لأن السنة هم يتامى العراق، صار بعضهم بيادق لجهات خارجية، من جماعات محسوبة على تنظيم القاعدة، وحكومات مجاورة ذات أجندة سياسية. واذا كان هناك من تقصير اساسي، تسبب في هذا الضياع، فإنه جزء مهم يمكن ان نرده الى تقصير الأنظمة السنية الرئيسية في المنطقة.
فالدول المعنية منقسمة في شأن العراق، الى فئة تصر على التدخل، وأخرى تعف عن ذلك. وهنا تتكشف ازمة السنة الذين يعانون من انعدام القيادة، على اعتبار ان الشيعة منقادون للمرجعيات الدينية السياسية، والاكراد لقيادتين تقليديتين.
أنظمة السنة المجاورة تعمدت عدم التدخل في الشأن العراقي، منذ سقوط نظام صدام حسين. ولأن سنة العرب الذين يمثلون نحو عشرين في المائة من السكان صاروا بلا وظيفة اجتماعية وسياسية، كان من الطبيعي ان تنتشر بينهم روح الرفض، وتتسرب اليهم الأطراف التي تريد تدمير الواقع الجديد.
وفي هذا الظرف الدامي في العراق، يدار السنة بلا إرادة منهم، حيث ظهرت زعامات طارئة لم تعرف من قبل بعد، أبدت استعدادا لبث روح العصيان، غير مبالية بحقائق الديموغرافيا، والنفوذ الخارجي، ومعاني الانتخاب. ولو انه كان للسنة مشروع سياسي، لفهمنا على الأقل كيفية الوصول معه الى منتصف الطريق، لكن حتى هذا اليوم، لا يوجد هناك الا مجرد رفض فقط. فالشرط الوحيد المطروح عندهم، هو رحيل القوات الاميركية، ولو افترضنا ان هذا متاح، لتوجب علينا ان نستذكر اقرب الاحتمالات المحتملة بعد خروجهم. الحقيقة ان اول من سيدفع الثمن هم السنة العرب، كونهم الاقلية، على اعتبار ان السنة الاكراد يخالفونهم في كل موقف سياسي. السذج وحدهم فقط يصدقون ان أقلية السنة العرب في موقعها الصعب، تستطيع العيش بدون عراق موحد، بخلاف الشيعة والاكراد الذين يملكون خيار الانفصال، والبقاء في دولتين مؤهلتين للاستمرار. فالعزلة مرة والحياة المشتركة في غاية الخطورة.
وهنا يأتي خطأ الدول المجاورة، التي عفت عن التدخل الايجابي، وجلست تطالع الأمور من وراء الحدود، غالبا قلقة تحاول الا تضع قدما في هذه الرمال المتحركة. الخطأ انهم ينسون انها متحركة باتجاههم أيضا، لو فشل الأمن في العراق، بسبب جهل هذه الجماعة وإصرارها على الفوضى بالوكالة.
ما الذي كان يمكن للجيران فعله؟ ان وجهاء السنة من قيادات عشائرية ودينية، كان لهم ان يدعوا الى العواصم المعنية، ليسمعوا كلاما يختلف عما يسمعونه من صرخات التحريض. كان لهم ان يسمعوا عن الحقائق السياسية التي لا يمكن لأي متورط ان يرفض سماعها، وهؤلاء لا يعلمون حجم الأخطار التي تحدق بهم مستقبلا، اعني سنة العرب في العراق وربما الدول المجاورة، لو فشل العراق الموحد في صيغته الوحيدة اليوم.
ان دور الجيران حاسم في تقرير، لا مصير العراق والعراقيين فحسب، بل مصير المنطقة كذلك. ومن صالح الجميع ان تتم الانتخابات وتحفظ حقوق الجميع، وفق نظام يحمي الأقليات وسط نظام الأغلبية.