القاهرة من أحمد عبد المنعم: لم يخطر يوماً ببال محمود بيومي ذلك الشاب المصري المفعم بالحيوية والنشاط أن يجد نفسه فجأة وبدون مقدمات طريح الفراش لا يقوى على الحركة إلا بمساعدة الآخرين وأحلامه التي وصلت يوماً إلى عنان السماء لم تعد أكثر من حلم واحد وهو الجلوس فوق كرسي متحرك وحتى هذا الحلم بات بعيد المنال منذ أن تعرض لصعق كهربائي أثناء قضائه شهر العسل مع الزوجة التي اختارها قلبه والصعق الكهربائي جعله طريح الفراش طوال عام ظل خلاله بين الحياة والموت ثم أفاق ليجد نفسه فاقداً الاحساس بالجزء الأسفل من جسده وصارحه الأطباء باستحالة ايجاد علاج لحالته وأن عليه تمضية بقية حياته فوق «مرتبة» هوائية.
استسلم محمود للأمر الواقع ولكنه ما لبث أن استعاد قدرته على الأحلام ومارس هوايته كفنان متميز يجيد رسم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة مستخدماً قش القمح ليشارك في العديد من المعارض وينال العديد من شهادات التقدير عن لوحاته الفنية الرائعة.
ويقول محمود بيومي لـ«الشرق الأوسط»: كنت أقضي شهر العسل مع زوجتي قبل أربع سنوات وحدث عطل كهربائي في الشقة التي نعيش فيها وعندما حاولت اصلاح هذا العطل تعرضت لصعق كهربائي تسبب في كسر عدة فقرات في العمود الفقري وقطع كامل في الحبل الشوكي وعشت في غيبوبة كاملة لمدة عام كنت خلالها أقرب إلى الميت مني إلى الحي حتى أنني كثيراً ما كنت أشعر أن الموت أهون كثيراً من الآلام التي كنت أشعر بها ولا تستطيع المسكنات تخفيفها وبعد أن استعدت الوعي اكتشفت أنني لا أشعر بالجزء السفلي من جسدي ورغم قسوة الفترة التي أقمت فيها في المستشفى إلا أنني تعلمت الكثير منها وشاهدت بنفسي ما يعانيه المرضى خاصة مصابي الحوادث الذين يجدون أنفسهم فجأة طريحي الفراش وهذا ما جعلني أكثر صبراً وايماناً بالله.
بعد خروجي من المستشفى بدأت المأساة تكتمل حيث كنت أعاني من الوحدة والبطالة فبدأت أفكر في عمل لا يجعلني مضطراً للقيام من فوق المرتبة الهوائية التي تلازمني وشعرت باليأس الشديد في بعض الأوقات لأنني لا فوق كرسي متحرك.
وذات يوم كنت أعبث ببعض أنواع الثقاب فكتبت بها لفظ الجلالة على ورقة وكان أحد أخوالي في زيارتي وعندما رأى ما صنعت اقترح علي استخدام عيدان القمح باعتبارها أكثر قابلية للتشكيل من عيدان الكبريت لكنني اعتبرت الأمر في بداية الأمر مجرد هواية أشغل بها وقتي وطلبت من أحد الأصدقاء احضار كمية مناسبة من عيدان القمح وبدأت في استخدامها في رسم بعض الآيات القرآنية والكلمات المأثورة وذلك في أشكال هندسية وفنية متعددة.
وهذه العملية تمر بمراحل عدة تبدأ من تقليم عيدان القمح ولصقها على الورق المصقول بعد أن تأخذ شكلاً هندسياً محدداً ثم يقوم بيومي بعدها بوضع البرواز المناسب لتخرج في النهاية لوحة فنية.
ويعترف الشاب المصري بأن الأمر لم يكن يتعدى في النهاية مجرد الهوية وشغل وقت الفراغ حتى اقترح عليه أحد الأصدقاء استغلال هذه الموهبة وبيع اللوحات التي يقوم بتصميمها.
