قوات الأمن للمتطرفين: مقاومتكم لن تجدي نفعا.
المتطرفون: ........(لا يردون)
قوات الأمن: نحذركم من الاستمرار في التطرف.
المتطرفون: الله اكبر.
قوات الأمن: استسلموا نحن إخوتكم كويتيون ولن نؤذيكم... وسنحاكمكم.
المتطرفون: انتم كفار وتتبعون الكفار.
ثم بداء تبادل إطلاق النار العشوائي وكان المتطرفون يكبرون بصوت عال وجماعي: الله اكبر الله اكبر. هذا الحوار حقيقي دار منذ أيام بين قوات الأمن الكويتية ومجموعة من المتطرفين قبل الاشتباك الأخير الذي تم في منطقة أم الهيمان في الكويت, وهو يلخص, فكر تلك الفئة الضالة.
في الأسبوع الماضي وصل الإرهاب إلى الكويت لتكون الدولة الخليجية الثانية التي تبدأ مقاومة الإرهاب المسلح والجماعات الملثمة والفئة الباغية, بعد المملكة العربية السعودية وهذا هو الاحتمال السيء الذي كان وما يزال يتوقعه البعض والذي كنا جميعا نتمنى عدم حدوثه. وفي داخل الكويت أيضا بدأ الإرهاب يتنقل, من حولي الى أم الهيمان حيث قتل احد الإرهابيين ولم يكن كويتيا.
عندما يخير الإنسان بين الولاء لوطن صالح أو الولاء لجماعة وفكرة مخربة وفاسدة ماذا يختار؟ إذا اختار الوطن الصالح فسيكون ابن بار لوطنه ورجل يعتمد عليه. وإذا اختار الفكرة المخربة فلا يكون إلا خائن ناكر للجميل لا يستحق أن يعيش على ارض الوطن الصالح ولا يتنفس هواءه ولا ينعم بخيراته.
عندما يسأل الإنسان هل يوالي الوطن والحاكم أم الجماعة التي ينتمي إليها, أو الفكرة التي يؤمن بها يجب أن تكون إجابته قاطعة سريعة واضحة ومباشرة, وهي الولاء للوطن والحاكم ولا شيء غير ذلك. فـ "حب الوطن من الإيمان" كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف, وإتباع الحاكم واجب, والخارج عن أمره خارج عن أمر الدين. أما من يحتاج إلى تفكير في هذا السؤال فلا يمكن إلا أن نضع على ولائه لوطنه علامة استفهام كبيرة. بل قد لا نكون بحاجة إلى هذه العلامة لأن ولاءه لوطنه يكون معدوما وبالتالي يكون بحاجة إلى إعادة نظر في إيمانه.
ويبين القرآن الكريم مدى ارتباط الإنسان بأرضه ووطنه فيقول الله تبارك وتعالى في سورة النساء " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم". وهذه الآية دليل واضح على تعارض ما يقوم به أولئك المتطرفون, مع ما جاء في القران ومع طبيعية الإنسان. فلا احد يحب قتل نفسه. ولا يوجد إنسان طبيعي يخرج من داره ووطنه ويقف ضد ذلك "إلا القليل منهم". وقد ربط الله جل جلاله, الجلاءعن الوطن بالقتل. أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال: "الخروج من الوطن عقوبة". فهل يدرك أولئك الذين يقبلون تخريب بلدهم مقدار العقوبة التي هم فيها؟.
غريب أن يصل تأثير الأفكار والجماعات على البعض لدرجة أنهم يساومون على وطنهم, وأنهم يقدمون فكرهم وأيديولوجيتهم على وطنهم وهذا اكبر دليل على فساد تلك الأفكار وبعد تلك الجماعات عن الحق والحقيقة. وإذا كان أصحاب تلك الأفكار يتمسحون بالإسلام, فان الإسلام أوصى بالوطن وبإتباع ولي الأمر والدفاع عن الأرض والعرض. فما موقف أولئك من كل ذلك إن دعتهم أفكارهم وايدولوجياتهم ودعاهم أمراؤهم إلى عكس ذلك؟! وفي الحديث الشريف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من مات دون أرضه فهو شهيد", وليس من مات ليخرب وطنه وينفذ التعليمات الموجهة إليه فهو شهيد!.
