كنا نعتقد ان اطروحات وزير الاعلام السوري مهدي دخل الله اكثر واقعية وعقلانية من طرح رافعي الشعارات في دمشق، الذين يعتقدون ان رفع الشعارات الكبيرة يمكن ان يحل المشكلات الحقيقية على الارض، ولذلك استغربت قوله ان الدعوة الى فتح سفارة سورية في بيروت، امر «يؤلمه» ويؤلم السوريين واللبنانيين، ولا ادري ما هو الالم الذي يمكن ان يصيب احد في دمشق او بيروت من تعيين سفير لدمشق في بيروت، والتعاطي مع لبنان كما هي الحال مع الاردن او مصر او السعودية، حيث السفارات هي حلقة الوصل السياسي بين بلدان العالم. أليس افتتاح سفارة لسورية في بيروت هو امر ايجابي اذا كان يعطي للبنانيين، او لاطراف لبنانية مؤثرة في الحياة السياسية، نوعا من الاطمئنان باستقلالية لبنان، وما العيب في ذلك؟!
الوزير السوري يقول ان الاوروبيين يسعون الى الغاء السفارات فيما بينهم، وهي مقارنة ظالمة، فالعلاقات بين الدول الاوروبية علاقات متكافئة، ولا تتدخل دولة اوروبية في تعيين رئيس دولة او رئيس وزراء في دولة اخرى، ولا توجد جيوش لهذه الدول في الدول الاخرى، ولم نسمع بقضية تلازم المسارين الالماني واليوناني، او تلازم المسارين الهولندي والايطالي.
أليس وجود سفير سوري في لبنان افضل من شعور اللبنانيين ان رجل امن سوري في بيروت اهم من سفراء دول عديدة، وان بيده مفاتيح لبنانية كثيرة لمجرد كونه مديرا للاستخبارات السورية في لبنان!
لماذا لا تتغير اللغة في دمشق وتكون لغة واقعية صريحة؟ ولماذا كلما تكلم مسؤول سوري عن لبنان، قفز الى قضية توطين الفلسطينيين في لبنان، وتدويل القضية اللبنانية بهدف الضغط على سورية؟!
لقد اضعف فرض رئيس جمهورية على لبنان كلا من سورية ولبنان، ووحد الموقفين الاميركي والفرنسي في وجه دمشق، ووحد قوى متناقضة في لبنان ضد سورية، وكان يفترض ان تستفيد دمشق من ذلك الخطأ الكبير وتعيد قراءة اوراقها في لبنان، وبروح هادئة تأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية السورية، ومصلحة سورية قبل كل شيء.
هل علينا ان نعيد في كل مرة حكاية اننا نكتب خوفا على دمشق، ومحبة لدمشق، ولسنا في صف الكارهين؟ وهل علينا ان نعترف اننا نصرّخ في وادٍ لا يسمعنا فيه احد..؟