المشكلة الوحيدة التي تؤرق محمود بيومي تتمثل في صعوبة تسويق أعماله الفنية حيث اعتمد في البداية على زملاء اخوته وجميعهم حرصوا على شراء أكثر من لوحة ولكن بمرور الوقت لم يعد هناك شخص من معارفهم في حاجة الى المزيد من اللوحات ومن هنا بدأ محمود في عرض أعماله على المكتبات ومحلات بيع اللوحات في المراكز التجارية الكبرى ولكن للأسف الشديد وجد أن عدداً كبيراً منهم يحاول استغلال الموقف حيث طلبوا منه امدادهم باللوحات على أن يحصل على المقابل المادي بعد البيع ورفض هذا الاقتراح لأنه يعتز جداً بعمله ويرفض بيعه بهذه الطريقة المهينة. ويضيف محمود: رغم حاجتي الشديدة لتسويق اللوحات إلا أنني رفضت الكثير من العروض الأخرى التي رأيت فيها امتهاناً للفن الذي أقدمه ومن بين تلك العروض ما تقدم به شخص قابلني في أحد المعارض حيث طلب مني شراء كل لوحاتي الموجودة بل واللوحات التي أصممها في المستقبل بمقابل مادي كبير ولكنه اشترط علي ألا أنسبها إلى نفسي لأنه سيقوم ببيعها على أنها من أعماله الشخصية ورفضت بشدة هذا العرض لأنني ببساطة لا أنظر إلى الجانب المادي فقط ولكنني أضع الجانب المعنوي في مقدمة الاهتمام.
ويملك بيومي حالياً عشرات اللوحات في منزله لكنه لا يملك وسيلة لتسويقها ورغم ذلك فإنه لم يتوقف عن العمل يوماً بل ان أحد هذه الأعمال قد يستغرق منه شهراً كاملاً من دون توقف ويقول بيومي انه لا يشعر بالملل في ظل أحلام كثيرة تراوده ومازال حتى الآن يحلم بتحقيقها وأهمها أن يرد جزءاً من الجميل الذي يطوق عنقه تجاه والدته التي لم تدخر جهداً في رعايته طوال فترة مرضه التي استمرت ست سنوات حتى الآن ويحلم بيومي قبل ذلك كله أن يتم الله شفاءه من المرض بحيث يتمكن من الجلوس فوق كرسي متحرك حتى يستطيع الاعتماد على الذات في الحركة بدلاً من الارهاق الذي يسببه لأمه طوال الوقت ويقول أخبرني الأطباء بأن حالتي تحتاج إلى جراحة دقيقة لتحقيق هذا الحلم ولكن هذه العملية تتطلب السفر إلى الخارج وهذا ما لا أستطيع تحمله لضيق ذات اليد وعن المعارض التي أقيمت لمتحدي الاعاقة والأصحاء أيضاً وكان المعرض الأول الذي شاركت فيه سوق الشباب والرياضة وكانت تلك هي المرة الأولى التي أجد نفسي في بؤرة اهتمام الصحف ووسائل الاعلام ثم اشتركت في مهرجان السياحة والتسوق وخلال العام التالي حصلت على شهادة من سوق الشباب والرياضة بل ورشحتني وزارة الشباب للاشتراك في معرض فني لمتحدي الاعاقة أقيم في دار الأوبرا المصرية والمركز الثقافي الروسي بالإسكندرية حيث شارك فيه أيضاً عدد من متحدي الاعاقة الروس وخلال تلك الفترة عرض علي الاشتراك في معارض فنية كثيرة في جميع المحافظات المصرية ولكنني اضطررت للاعتذار لأنني لا أستطيع الجلوس فوق كرسي متحرك لمدة طويلة حيث أعاني من قرح عدة في أجزاء متفرقة من الجسد بالاضافة إلى كسر في العمود الفقري وكلها أشياء تجعلني مضطراً للنوم فوق المرتبة الهوائية طوال الوقت ولا أقوى على الحركة وبالتالي لا أستطيع السفر إلا في أضيق الحدود.