من يشاهد الأعمال الدرامية "الذكورية" التي عرضتها وما تزال تعرضها فضائياتنا، قد يصاب بصدمة من الحال الذي آلت إليه مملكة الرجال، بعد أن قضت القصص المعروضة على دور "الذكور" في الحياة العامة، وجعلتهم يتجهون إلى الصراع على المال، والبحث عن لقمة العيش، وانشغلوا عن مسؤولياتهم بالقتال من أجل الثروات والنزوات، وبات لا يهمهم إذا دار القتال مع الأهل والأخوة والأقارب أو مع الآخرين، لأن الأهم هو الحصول على المال من أي طريق، بعد أن تخلى الرجل عن دوره في قيادة الأسرة وتوجيهها إلى بر الأمان بحثاً عن ملذاته، وهرباً من ضياع حاضره إلى ملاحم تاريخ مجده. فهل أصبح هذا الوضع واقع حياتنا أم أنه خيال المؤلفين وشطط المخرجين؟ سؤال أطرحه بعد أن أعيتني الحيلة وأرهقني التفكير فيما آلت إليه صورة الرجل في مسلسلاتنا التليفزيونية، التي يقال عنها دائماً إنها مرآة المجتمع، وصورته التي تعكس واقع حقيقة علاقاته وسماته الاجتماعية، فهل انتهى عصر الرجال الحقيقيين؟ وأصبحنا على شفا حدوث نكسة في سمات وخصائص رجل القرن الحادي والعشرين تعود به إلى القرون الأولى بكل ما فيها من همجية وسعي دؤوب نحو النزوات وإشباع الغرائز من دون تفكير أو قيم تحكمه.

تساؤلات أطرحها على كل المسؤولين عن ثقافتنا العربية والمهتمين بها بعد أن تحول الرجل في الأعمال الدرامية إلى مسخ وديكور يكمل الصورة التي سيطرت عليها المرأة "العاقلة" و"المتزنة" و"الحكيمة "في تصرفاتها والتي "لا تنسى ثأرها" و"تتميز بشخصيتها القوية" والتي "تفرض نفسها بسطوتها وحزمها على الجميع"، والتي تواجه الصدمات بكل قوة وثبات، وتقوم من كبواتها لتبدأ من جديد من دون كلل أو ملل، متناسية أنوثتها أحياناً، ولكنها تتذكرها في أحيان أخرى كسلاح فتاك ضد الرجل الباحث عن ملذاته.

ربما لم يتنبه أحد للدور الفكاهي الذي يؤديه الرجل في الشخصيات المختلفة داخل زوبعة مسلسلات هذا العام، وأصبح القاسم المشترك في الأعمال كلها، فهل كان من الواجب أن نضحك منه أم نضحك عليه؟ ربما أدرك الرجل بذكائه الفطري، سواء كان مؤلفاً أو مخرجاً أو ممثلاً، أن ظهور شخصية الرجل العربي ضعيفة ومهزومة ومأزومة ومغلوبة على أمرها، وتسليم قيادته للأنثى تفعل به ما تشاء، مبرر للحصول على رضاء العم سام الذي بات يترصد خطواته ويتهمه بالإرهاب تارة، وبالتطرف تارة أخرى، وبأنه يصادر حقوق المرأة في المجتمع العربي، ولذلك يصر على معاقبة مملكة الذكور على كل ما اقترفته في حق الجنس اللطيف.

أو ربما حان وقت تبديل الأدوار بين الديوك والدجاجات، فيأخذ كل منهما مكان الآخر، ليس من الناحية البيولوجية ولكن من الناحية العملية، من حقوق وواجبات، حيث احتكرت الدجاجة السلطة، بعد أن خابت مملكة الديوك في إصلاح شأن "العشة"، واختل الهرمون الذكوري نتيجة لزيادة التيستسترون في الدجاجة مما حرضها على الاندفاع وامتلاك القوة وفرض الهيمنة.

لقد جاءت الأعمال الدرامية لتعلن تسليم الرجل بالهزيمة، وتستكمل صورة الضعف العربي، وتفضح الأزمة في كل شيء، رغم أن الموضوعات معادة والأفكار مكررة، والعرض في معظمه ممل، وافتقد التطور والإبداع ولا يتناسب مع سمات العصر من تقدم تكنولوجي وانتشار المعرفة والتخلي عن القوة الجسمانية، وإحلال العقل والتفكير، وظهور مجتمع يبحث عن فرصة ليلحق بركب الحضارة الإنسانية، حيث نجد أن سوق الفيديو، كما يطلقون عليه، قد انقسم إلى أنواع عدة من صور وموضوعات مملكة الرجال، بعضها يعبر ضمنياً والكثير يعبر بصراحة فجة عما آل إليه حال المملكة.

