جيم هوغلاند *
فضت ادارة الرئيس جورج بوش تحالف الدول الذي نظمته بغرض تسريع خطوات إغاثة الدول المنكوبة، بفعل كارثة الزلزال البحري (تسونامي)، بنفس السرعة التي شكلته بها. فقد تولت منظمة الامم المتحدة عمليات تنسيق المساعدات الانسانية للدول المتضررة من الكارثة، بعد ان تخلت ادارة بوش عن فكرة تحالف الدول، لتنسيق جهود المساعدات الانسانية وتسريع خطواتها.
لا غبار بالطبع على تولي منظمة الامم المتحدة هذه المهمة، ولكن التخلي عن فكرة التحالف التي تبنتها ونظمتها ادارة بوش، قرار لم يحالفه التوفيق. ففكرة وجود مجموعة من الدول الآسيوية، تعمل مع الولايات المتحدة، في التعامل مع ازمة اقليمية، تعتبر خطوة واعدة وايجابية، ولا ينبغي بأية حال التخلي عنها تماما بسبب التطورات، التي حدثت فيما يتعلق بالجهة المنوط بها الإشراف على تنسيق جهود المساعدات، لذا يجب على الرئيس جورج بوش ان يعيد النظر في هذه المسألة ويعود الى تبني هذه الفكرة مجددا.

فتراجع واشنطن عن هذه الفكرة، جاء بسبب عاصفة من الغضب والسخط، عبر عنها قادة اوروبيون ومسؤولون في الامم المتحدة، فضلا عن شخصيات دولية معروفة، كرد فعل على اعلان الرئيس بوش في 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عن تكوين تحالف للدول المانحة، بقيادة استراليا والهند واليابان والولايات المتحدة للمساعدة في إزالة الآثار المدمرة لكارثة سونامي الاخيرة.
والى ذلك، فعقب سماعه الاتهامات بأن الرئيس بوش يحاول مجددا «اغتصاب السلطة» و«إحداث انقسام» وسط المجتمع الدولي، حاول وزير الخارجية كولن باول خلال حديث له في 6 يناير (كانون الثاني) الجاري، التقليل من شأن هذه المخاوف لدى بعض الدول، وأعلن في قمة انعقدت في اندونيسيا في مطلع يناير الحالي، تخلي واشنطن عن دور تنسيق جهود المساعدات الانسانية، وترك هذه المهمة للامين العام للامم المتحدة، كوفي أنان، ورئيس البنك الدولي، جيمس وولفينسون وآخرين، فيما فرضت الحكومة الاندونيسية قيودا على موظفي الإغاثة، وأبدت تذمرا ازاء وجود قوات اجنبية على اراضيها، بغرض إنقاذ حياة الاندونيسيين.

هذا الفصل من الاحداث يسلط المزيد من الضوء على الشؤون العالمية، مع انطلاق الولاية الثانية للرئيس جورج بوش، فسرعة تراجع واشنطن عن مبادرة التحالف الدولي لمواجهة آثار كارثة مد تسونامي الزلزالي، جاء نتيجة لردود الفعل التي أثارها مقترح بوش، الذي ينم على نيات حسنة في الاساس، وهو مقترح يماثل تفكير رئيس وزراء استراليا جون هاوارد. وتعكس ردود الفعل هذه، حالة التوتر والشد في العلاقات، في وقت يسعى فيه كوفي أنان جاهدا لانقاذ سمعته من خلال إثبات نزاهة موظفين ومسؤولين في الامم المتحدة، في مواجهة الاتهامات بالفساد والاهمال. ويمكن القول في هذا السياق، ان أنان ورئيس موظفيه الجديد، مارك مالوك براون، ينظران الى تعزيز دور قيادة الامم المتحدة في ازمة المساعدات الانسانية، كعامل حاسم وحيوي لمستقبل المنظمة، وهي مهمة نجحا في تنفيذها بصورة فاعلة.

والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن هو: الى ماذا تشير هذه الحلقة في مسلسل الأحداث فيما يتعلق بولاية بوش الثانية؟ فالرئيس بوش لم يثبت قدميه هذه المرة، على ارضية فكرة «تحالف الراغبين»، التي وعدت واشنطن من خلالها، بفوائد جيوبوليتيكية للولايات المتحدة، إذ منح بوش الامم المتحدة هذه المرة كل مساحة التحرك التي سعت للحصول عليها.

جاء تراجع بوش عن فكرة تحالف المساعدات الذي اعلن عنه في اواخر ديسمبر الماضي، في وقت يستعد فيه لجولة اوروبية في منتصف فبراير (شباط) المقبل، ومن المحتمل ان تسبقها زيارة للرئيس الفرنسي جاك شيراك الى واشنطن، ولذا فإن إصلاح العلاقات مع الدول التي عارضت غزو الولايات المتحدة للعراق، تبدو في صدارة اولويات ولاية بوش الثانية.

ولا يشير هذا التوجه الى تغيير فحسب خلال ولاية بوش الثانية، وإنما يسلط الضوء ايضا على نمط التعامل الذي كان سائدا خلال ولاية بوش الاولى، والتي كان يترك فيها حرية التصرف لكولن باول فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، لكنه يلجأ في نهاية الأمر الى الاعتماد على الآراء المتشددة لنائبه ديك تشيني عند عملية اتخاذ القرار.

ومن هنا فالتحدي الذي يواجه كوندوليزا رايس، ونائبها المرشح بوب زوليك، يتمثل في التوصل الى منهج موحد للتعامل، يعتبره حلفاء الولايات المتحدة واعداؤها على حد سواء، معقولا وغير مفاجئ.

ما يمكن قوله هنا، هو ان الفريق العامل مع بوش لديه الامكانيات التي يمكن ان يعتمد عليها، في تأسيس سياسة آسيوية، وهذا ما تفتقر اليه واشنطن في الوقت الراهن. كما يمكن القول ايضا ان استراليا والهند واليابان، لديها استعداد اكثر، مقارنة باوروبا، لتقبل رؤية بوش الاستراتيجية، لإحداث تغيير جذري في العالم. إعلان بوش عن تحالف المساعدات، بقيادة الولايات المتحدة واستراليا والهند واليابان، لدرء آثار كارثة سونامي، جاء كاعتراف طبيعي بهذا الواقع، وإن كان سابقا لأوانه.

وإذا كانت من إشارة هنا، فهي أن الصين، القوة الآسيوية الصاعدة، هي الطرف المفقود في هذه المجموعة، ويجب ألا ننسى ان الادارة الاميركية في حاجة الى بنية اقليمية، تستوعب وتعزز التوجهات البناءة لبكين، وتحد ايضا من قدرتها على الإضرار بالآخرين.

وأخيرا، فإصلاح العلاقات مع اوروبا في وقت مبكر، عملية لا تكلف الادارة الاميركية كثيرا، ولن تغير في الغالب من نقاط الخلاف الاساسية بين جانبي الاطلنطي. نعم لزيارة اوروبا المرتقبة الشهر المقبل، ولكن، سيادة الرئيس، ينبغي ان تفكر مليا وعلى وجه السرعة حول آسيا، فخطوات التغيير الاستراتيجي تمضي مسرعة.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»