بعدما أحدثت أسعار النفط هزة في الاقتصاد العالمي نتيجة للارتفاعات غير المسبوقة التي حدثت خلال الشهور المنصرمة والتي أدت إلى وصول سعر النفط الأمريكي الخفيف إلى ما يقارب 56 دولاراً للبرميل بدأت الأسعار رحلة الهبوط.

لماذا هذا التبدل في حركة الأسعار وماذا جرى؟ هناك عوامل مهمة أساسية منها ارتفاع حجم المخزون التجاري في الولايات المتحدة وارتفاع معدلات الانتاج في دول الأوبك بما يزيد على الحصص المقررة لكل من هذه الدول.. ويبدو ان الدول الرئيسية المنتجة للنفط أرادت ان تسهم في استقرار أسواق النفط وتعزز امكانات التحسن في أداء الاقتصاد العالمي وقررت ان تزيد من الانتاج بما تسمح به الطاقات الفنية لديها.. كما ان عدداً من وزراء النفط في هذه البلدان لم يتردد في إعلان أن انخفاض الأسعار إلى مستويات تراوح بين 35 و40 دولاراً سيكون مقبولاً.. ولا شك ان الأوضاع التي أسهمت في الارتفاع المهم في أسعار النفط خلال الفترة الماضية ومنها الاضرابات وأعمال العنف والتخريب في بلدان مثل فنزويلا ونيجيريا واندونيسيا والعراق بدت بالتقلص حيث هناك تحسن ملموس في الأوضاع في هذه البلدان، وإن لم يكن كافياً، لتمكين هذه البلدان بالإنتاج بالمستويات التي تسمح بها قدراتها الفنية.

ماذا تعني هذه التطورات المستجدة في سوق النفط للبلدان المنتجة؟ لا شك ان هناك بلداناً قد راهنت كثيراً على ارتفاع الأسعار لكي تجني إيرادات مالية تمكنها من مواجهة التزامات الانفاق الجاري والاستثماري ولذلك فإن التراجع إذا استمر بوتيرة حادة فإن حسابات وتقديرات ميزانياتها الانفاقية سوف تضطرب.

ان من المحتمل ان تكون بلدان الخليج حسبت إيراداتها بشكل متحفظ، وربما حسب بعض من هذه البلدان الإيرادات على أساس سعر دون الثلاثين دولاراً، وربما دون العشرين دولاراً لبعض منها، ولذلك فإن هذه البلدان ستحقق إيرادات فعلية أفضل من التقديرية وربما تحقق فوائض في الميزانيات، وقد يكون من المفيد لهذه البلدان ان لا تعتمد على إيرادات نفطية عالية تثبط لديها الرغبة في الاصلاح المالي وتعطل عزمها على انجاز اصلاحات اقتصادية تمكن من تحقيق قدر، ولو يسير، من تنويع في القاعدة الاقتصادية.. إن عودة الأسعار إلى مستويات دون الأربعين دولاراً للبرميل ستساعد الاقتصاد العالمي على التحسن.. وإذا كان سعر صرف الدولار انخفض بنسبة مهمة تجاه العملات الرئيسية مثل اليورو والجنيه الاسترليني والين فربما يساعد انخفاض سعر النفط على تحسين سعر صرف الدولار حيث ان الولايات المتحدة تستورد ما يزيد قليلاً على نصف احتياجاتها من النفط من الخارج ولا بد ان الانخفاض في الأسعار سيؤدي إلى تخفيض في قيمة العجز في الميزان التجاري.

ان دول الخليج تملك استثمارات مهمة، لحسب القطاعين العام والخاص فيها، في الدول الرأسمالية الرئيسية وعندما تنتعش الأسواق المالية فإن التحسن في قيم هذه الاستثمارات وارتفاع معدلات الأداء سيكونان من الأمور المفيدة لاقتصاديات المنطقة.. وتمثل هذه الاستثمارات في الخارج أهم مصدر للدخل بعد النفط لدول الخليج، ولا بد ان المسؤولين فيها لا يرون ان الارتفاع في أسعار النفط مفيداً في كل الأوقات والظروف، وان هناك أهمية لتوازن العرض والطلب بما يحقق الاستقرار والتحسن في الاقتصاد العالمي، لكن ذلك لا يمكن ان يتحقق بصورة مؤكدة من دون مواجهة استحقاقات الارتفاع في الطلب على النفط، كما تؤكد الدراسات الاستراتيجية والتي اعتمدت من قبل مؤسسات مرموقة، يعني ذلك أهمية الاستثمار في أعمال الانتاج والذي يتطلب المليارات من الدولارات، ويؤكد ضرورة توفير الأموال مباشرة أو من خلال المشاركة مع الشركات النفطية الكبرى.

أكدت التطورات الراهنة في سوق النفط أهمية دور الأوبك والتي عززت حضورها بشكل مهم وتمكنت من السيطرة على أوضاع العرض وأيقن العالم بالمسؤولية التي تضطلع بها البلدان المنتجة الرئيسية وأهمية هذه المسؤولية