مقتربات الكتابة عن هشام شرابي عديدة، وقد لا يكون أهمها ما تذكرته فور سماعي نبأ رحيله، فذات مساء، وبعد محاضرة القاها في مؤسسة شومان، سألته سيدة عن موقفه من المرأة فصمت قليلا واوشكت عيناه على ان تدمعا.. ثم قال: لدي مقالات وكتب في هذا المجال، وكنت اتوقع ان تكون قد قرئت على الاقل من اشخاص لهم صلة.
هشام شرابي اكاديمي عريق، وباحث من طراز اصيل، احدثت هزيمة حزيران انقلابا في حياته، فعاد الى الوطن العربي الذي سرعان ما حاصره، وخذله فعاد ثانية الى منفاه، وقد تكون ذكرياته سواء في الجمر والرماد او صور من الماضي نموذجا لسيرة مثقف عربي، كان توأم التراجيديا في مسقط رأسه يافا وواصل الرجل العطاء والعصيان على المقرر السياسي والسائد الثقافي، فكتب عن الاسرة العربية والباترياركية على اختلاف تجلياتها في حياتنا، واساء الكثيرون فهمه، مثلما اساءوا من قبل فهم ادوارد سعيد وآخرين من ذوي الاطروحات المضادة للامتثال والقطعنة!
لقد افتضح شرابي عدة ظواهر مزمنة في الحياة العربية، افتضح التاريخ المدون الداجن والمعقم، وقدم مثالا مثيرا واستثنائيا في كتابه تجربة في التاريخ الشفوي، وكان شريكه في التذكر واستعادة المحذوف والمسكوت عنه المناضل صالح برانسي.
وافتضح سايكولوجيا العربي المقهور، الذي تتلخص ادبياته التربوية في عبارة بالغة الكثافة، هي »فشل أخي نجاحي«!
ان من عرفوا الرجل عن قرب، هم الادرى بما جعله على الدوام مفعما بالاسى، ومخذولا، وان كانت ملامحه الصارمة تخفي وراءها نبلا يندر ان يعيش في زمن كهذا، احتل فيه الذرائعيون وحلفاؤهم اللكبيون المشاهد كلها.. من السياسي الى الثقافي، ومن الملكوت الى المنفى!
كان هشام شرابي متواضعا، ومترفعا عن امراض النخبة العربية المهاجرة، لا يكتب الا ما يفكر به ولا يسترضي احدا، لهذا لم يكن طافيا على السطح ولم تكن لديه الخفة التي يزهو بها الاقل علما وثقافة!
كابد المرض زمنا طويلا، وروى حكايته معه، بأسلوب قلما يلوذ به الا هؤلاء الذين شحذت احزانهم ارادتهم ولم تشلها!
وبرحيله فقدنا واحدا آخر من جيل يندر ان يتكرر.