يلخص العالم العراقي مهدي العبيدي في كتابه «القنبلة في حديقتي» جانبا مهما من المشروع العراقي النووي! فبعد انهيار تمثال الطاغية صدام حسين في ساحة الفردوس الشهيرة.. توجه مهدي العبيدي للقوات الاميركية التي احكمت قبضتها على العاصمة العراقية وادلى بأسرار تتعلق ببرنامج العراق النووي.. كان قد خبأها في حفرة بحديقة منزله في عام 1995، وذلك حين صدرت له الاوامر بإخفاء الوثائق المتعلقة بأهم اجزاء ذلك البرنامج حتى لا تسقط في أيدي مفتشي الامم المتحدة!
كتاب «القنبلة في حديقتي» اشبه بالرواية المشوقة في تفاصيله، وهو كذلك يقدم معلومات مثيرة عن سوق السلاح النووي في العالم، وحيث تبضع العبيدي كما غيره من علماء دول العالم الثالث، ومصانع السلاح واشتروا بالرشوة تارة، وبالخداع تارة اخرى، كل ما يلزمهم لانجاز المشروع العراقي النووي!
الكتاب يبين كيف يمكن لنظام سياسي مثل نظام «صدام حسين»، ان يحول علمائه ونوابغه الى مجرمين، ومطاردين! وحيث يروي الدكتور مهدي العبيدي كيف حوله نظام صدام حسين من عالم ومهندس مثالي في عمله وفكره، الى مخلب شرس في يد الطاغية، دون ان توفر له تلك الظروف مخرجا او خيارا آخر! فالعمل حتى بالنسبة لعالم ذرة مثل العبيدي كان محاصرا بالتهديد والعنف، سواء من قبل صدام حسين مباشرة، او من اطراف آخرين من دائرة النظام الضيقة!
في احد فصول الكتاب، يسأل احد المفتشين عن اسلحة العراق النووية الدكتور مهدي العبيدي عن الاسباب التي تدفع بلدا كالعراق على الاصرار.على بناء قنبلة نووية! وهو السؤال الذي لم يحاول احد ان يسأله من قبل! وقد جاءت اجابة العبيدي بعد تفكير قائلا: «انهم في العراق ويكاد لا يخلو بيت من قضبان حماية على نوافذه، وذلك بعكس الكثير من البيوت في الغرب!» وهو امر يعكس حالة الخوف القابعة في النفس العراقية، والاحساس بعدم الامان، وهو احساس لا وجود له في الوعي الغربي! ومن هنا فإن التفسير الوحيد لسؤال المفتش، وبحسب وجهة نظر العبيدي، ان الاصرار العراقي على بناء برنامجه النووي، يعود الى احساس اللا امان، الذي لم يسلم منه اي مواطن عراقي، سواء كان مسؤولا في الحكومة او مواطنا عاديا!
والسؤال هو هل يمكن ان يحقق الاستعداد العسكري، نوويا كان او لا، الاحساس بالأمان؟ وهل يمكن ان تحقق جاهزية بلد ما العسكرية، او جيوشه المدربة استقرارا ينعكس على سائر شؤون حياة المواطن؟
الاجابة بكل تأكيد بالنفي، والدليل واضح من خلال عملية تقييم بسيطة لدول تتمتع باستقرار وامن، وبدون ان تعزز ذلك الاحساس بالأمان جيوش جرارة، او برامج نووية!
كتاب العبيدي يدق ناقوس الخطر تجاه التسابق النووي الذي اصبح مشتعلا في العالم كله! خاصة في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي، الذي اسقط الحدود في وجه تبادل المعلومات، او تهريبها او سرقتها.
وان كان البعض يرى في مشاريع نووية مثل مشروع العراق للحصول على القنبلة النووية، صمامات امان، تقي من الحروب، خاصة اذا ما كان كلا الطرفين مالكا لمشروع نووي!
بصرف النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع رؤية الدكتور مهدي العبيدي او غيره من العلماء، فإن البرامج النووية، خاصة في البلدان النامية تكون دائما على حساب برامج التنمية والنهضة! والامثلة على ذلك كثيرة.
فالأموال التي استنزفها العراق من مقدرات شعبه وثرواته في سبيل تحقيق حلم ديكتاتور، وطموحه السياسي للسيطرة على شعبه والشعوب الاخرى، بإمكانها - أي تلك الاموال - ان تبني مجتمعا مرفها، ونهضة تشمل سائر نواحي الحياة وتتحول في اثرها إلى حدائق العراق الى اماكن ترفيه، ومتنفس للمواطن العراقي، دون ان تكون مخابئ لآلات الدمار ومشاريعه وكما هي الحال في حديقة منزل عالم الذرة العراقي مهدي العبيدي!