رسالة جنوب إفريقيا ـ يحيي غانم :عندما جلست إلي الزعيم الإفريقي النامبيبي الكبير سام نيوما‏,‏ بادرني بالسؤال عن أحوال وزراء ومسئولين مصريين سابقين تعامل معهم في أثناء فترة نضاله ضد العنصرية التي حكمت بلاده حتي عام‏1990,‏ كنت أعرف دور مصر الرائد في دعم ح التحرير في جميع ربوع قارة إفريقيا‏,‏ إلا أن المعرفة شيء وأن تري أثر ذلك الدور الآسر علي قادة أفارقة عظام‏,‏ ومن ثم علي شعوبهم‏,‏ جعل الزعيم الإفريقي يتحدث عن مصر وأياديها البيضاء علي جميع دول إفريقيا جنوب الصحراء‏,‏ حتي أشفقت علي الوقت المخصص للمقحفية من أن ينتهي قبل أن اتمكن من طرح ما لدي من اسئلة علي الرجل‏!.
وفي مقابلة صحفية أخري‏,‏ عندما طرحت سؤالا علي إيسوب باهاد وزير شئون الرئاسة الجنوب إفريقي حول تأثير مصر فكريا وحركيا علي النضال ضد نظام التفرقة العنصرية في بلاده‏,‏ بحكم كونه أحد القيادات البارزة التي شاركت في فترة النضال‏,‏ قال الرجل‏:‏ بالرغم من ث لايدور كثيرا عن هذا الموضوع فإن الحقيقة هي أن مصر كانت من أوائل الدول في العالم التي قامت بتدريب مقاتلي حركة المؤتمر الإفريقي الوطني علي السلاح علي أراضيها‏,‏ وأضاف باهاد‏:‏ إن مصر مثلت لنا دعما مهما وجوهريا ومحوريا في التحرر ونحن لن ننسي لها ذلك أبدا أن الرجل لم يتوقف عن هذا الحد‏,‏ حيث قال‏:‏ وبالنسبة لي ولمن في عمري فإن مصر كانت الموئل‏,‏ كما أن القائد جمال عبدالناصر لم يكن بطلا فقط وإنما هو كان ـ وسيظل ـ في وعينا هنا في جنوب إفريقيا وفي قارة إفريقيا بطل جميع الأبطال ولا احد ينازعه في هذه المي هذا البلد‏,‏ وذلك الرجل كان له تأثير هائل علي جميع الشعوب الإفريقية وإذا كانت تلك الكلمات قد سمعتها من زعيم إفريقي كبير‏,‏ بالإضافة إلي تلك التي نطق بها احد الكوادر المهمة في حركة النضال الوطني في جنوب إفريقيا فإن تلك المعاني وأكثر منها سمعتها خلال لت صحفية مع وزراء ورؤساء وزراء ورؤساء أفارقة بداية من اثيوبيا ومرورا بموزمبيق وناميبيا وزامبيا وزيمبابوي وغانا وغينيا ووصولا إلي مدغشقر‏!‏ تلك الكلمات والمواقف تؤكد أن مصر ظاهرة في إقليمها وذلك بالمعنيين ظاهرة كعلم قمة الجبل مميز لقارته وظاهرة أي غالبة لكالتحديات التي واجهت إقليمها‏.‏ وحتي نستطيع إدراك ذلك المعني الخاص جدا للدولة الظاهرة فلابد من التأصيل لهذا المعني حتي نعي مكانة مصر في محيطها الإقليمي والتأصيل في هذا المقام له بعدان‏,‏ بعد تاريخي يعود إلي زمن المصريين القدماء ويجري لكي يتصل بآخر معاصررة تأسيس مصر الحديثة في زمن الأسرة العلوية‏.‏ وبعد آخر أكثر حداثة بدأ في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وسوف نبدأ بالبعد الحديث وذلك قبل أن نعود إلي الوراء بالتدريج
