لا يوجد اي خيار آخر فاما ان تجري الانتخابات في العراق، ولو على اساس الحد الادنى، وتتوفر فرصة حقيقية لان يلتقط هذا البلد انفاسه ويخرج من دوامة الانقلابات العسكرية والتصفيات والعنف التي دخلها من بوابة انقلاب تموز 1958 المشبوه واما يحقق المخربون والارهابيون ومروجو بضاعة الموت اهدافهم وتكون النتيجة «بلقنة» وتمزقا وحروبا طائفية ومذهبية قد تستمر كما استمرت حرب البسوس لاربعين عاما واكثر.
لا امل ولا مجال لعودة صدام حسين وزمره وجلاوزته الى الحكم فهذه صفحة غدت مطوية ولن تعود واذا كان سيشارك بعثيون في صنع مستقبل العراق المشرق فانهم لن يكونوا من بين الذين ولغوا في دماء العراقيين في العهد البائد واوصلوا العراق الى ما وصل اليه وانما من الذين كانوا ضحايا هذا العهد ومن بينهم اياد علاوي وحزبه «حزب الوفاق» الذي خرج نظيفا من رحم المرحلة الصدامية الدموية.
لم يعد هناك اي شك في ان الانتخابات التي هي اول انتخابات فعلية منذ ذلك الانقلاب الاسود في تموز 1958، ستجري في موعدها وهي بالتأكيد ستكون خطوة متقدمة جدا قياسا بتلك الانتخابات المهزلة التي اعطت للرئيس المخلوع مائة في المائة من اصوات العراقيين بما في ذلك سكان المقابر الجماعية ونزلاء السجون والهاربون بارواحهم الى الخارج والمصلمة آذانهم والمجدوعة انوفهم.
ربما لن تجري الانتخابات في اثنتين من محافظات العراق التي هي ثماني عشرة محافظة واستثناء بعض المحافظات العراقية من الانتخابات سنة كان قد سنها صدام حسين نفسه عندما اجرى انتخابات «البيعة» لنفسه بدون مشاركة الشمال الذي كان قد تحول الى ما يشبه الدولة المستقلة بعد حرب اخراج الجيش العراقي من الكويت وبعد الانتفاضة «المغدورة» التي اندلعت في نهايات تلك الحرب.
ان «ابغض الحلال عند الله الطلاق» وان اجراء الانتخابات المقررة في نهايات هذا الشهر سيكون بصيص الامل الوحيد لتجنيب العراق مصيرا مظلما، اذا بقيت الامور هناك تدور في حلقة العنف هذه واذا بقيت الايدي الممتدة من الخارج تعبث بأمن هذا البلد واستقراره على هذا النحو، ولعل اسوأ المفاجآت على هذا الصعيد هو انسحاب الاميركيين على نحو مفاجىء وقبل ان تهدأ الاوضاع وهذا ما حذر منه الرئيس المصري حسني مبارك في تصريحاته الاخيرة.
هناك من غير العراقيين، من يحاولون تنصيب انفسهم اوصياء على هذا الشعب الذي بقي راعف الجرح لاكثر من اربعين عاما ويقينا ان الذين يقفون ضد الانتخابات العراقية من «شيوخ» النضال!! ومخاتيره يحاولون تزوير الحقائق عندما يدعون ان هدفهم هو مناصرة الشعب العراقي فالشعب العراقي بقدر ما هو ضد الاحتلال بقدر ما هو مع هذه الانتخابات وان من يريد احترام مشاعر العراقيين عليه ان لا ينصب نفسه ولي امر لهم وعليه ان لا يذكرهم، حتى مجرد تذكير، بالمقابر الجماعية وصلم الآذان ونظام زمرة دموية جعلت مرحلة اكثر من ثلاثين عاما من عمر هذا البلد العزيز عهد «وحشة وخوف».
على الذين يشعرون ببطالة سياسية والذين يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الانسان هنا في بلدنا وقلوبهم وعقولهم مع صدام حسين في سجنه ان لا يبيعوا بضاعتهم على الشعب العراقي وعلى ضيوفنا العراقيين الذين من حقهم علينا كأخوة لهم ان نسهل وصولهم الى صناديق الاقتراع وان لا نتدخل في شؤونهم الداخلية فهم الذين ايديهم في النار وهم الذين يعرفون ما لا يعرفه «شيوخ» النضال ومخاتيره وما هو في مصلحتهم وما هو في غير مصلحتهم.