اخطر أنواع الخطاب الذي تتبناه الجماعات الدينية المتطرفة هو الخطاب التكفيري والتدميري الذي حمل لوائه بالأمس أسامة بن لادن والظواهري في أفغانستان وما زال واليوم أبو مصعب الزرقاوي في العراق الذي بإعطائه الحق لنفسه بتكفير هؤلاء وأولئك من المسلمين فانه يحل دمهم ويقتلهم ويذبحهم بلا خوف من الله. وهذا الخطاب المتطرف الدموي لا يمكن التعايش معه أو قبوله في أي مجتمع, فإحلال دم الآخرين ليس بالأمر المقبول وان كان صاحب الدم من غير ديننا أو غير فكرنا أو غير لوننا وجنسنا.
بعد كل الحلقات الدموية التي مرت هل يدرك بن لادن والزرقاوي أن الإساءة التي اقترفوها في حق الإسلام في هذه السنوات لم يقم بها احد من قبلهم في العصر الحديث؟. هل يدركان ذلك أم أنهما يعتقدان أنهما يرفعان راية الإسلام وأنهما يقومان بالجهاد في حين أنهما يلطخان اسم الإسلام في الأرض ويسيئان إلى الإسلام بالغ الإساءة. وما ارتكبته جماعتهما من جرائم نحتاج إلى عقود حتى يمكننا إزالة آثارها, لأن كل الأديان السماوية وغير السماوية وكل الأفكار والعقائد ترفضه بل ويرفضه كل ذي عقل وقلب سليمين.
يمثل أسامة بن لادن والزرقاوي ومن يتبعهما أكثر صور الجماعات الدينية تطرفا وكرها للآخر بين الجماعات الأخرى, ولكن الأخرى منها والتي لم ترى في استعمال العنف خطأ, تنتهج نفس المنهج الذي يعمل على إلغاء الآخر. هم يرون أنهم على صواب, والآخرين على خطأ, وهم لا يختلفون عمن يعتمد قاعدة "إما أن تكون معنا أو ضدنا", فكل من لا يؤمن بأفكارهم ولا يدور في فلكهم هو عدو لهم!. ومنظرو كل الجماعات الإسلامية – حتى تلك التي تدعي الوسطية والاعتدال - يؤكدون على هذه القاعدة فيما بينهم حتى أننا أصبحنا نرى ولادة تلك الأفكار والمجموعات التي صارت تؤذي المجتمع والدين الإسلامي السمح بما تقوم به من أفعال من افية لكل القيم الإنسانية.
لذا فان وجود هذه الجماعات وإصرارها على موقفها تجاه إيديولوجيتها وضد وطنها وتفضيلها الأيديولوجية والجماعة على الوطن, يجعلها جماعات خطرة على امن المجتمع ويجعلها جماعات يجب استئصالها من المجتمع وتخليص الوطن منها. لا اعتقد أن من ينتمي إلى تلك الجماعات سيحاول أن يكون "ذكيا" ليبدي ازدواجية في الولاء فيدعي الولاء للوطن وللجماعة الذي يتبعها في وقت واحد وبنفس المستوى وبالقدر ذاته, فهذا استخفاف بالعقول لا ينطلي إلا على من يمارسه. أما الصادقون في حبهم وولاءهم لوطنهم فلا يرددون غير مقولة واحدة هي "سواء أكان وطني على حق أم على خطا فهو يبقى و طني", و"سواء كان والدي على حق أو على خطا فهو يبقى والدي لا يمكن أن أتطاول عليه أو أؤذيه أو أخرب ما بناه".
عندما تحول الدين إلى وسيلة سياسية وأيديولوجية, تشوهت صورة الدين الإسلامي, لأن العالم صار ينظر إليه من خلال تصرفات من يدعون أنهم ينفذون أوامره, في حين أنهم يستغلونه أبشع استغلال لتحقيق أهدافهم الخاصة, فصارت تنتج الأفلام السينمائية وتكتب المقالات وتعقد الاجتماعات بل وتشكل لجان وجمعيات لمحاربة الإسلام, والإسلام بريء من كل ما يقال عنه وضده. ألإسلام دين سمح وبسيط يدعو إلى الرحمة والسلام ولا يدعو إلى قتل الأبرياء ولا يحتاج إلى اجتماعات سرية أو لقاءات خفية أو تحركات في الظلام بعيدا عن الأعين والأذان!
