل غزو العراق، ذكرت وكالة الاستخبارات ان صدام حسين لديه علاقات أملتها الظروف مع عديد من اعضاء «القاعدة». وقد رفض اسامة بن لادن فكرة تشكيل تحالف مع صدام حسين وكان يعتبره عدواً لأنه كان يقود حكومة علمانية. ولكن مع زيادة عدم الاستقرار في العراق بعد اسقاط صدام حسين، وتكثف المعارضة للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، فإن مئات من المقاتلين الاجانب تدفقوا على العراق عبر الحدود المفتوحة ووجدوا أطنانا من الاسلحة التي لا تخضع لأية حراسة. وذكر مسؤولون عسكريون ان هؤلاء المقاتلين يستخدمون تلك الأسلحة والذخائر ضد القوات الاميركية.
ويعتقد ان الاجانب يمثلون نسبة كبيرة من الانتحاريين في العراق. واشار مسؤولون استخباريون اميركيون الى ان الاجانب يمثلون تحالفا تكتيكيا متغيرا مع فلول البعثيين وغيرهم من المتمردين. وذكر التقرير«ان اعضاء القاعدة الذين تميزوا بالتدريب في افغانستان سيختفون تدريجيا، وستحل محلهم مجموعات الناجين من النزاع في العراق».
ويذكر التقرير انه بحلول 2020 ستتفوق جماعات اسلامية متطرفة اخرى على «القاعدة»، وهي الجماعات التي ستندمج مع الحركات الانفصالية الناشطة في دول مثل تايلند والفلبين وكشمير في الهند. وذكر معظم خبراء الارهاب ان ذلك بدأ يتبلور بالفعل. وذكرت تقرير المجلس ان هذا النوع من التشكيلات واعادة التشكيلات غير المركزية يصعب كثيرا الكشف عنها وهزيمتها.
واضاف التقرير ان الارهابيين يمكنهم بسهولة التواصل، والتدريب والتجنيد عبر الانترنت، وسيتحول تهديدهم الى«تنظيم لمجموعات انتقائية، وخلايا وافراد لا يحتاجون الى مقر ثابت. وستتحول مواد التدريب وتوجيه الاهداف، ومعرفة الاسلحة، وجمع التبرعات الى قضية افتراضية (عبر الانترنت)».
ويركز التقرير وهو بعنوان «خارطة المستقبل العالمي» على تأثير العولمة وغيرها من الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية. لكن المسؤولين في المجلس أوضحوا ان قلقهم الاكبر هو امكانية حصول الارهابيين على اسلحة بيولوجية، ويأتي في المركز الثاني امكانية حصولهم على اسلحة نووية.
ويتولى المجلس مسؤولية التحليل الاستراتيجي ومنتصف المدة ويقدم المشورة الى مدير وكالة الاستخبارات المركزية. واوضحت واحدة من مطبوعات المجلس ان «هدف المجلس هو تقديم افضل المعلومات غير المنقحة أو المتحيزة، بغض النظر عما اذا كان التقييم التحليلي يتفق والسياسة الاميركية». واختار المجلس نشر تقريره هذا بعد الانتخابات الأميركية، كما حرص على تجنب تأييد او معارضة أي من السياسات الأميركية الحالية. الا ان المجلس يتفق مع ادارة بوش على ان الديمقراطية ستنتشر على الارجح في «الدول الرئيسية في الشرق الأوسط». لكن التقرير يحذر من ان التقدم الذي تحقق على صعيد الديمقراطية في بعض دول جنوب شرق آسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق قد «يعكس جزئيا». وبالاضافة الى التقارير والدراسات، فإن المجلس يقدم تقيما للوضع الاستخباري الوطني، ويمثل الإجماع بين وكالات الاستخبارات الاميركية في قضايا محددة.
وذكر هاتشينغز، وهو مساعد السابق لعميد كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة برنستون، ان تقرير المجلس حاول تجنب تحليل تأثير السياسة الاميركية على الاتجاهات العالمية لكيلا يتدخل في السياسات الحزبية.
ومن بين اهم نتائج التقرير ان «احتمالات نزاع كبير يتحول الي حرب شاملة... هي اقل من أي وقت آخر في القرن الماضي»، لكنه يضيف انه «لم يحدث منذ تشكيل التحالف الغربي في عام 1949 أن كان شكل وطبيعة التحالفات مائعين كما كانا عليه في العقد الاخير». وذكر التقرير ايضا ان ظهور الصين والهند كقوى اقتصادية عالمية جديدة «سيعتبر اكبر التحديات الإقليمية لواشنطن». وانه في مجال المنافسة مع اسيا في مجال التقدم التكنولوجي «يمكن ان تفقد الولايات المتحدة تميزها» في بعض المجالات.
غير ان اتجاهات جديدة واسعة، حسب التقرير، يمكن ان تحجب الارهاب على المسرح العالمي. وأكثر تلك الاتجاهات اهمية هو استعراض الصين والهند لقوتهما الاقتصادية والسياسية باعتبارهما من اللاعبين الأساسيين على المسرح العالمي بحلول 2020. وشبه التقرير ظهور الدولتين بظهور الولايات المتحدة كقوة عالمية قبل قرن من الزمن. وتكهن بأن الدولتين النوويتين ـ واحدة ديمقراطية حيوية والأخرى دولة حزب واحد ـ ستغيران المنظو الجيوسياسي بسبب نموهما الاقتصادي، وتوسيع قدراتهما العسكرية والعدد الكبير من السكان»، وأكد ان«نشوء القوتين أصبح حقيقة فعلية».
ونتيجة لذلك ولعدد آخر من العوامل يتوقع المجلس ان ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 80 في المائة عما كان عليه عام 2000 ويزداد متوسط الدخل الفرد بنسبة 50 في المائة. كما ذكر التقرير ان الولايات المتحدة «ستشهد انكماش قوتها» وسيوجه العالم «إحساسا ضخما بعدم الامن» من الارهاب وانتشار الاسلحة غير التقليدية والاضطرابات السياسية التي يمكن ان تقضي على المكتسبات الديمقراطية الأخيرة في اجزاء من وسط وجنوب شرق آسيا».
كما اشار التقرير الى ان «الحكومات الضعيفة، والاقتصاديات المتخلفة والتطرف الديني ستجتمع كلها لخلق ظروف مناسبة للنزاعات الداخلية في بعد المناطق. وقلقنا الأكبر هو امكانية حصول الإرهابيين على عناصر بيولوجية، او باحتمال اقل، على معدات نووية، يمكن ان تسبب أي منها خسائر على نطاق واسع».