البعد الحديث‏:‏ منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي داعب حلم إنشاء منظمة قارية تجمع الدول الإفريقية خيال عدد من قادة الدول الإفريقية وعلي رأسهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر‏,‏ وجاءت اللحظة التاريخية المناسبة في عام‏1964‏ عندما تبنت مصر مشروع تأسيس كريقي تنتظم فيه الدول الإفريقية علي غرار جامعة الدول العربية التي ولدت قبل ذلك التاريخ بـ‏17‏ عاما وقد كان لمصر ما أرادت بالتعاون مع شقيقاتها الإفريقية التي كانت قد حصلت علي استقلالها في بداية الستينيات بمساعدات هائلة قدمها الشعب المصري لإخوانه من شعوب الرة الإفريقية إلا أن أهداف مصر كانت تتجاوز خط الأفق فقد كانت رؤية مصر تتلخص في أن منظمة الوحدة الإفريقية ليست سوي مرحلة من العمل الجماعي الإفريقي تعقبها مرحلة أكثر تطورا تقترب من الاتحاد الكونفيدرالي الإفريقي‏,‏ وقد كان الدور المصري الداعم بقوة لمنظمة الوة الإفريقية وأهدافها‏,‏ بالإضافة إلي الدعم اللامحدود لحركات التحررـ الذي أسفر عن تحرير جميع دول القارة وتأهيلها للانضمام للمنظمة بما في ذلك تحرر جنوب إفريقيا في عام‏1994‏ من النظام العنصري السابق ـ أحد الاسباب الرئيسية في ان تصل كل من القارة الإفريقية متها إلي مفترق طرق تاريخي‏.‏ وبغض النظر عن سرعة نسيان العديد من الناس عظيم فضل مصر واحدي بنات افكارها منظمة الوحدة الإفريقية في تحرير القارة من الاستعمار‏,‏ بالإضافة إلي وضع الاساس النظري والعملي للعمل الإفريقي المشترك والذي بدونه لم يكن للإتحاد الإفرين يكون فإن الـظروف الدولية والإقليمية حتمت أن يشهد العمل الجماعي الإفريقي نقلة نوعية تناسب ظروف المرحلة الجديدة علي الصعيد القاري وقد تزامنت تلك اللحظات مع حلول الألفية الثالثة عندما صدر القانون التأسيسي لقيام الاتحاد الإفريقي في عام‏2000,‏ وذلك قبل أن ين عن قيام الاتحاد الإفريقي الجديد خلال قمة ديربان بجنوب إفريقيا في عام‏2002,‏ ثم تعاقبت بعد ذلك القمم العادية والاستثنائية حتي جاءت قمة أبوجا بنيجيريا التي ستعقد في نهاية شهر يناير الحالي‏,‏ وقد قطعت إفريقيا شوطا كبيرا علي طريق تأسيس الأجهزة اللازمة للاق علي طريق تحقيق الأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وغني عن القول بأن مصر كان لها باع طويل في المساهمة بفاعلية في تأسيس هذه الأجهزة ناهيك عن كونها احدي الدول الخمس الرئيسية التي وضعت الاسس لمبادرة استراتيجية للشراكة‏(‏ النيباد‏)‏ التي تعد الذراع الادية للاتحاد الإفريقي‏,كما أنها تتولي حاليا أهم ملف في النيباد‏,‏ الا وهو ملف فتح الاسواق الخارجية للمنتجات الزراعية الإفريقية ويقدر البعض المساعدات التي قدمتها مصر فيما بين منتصف الخمسينيات وحتي بداية الثمانينيات من القرن الـ‏20‏ بما يقترب من ثلاثة مليارات جنوفي عام‏1981‏ قررت مصر أن تستحدث آلية إضافية لمساعدة الدول الإفريقية وهي صندوق التعاون الفني الإفريقي الذي يمد دول إفريقيا جنوب الصحراء سنويا بمختلف أنواع المساعدات وعلي رأسها الخبراء في جميع المجالات حتي يومنا هذا
البعد القديم والمعاصر