اما من يقبل بأن يعمل في الكهوف والغرف المظلمة فلا يحق له ان يأتي في النهار ليبيح لنفسه إصدار الفتاوي وتصنيف البشر بين مؤمن وكافر. وإعطاء الأوامر بقتل هذا الإنسان وتدمير ذاك المكان. لا يحق لمن يختار أن يعيش في الظلام أن يعمل في النور ويصدر قراراته ضد من يعملون بإخلاص تحت أشعة الشمس الواضحة التي لا تخفي شيئأ.
هذه الجماعات تدعو إلى التحريض ضد الحكومات وبالتالي تؤدي إلى زعزعة امن المجتمع وهذا ما فعله الإخوان المسلمون منذ أيام. ففي الندوة التي نظمها مركز الدراسات والبحوث في جامعة الزرقاء في الأردن يوم الأحد الماضي, قال حمزة منصور أمين عام جبهة العمل الإسلامي, الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين: "... ان مؤسسات الحكم في بلاد المسلمين في معظمها فاقدة للشرعية موغلة في الفساد والتبعية". وأشار إلى بعض المشكلات وعلق عليها قائلا: "تلك المعضلات لا يمكن أن ترضى أو تسكت عليها الحركات الإسلامية, وإلا فهو الرضا بالمنكر والسكوت على الباطل المؤذن بهلاك المجتمع". وهذا كلام خطير اقل ما يمكن ان يقال عنه انه تحريض ضد الحكومات, وفيه تلميح بتكفير جميع الحكومات الإسلامية وهو طرح ليس بغريب عن هذه الجماعة التي انطلق هذا الفكر من تحت عباءتها!.
فجماعة الإخوان المسلمين لا تستطيع أن تنكر أنها هي التي فرخت على مدى تاريخها الطويل, العديد من الجماعات والأفكار الإسلامية المتطرفة والعنيفة, ومنها الفكر الجهادي وكذلك التكفيري الخطير وغيرها. ثم صارت تتبرأ منها واحدا تلو الآخر وتدعي بأنها لا صلة لها بها. وتبروئها هذا لا يعني عدم مسؤوليتها عن وجود تلك الأفكار المتطرفة لأنها ما تزال إلى اليوم تخرج من تحت عباءتها مجموعات تنشق عن الجماعة الأم وبأفكار جديدة قد تكون أكثر عنفا وتطرفا من سابقاتها من الحركات المتطرفة والتي تدعو إلى العنف وتحرض على الحكومات والأنظمة القائمة.
الدعوة إلى العنف والتحريض عليه أفعال لا يقبلها المجتمع من أي من الجماعات, ويجب أن يبتعد عنها رجال الدين, لأن كلمتهم مؤثرة. ولا ننسى مدى التأثير السلبي لما قاله الدكتور يوسف القرضاوي منذ اشهر حول إباحة قتل الاميركيين والأجانب في العراق. فمثل هذه الدعوة تفتح أبواب جهنم, وتؤدي إلى طوابير طويلة من القتلى وتتسبب في تخريب ودمار لا حدود له. والدعوة إلى العنف لا تدل إلا على الطريق الأسود والمظلم الذي يسير فيه أولئك المتطرفون الذين أضاعوا لغة الحوار ونسوا صوت العقل وصاروا بعيدين عن الحقيقة آلاف الكيلومترات. فهل سيلحقون باللحظة التي تعيدهم إلى مربع الحقيقة, ومربع الوطن وحب الآخرين والتعايش معهم من جديد؟ هذا ما يتمناه الجميع.
أخيرا, من يقبل المساومة على وطنه وأرضه يقبل المساومة على كل شيء ولا يمكن ائتمانه على أي شيء. وكما قال فولتير: "العصفور الذي يوسخ عشه... عصفور حقير". هذه هي الحقيقة.