المؤتمر الصحافي الذي عقدته "شركة العرين القابضة" أمس في المنامة لإعلان الشركة التي تم تكليفها بتصميم وهندسة مشروع العرين السياحي، يمثل نقلة نوعية في الاتجاه الصحيح. فالتركيز على العقارات فقط أدى إلى الطمع الذي يكاد يقضي على كل شيء جميل في البحرين، وخصوصا أن هناك من يستملك الأراضي من دون أن يدفع مالا مقابل ذلك، وبالتالي فإن الذين يكدحون ليلا ونهارا لاكتساب رزقهم يخسرونه لصالح من استملك الأراضي مجانا، ويظلون طوال عمرهم يقترضون ويدفعون كلفة شراء قطعة أرض للسكن عليها.
غير أن مشروع العرين من شأنه - ومن شأن المشروعات المشابهة له - أن يعيد جزءا من التوازن لما يحدث في السوق العقاري. فهذا المشروع يحول العقارات إلى عدة مشروعات استثمارية، وهو ما أطلق عليه الرئيس التنفيذي لبيت التمويل الخليجي عصام جناحي أثناء المؤتمر يوم أمس بـ "سلسلة القيمة المضافة"، بمعنى أن المستثمرين يضافون مع تطور المشروع بتفرعاته خلال فترة الإنشاء ومن ثم التشغيل.
لقد أشار جناحي إلى أن النهج الاستثماري الحالي يختلف عن الأنموذج القديم الذي عهدناه في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عندما كان المستثمر يضع أكثر أمواله في الغرب ويستثمر الجزء اليسير في المنطقة. أما حاليا فإن السيولة النقدية المتوافرة - ولاسيما في المصارف الإسلامية - تعود أساسا إلى المستثمر الخليجي الذي بدأ فعلا يفكر بالعكس، إذ يستثمر أكثر أمواله في الداخل وليس في الخارج.
إن ما نشاهده حديثا من تدفق في الاستثمارات مشجع، ولكننا نود أن يكون على نمط مشروع العرين الذي يحرك العقارات في استثمارات تحرك قطاع السياحة النظيفة والعالية القيمة. وعلى رغم أننا تأخرنا قليلا عن غيرنا في الخليج، فإن لدينا خبرات مصرفية واستثمارية ونوعية، تستطيع أن ترتفع بمستوى البحرين بما يضمن موقعا استراتيجيا في مجالات عدة.
وكما أن القطاع المصرفي تحرك على أساس إقليمي وعالمي، فإنه يمكننا أن نحرك خبرات البحرين في القطاع الآخر الذي يشهد نجاحا مشهودا له، وهو قطاع الألمنيوم. فالبحرين لديها خبرات متفوقة ويمكننا أن نستفيد منها في مشروعات الألمنيوم التي يتم تأسيسها في قطر وعمان والسعودية. فشركة ألمنيوم البحرين "ألبا" يمكنها أن تتحول من مشغلة لمصهر الألمنيوم المحلي إلى تقديم الخبرات، وربما الفوز بعقود لتشغيل المصاهر الأخرى. ولدينا تجارب مماثلة من الدول الأخرى، فشركة النفط الماليزية تحولت إلى نشاط دولي وهي الآن تشتغل في الشرق الأوسط وفي أماكن عدة على هذا الأساس. كما أن دبي بدأت حديثا في الانتقال إلى المستوى نفسه فيما يخص تشغيل الموانئ. فدبي الآن تحولت إلى مشغل للموانئ في بلدان أخرى ونجحت بالفوز في مناقصتين حديثا خارج دبي.
قديما، كانت الفرصة سانحة أمام "بابكو" لأن تتحول من تشغيل مصفاة محليا إلى النشاط الإقليمي، ولكن تلك الفرصة لم يستفد منها كثيرا عندما أنشئت "أرامكو" في السعودية، وهو ما أدى إلى تشبعها.
إننا نتجه إلى فتح الأسواق وتحرير الاقتصاد، وهذا يتطلب الاعتماد على نقاط القوة المتوافرة لدينا، ومشروع العرين يثبت أن البحرين تستطيع مواكبة التحديات، وعلينا أن نباركه.