تطاردنا وكالات الأنباء يومياً بعشرات الأخبار عن القاتل «تسونامي» لكنها تجمع في نهاية اليوم على ارتفاع عدد الضحايا، فالعداد يأبى أن يتوقف لعل وعسى نتذكر ونتعظ.
وبعيداً عن حقائق مثيرة من المؤكد أن القراء تابعوها على الهواء أو عبر مئات الصحف والمجلات، ومنها الحقيقة المرة مرارة الصبر وهي رفض بعض البلاد إبلاغ مواطنيها بقدوم الأمواج القاتلة حتى لا تتأثر السياحة (حالة تايلاند)، أو «ماذا سنفعل، ليس بيدنا أي شيء» (حالة الهند)، وكذا ما تردد عن رصد الزلزال والأمواج من قبل مراكز الإنذار الأمريكية وإبلاغها بالكارثة لوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، أما الدول المنكوبة فقد فتشوا عن أرقام هواتفها فلم يجدوها، أو أنهم لم يعرفوا أرقام المفتاح الدولي أو ما يسمى بـ «كود الاتصال»!!
بعيداً عن مثل تلك الحقائق، وجدت بين ركام الجثث، وبكاء الأمهات، وصراخ الأطفال، أمراً عجباً يجب ألا يمر مرور الكرام، بعدما اعتدنا أن نقرأ عشرات الأخبار فنفغر أفواهنا دهشة مثل البلهاء، أو نتناقلها عبر حفلات السمر دون الاستفادة من مغزاها.
فقد قال مراسل إحدى وكالات الأنباء المعروفة إن طفلة - أوروبية - تمكنت من إنقاذ نحو 100 سائح في أندونيسيا من أمواج «تسونامي» القاتلة، فأثناء وقوف الطفلة على الشاطىء وجدت منظراً شبيهاً بدرس في الجغرافيا فأبلغت أمها أن أمواجاً قاتلة مقبلة في الطريق، وقصت لأمها كيف أن مدرسها شرح هذا الأمر، وما قاله المدرس ينسحب على ما تراه بأم عينيها.
ولأن الأم تثق في مستوى تعليم طفلتها وتثق في مدرسها ومدرستها، وتثق في ابنتها فقد جاهرت بالتحذير وبالتالي بدأ رواد الشاطىء مغادرته بعيداً عن الأمواج لتكتب لهم النجاة.

انتهت الواقعة، وبدأت الحسرة، ولكن قبل أن أسجل ما يجب الاستفادة منه، أتذكر أن جميع ضحايا الزلزال الذي ضرب مصر في 1992 كانوا نتيجة التدافع والسباق الرهيب ليس بين التلاميذ بل بين المدرس وأطفاله، فتكومت جثث الأبرياء تحت أقدام مدرسيهم وخرجت الأرواح لبارئها وهي تصرخ من فداحة ما نحن فيه من جهل، لأننا تعلمنا الجدل وقت وقوع الكوارث ولم نتعلم حرفاً واحداً عما نفعله إذا وقعت.
ورغم كارثة «تسونامي» فإنني على يقين بأننا لم نتعلم من الكارثة شيئاً اللهم إلا مجموعة تصريحات لا تقدم ولا تؤخر، لقد صفعت الطفلة الأوروبية الكثير من المناهج العربية، ودقت ناقوس الخطر، وهو خطر محدق بالبشرية جمعاء، لأن الزلازل ظاهرة طبيعية، فالأرض من تحتنا لا تتوقف لحظة عن الحركة والاحتكاك ومع مرور الزمن ترتفع الهزات لتشكل زلزالاً، ويكفينا للتدليل على هذا الأمر قوله سبحانه وتعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} وإن كان المعنى ينسحب على يوم القيامة، لكنه يمثل معلومة يقينية للظاهرة، ويجب الاشارة في هذه النقطة إلى الصورة التي التقطتها الأقمار الاصطناعية يوم وقوع الزلزال قبالة شواطىء سريلانكا حيث رسمت الأمواج كلمة «الله» باللغة العربية، وقد نشرت الصورة في الموقع الأمريكي المعروف globalsecurity.org.
نعود إلى الدروس، وهي لاتحصى، ولكن كم يتمنى المرء أن نعي المهم منها لأن تنفيذها جملة واحدة سيظل عصيا على وطننا العربي الكبير المعروف بـ«الميكروفونات» و«التصريحات الوردية».
أليس من حق المواطن العربي أن تمتلك المنطقة محطات رصد وتنبؤ، وفي هذا المضمار كشف العالم المصري في أبحاث الفضاء د. فاروق الباز «انه ظل طيلة 15 عاماً يشحذ إنشاء مثل هذه المحطات وكانت بكلفة لاتتجاوز 300 ألف دولار».
أليس من حق أطفالنا أن نعلمهم ونثقفهم ونطور مناهجهم تماشياً مع العصر وظواهره الطبيعية.
هل الطفلة الأوروبية ولدت في دولة زلزالية، أغلب الظن أن دولتها السويد لم تتعرض من قبل لأية هزات، ولكن مواكبة العصر نهج علمي ثابت يبني أجيالاً ويسلحهم بالعلم النافع، لا يلهيهم بـ«ستار أكاديمي» و«سوبر ستار» ويغرقهم في تفاهات عن أحدث قصات الشعر بما تحمله من أسماء غريبة.
العلم مهمة مقدسة وأمانة حملها ثقيل تحتاج لعقول تتفاعل مع من حولها، لا إلى عقول متجمدة أفسدت عقولنا بإصرارها على القديم ورفضها التجديد وتأففها حين نطالب بربط المناهج بما حولنا من أحداث وظواهر..
الأمم تبنى بالعلم، وتغتال بالجهل، والجهل في بعض مناهجنا العربية هو سيد الموقف.