يخطئ من يعتقد أن نهوض مصر بمسئوليتها التاريخية تجاه قارتها‏,‏ بدأ منذ ثورة عام‏1952‏ فثورة يوليو جاءت كحلقة مكملة في تاريخ طويل يعود إلي أكثر من خمسة آلاف سنة فمن جانبهم تعامل المصريون القدماء مع نهر النيل ليس كشريان يجري من جنوب القارة لشمالها وإنما باره حبلا سريا يربط بين توءمين فقاموا بوصل طرق للتجارة مع جنوب القارة بنفس قدر وصلهم طرقا لنشر الحضارة وإذا كان هذا هو موقف الأجداد القدماء فإن أحفادهم في بداية القرن الـ‏19‏ لم يكونوا أقل منهم تحملا للمسئولية تجاه قارتهم السمراء فقد أدرك المصريون في عهد مد علي وابنائه حقائق التاريخ والجغرافيا السياسية ومن ثم سعوا لوصل مصر بإفريقيا جنوب الصحراء من خلال جميع الوسائل التي لجأ لها أجدادنا الفراعنة مضافا اليها الفتح العسكري الذي كان إحدي وسائل تنفيذ السياسة الخارجية للقوي الإقليمية في ذاك الوقت وعلي العكس مما قد يعتقده كثيرون فإن الفتح العسكري المصري لإفريقيا جنوب الصحراء كان بهدف تحقيق الوحدة وليس للاستعمار‏.ففي سبعينيات القرن الـ‏19,‏ نجحت مصر في نظم اجزاء من وادي الكونغو وجانب من أوغندا واجزاء من رواندا‏,‏ ناهيك عن السودان في عقد دولة مصرية موحدة وبالنظر إلي هذه الأبعاد الزمنية لعلاقة مصر العضوية مع إفريقيا جنوب الصحراء فإنه يمكن الخروج بعدة ملحوظات ومن ا‏:
ـ أنه بالرغم من أن ماقدمته مصر إلي قارتها كان انطلاقا من احساسها بالمسئولية التاريخية وبالتالي فإنها لم تنتظر مقابلا إلا أن ذلك لايعني أن تقعد مصر عن البحث عن مصالح اقتصادية وسياسية مفقودة لها جنوب الصحراء‏.
ـ إن الكثيرين يعتقدون خطأ أن سعي مصر لتمثيل قارتها الإفريقية بمقعد دائم في مجلس الأمن ـ علي سبيل المثال ـ يعد أحد أوجه استفادة مصر من قارتها الإفريقية في حين أن الحقيقة هي أن بسعيها هذا إنما تواصل مسيرتها التاريخية في خدمة قارتها في المقام الأول‏.
ـ أن البنية الاساسية التي يمكن أن تعتمد عليها مصر في تعبيد طريق ذي اتجاهين للاستفادة المتبادلة قائم بالفعل والذي يتمثل في تاريخ طويل من العطاء من اتجاه الشمال للجنوب‏,‏ بالإضافة إلي تمثيل دبلوماسي وتجاري في القارة يأتي ضمن الـ‏10‏ الأكبر علي مستوي التمالأجنبي في إفريقيا‏,‏ أيضا فإن حجم الأصول من مبان وأراض التي تمتلكها مصر في القارة لاتحظي به دولة عظمي وإن كان معظمها متروكا كبيوت اشباح‏!‏ هذه البنية الاساسية‏,‏ يعد تركها بدون استفادة خطيئة في حق ا
ـ أنه من الظلم تحميل وزارة الخارجية عبء النهوض بجميع محاور العلاقات المصرية ـ الإفريقية حيث ان العديد من تلك المحاور يقع من صميم اختصاص وزارات وهيئات أخري‏.وفي هذا المقام فإن وزارة الخارجية يمكن ان تلعب دورا لايقل أهمية ويتمثل في التنسيق بين تلك الوزارات‏,‏ وأن تكون همزة الوصل بينها وبين الجهات الخارجية
الشاهد‏,‏ أن مسئولية مصر تجاه قارتها يمليها التاريخ‏,‏ كما تحدد مسارها الجغرافيا‏,‏ فإذا اضيف إلي الاثنين المصالح الاقتصادية فإن ذلك من شأنه أن يؤكد أبدية وحدة المصير‏,‏ تلك الخلفية التي كانت هادية لتحرك مصر الإفريقي علي مدار خمسة آلاف عام مضت‏,‏ستكون هي الهادي لمصر في خلال القمة الإفريقية التي ستعقد في أبوجا بنيجيريا في نهاية الشهر الحالي‏,‏ وفيما يعقبها من قمم قادمة‏