يندرج مضمون معظم الموضوعات تحت الأنواع التالية:

- قضايا فساد الرجل وانشغاله بالتهريب وارتكاب الجرائم بأنواعها، وهو ما تناولته مسلسلات مثل: "الجانب الآخر" حيث رجل الأعمال العائد من الغربة ليستقر في وطنه فيواجه مشاكل فساد لا حصر لها سواء داخل عائلته أو في النظم الإدارية الحكومية. ومسلسل "ملح الأرض" الذي يتعرض للصراع بين المستثمرين المستغلين الذين يسعون للثراء من أي مصدر ولو على حساب أصحاب الأرض. ومسلسل "محمود المصري" حيث يصارع رجل الأعمال العصامي بعض الاقتصاديين العالميين، ثم مسلسلا "الإخطبوط" و"لقاء السحاب"، ففيهما تنهار القيم والمبادئ الأخلاقية وينجح الفساد، ومسلسل "عباس الأبيض في اليوم الأسود" الذي تنازل فيه الرجل عن مبادئه وقيمه التي آمن بها، وحتى بالغش والتزوير ليهرب من قدره الذي ظل يلاحقه في غربته.

- موضوع صراع الرجال على الثروة والأموال والذي تعرضت له أعمال درامية عدة مثل: "عمارة الأسرار" والطمع في أموال الأيتام واستغلال ظروفهم للاستيلاء على ثرواتهم، ومسلسل "أصحاب المقام الرفيع" الذي يسيطر فيه الأخ الأكبر على ثروة أخوته ويفرض عليهم القيود حتى في اختيارهم لشريكة الحياة تحت زعم الحفاظ على التقاليد والانتقام ممن تسبب في قتل أبيه، في الوقت الذي يبحث فيه عن إرضاء نزواته.

- مسؤولية الرجل عن انهيار الأسرة وقيمها الاجتماعية، وهو ما ركزت عليه مسلسلات مثل: "عيش أيامك" لرجل يبحث عن ملذاته وما ضاع من حياته بعد أن وصل إلى "سن اليأس" ويمر بأزمة منتصف العمر، وكأن هذا هو حال العرب في أزمتهم، فهم يهربون من واقعهم إلى أحلامهم. ومسلسل "بابا في ثانية رابع"، يطالب الآباء بوضع أنفسهم مكان الأبناء ليعرفوا ما يشعرون به وما يعانونه، بدلاً من أن يكون الأب قدوة ويتحمل مسؤولية التوجيه والنصح. وفي مسلسل "حكاية عابدين الأنور" نجد الصراع الطبقي وافتقاد الزواج لمحتواه الحقيقي نتيجة للقصة الأزلية حول زواج الغني بالفقيرة. وأخيراً فإن مسلسل "الصعود إلى القلب" يتعرض للصراع التقليدي بين العائلات الذي يشعل نيرانه الرجل وتحاول المرأة بحكمتها تهدئة الأمور.

كل هذه الأعمال التي تشابهت في موضوعاتها وتكررت أفكارها ومضامينها، بحيث لم يعد هناك أي جديد يمكن أن تضيفه، فاقها قيام الرجل بتأدية دور النساء في بعض المسلسلات الخليجية، لتزيد الطين بلة كما يقولون، ويصبح الرجل مسخاً لا معنى له، وتصبح الرجولة مثاراً للشفقة، ويتطوع الرجال لقتال الرجال من أجل الفوز برضاء الحريم بعد أن تجرد الرجل من حقوقه وتنازل عن مسؤولياته للزوجة والأبناء. وإذا سلمنا جدلاً بأن الحياة صارت تحتاج إلى العقول أكثر من حاجتها إلى القوة الجسدية فهل معنى ذلك أن يتخلى الرجل عن عقله لصاحبة العصمة لتدير شؤون الحياة كلها ضارباً بعرض الحائط كل القيم والمبادئ التي تحقق التوازن الإنساني في المجتمع وتضمن المساواة في الحقوق والواجبات؟

لقد أصبحت مملكة الرجال في أزمة، سواء في الأعمال التليفزيونية أو على أرض الواقع، فالرجل هو الذي فقد عقله ويسعى لإثارة الحروب والصراعات بينما المرأة تضمد الجراح وتعالج الآثار الناجمة عن تصرفاته، فكيف يتحقق التوازن في مثل هذا العالم بعد أن تختل موازينه؟

كان التكرار والتشابه في المسلسلات دليلين دامغين على الإفلاس الإبداعي والاستمرار في اجترار المخزون القديم من الموضوعات من جانب، والعجز عن تقديم الجديد الذي يعكس حقيقة التطور في المجتمعات العربية عامة والخليجية على وجه الخصوص من جانب آخر.

وإذا كان البعض يقول إن الرجال يجنون ثمار ما زرعوه حول الأنثى من أفكار وآراء، وما فرضوه عليها من قيود ومحددات، فقد آن الأوان لتواجه مملكة الرجال الواقع بكل جدية وموضوعية وتمنح المرأة حقوقها وحرياتها وتساند قضاياها من دون شعور بالنقص أو الانتقاص، ومن دون نظرة دونية، ومن دون خوف أو وجل على مصير الرجل ومكانته. ولسنا في حاجة لتذكير الجميع بالدور التاريخي للمرأة الأم والأخت والابنة والمجاهدة. وكل مسلسل و"الذكور" بخير، وعيدكم مبارك.