في الوقت الذي يتساءل فيه العالم عما سيفعله بوش في فترة رئاسته الثانية، فإنه يبدو لي أن الشيء الذي يمكن أن نبحث فيه عن دلائل بهذا الصدد هو قائمة أسماء المسؤولين الذين سيعملون مع بوش. وليس هناك- على المدى الطويل- ما هو أكثر أهمية، لتحديد ماذا ينوي الرئيس عمله في فترة رئاسته الثانية. في هذا السياق قد يكون من الأمور المثيرة للفضول أن ننظر في قائمة الأسماء التي أعلنت حتى الآن- والتي جاء إعلانها من خلال تسريبات غير مؤكدة، ولكنها دقيقة تماما على ما يبدو- عن الأسماء التي تنوي كوندوليزا رايس اختيارها للعمل معها في الخارجية. وقد لوحظ حتى الآن أن رايس كانت تفضل عند اختيارها للموظفين أن يكونوا من الدبلوماسيين المحترفين والاختصاصيين من ذوي الخبرة الطويلة، وليس من الأشخاص العقائديين، أو المسؤولين الحزبيين وخصوصا في وظائف مساعدي الوزيرة الإقليميين. ومما يذكر في هذا الصدد أنه قد تم بالفعل تعيين "روبرت زويليك" وهو خبير في السياسة الخارجية الأميركية، ينتمي للحزب الجمهوري ويعمل في الوقت الحالي بوظيفة مفاوض تجاري، كنائب لوزيرة الخارجية. أما الأسماء الأخرى التي قيل إنه قد تم إرسال كشف بها إلى البيت الأبيض للتصديق النهائي عليها، فتشمل عددا من كبار الدبلوماسيين المحترفين مثل " نيكولاس بيرن" الذي يعمل في الوقت الراهن سفيرا للولايات المتحدة لدى الناتو حيث سيعين وكيلا لوزارة الخارجية، وهي الوظيفة الثالثة في الترتيب الوظيفي في قمة الوزارة، و"دانيل فرايد"، والذي يشغل منصبا كبيرا في الوقت الراهن في مجلس الأمن القومي، أو" إيريك إيديلمان" السفير الحالي لدى تركيا، والذي عمل في السابق مع نائب الرئيس ديك تشيني، والذي سيعين في وظيفة مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الأوروبية، و"ديفيد ويلش" السفير الأميركي لدى مصر كمساعد لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، و"كريس هيل" السفير الحالي لدى كوريا في وظيفة مدير مكتب شرق آسيا والمحيط الهادي.
ولعلي لا أذيع سرا إذا ما قلت إنني قد عملت عن قرب مع خمسة على الأقل من الدبلوماسيين المحترفين الذين وردت اسماؤهم في القائمة التي أرسلت إلى الرئيس بوش. فروبرت زويليك على سبيل المثال صديق حميم، وهو والأربعة الآخرون عملوا في خدمة رئيسين من الحزبيين( الجمهوري والديمقراطي) بنفس الإخلاص والولاء، كما أن الخمسة يعتبرون من أفضل الخبراء في الشؤون السياسية من بين الجيل الحالي. ويمكنني القول إذن إن تعيينهم يعد في حد ذاته إشارة مهمة على نمط السياسة الخارجية، التي تريد " كوندوليزا رايس" والرئيس بوش تبنيها خلال فترة الولاية الثانية. والرجال الخمسة يتميزون بأنهم أكثر وسطية وأكثر ميلا إلى المبادرة بحل المشكلات التي تواجههم وعدم تأجيلها، وأنهم غير عقائديين من حيث الجوهر، ويميلون في عملهم إلى التركيز على الوسائل الدبلوماسية التقليدية باعتبارها هي الطريق لتحسين صورة أميركا المهتزة وعلاقاتها مع مختلف دول العالم. وهؤلاء الرجال يؤمنون بالقيم الأميركية، وبالسياسة الخارجية القوية بل الحاسمة. ومع ذلك فإن هذا الطراز من الرجال لم يكن هو تحديدا الطراز الذي أراد الجناح اليميني والمحافظين الجدد داخل الحزب الجمهوري رؤيته في وزارة الخارجية في عهد ما بعد كولن باول.
لسنوات ظل منتقدو باول يتنبأون بأسماء من سيتولون منصب مساعدي الوزير الإقليميين. وقد تنبأ هؤلاء بأنهم سيتخلصون فيما إذا ما انتخب بوش رئيسا لفترة ثانية ليس فقط من كولن باول، ولكن بأنهم سيقومون بتطهير مبنى الوزارة من الدبلوماسيين المحترفين غير الموالين لهم. بل ووصل الأمر إلى حد أن "ريتشارد بيرل" قد أعطى توصيفا محددا للمشكلة، عندما قال إن 15 في المئة فقط من الأشخاص العاملين في الخدمة الخارجية موالون للرئيس بوش. وهؤلاء الرجال ليسوا ضعفاء، وليسوا كما اتهمهم "نيويت جينجريتش" ذات مرة في مقالة بالغة القسوة نشرت بدورية" فورين بوليسي" وهاجم فيها وزارة الخارجية بأنها قد "ضحت بالقيم والمبادئ الأميركية مقابل أسلوب التسويات والسلبية".
وسوف يكون هناك قدر كبير من المفارقة، إذا ما تبين أن هذه التعيينات ما هي إلا بداية نمط حزبي(سوف يكون هناك بالتأكيد تعيينات لكثير من السياسيين المحافظين في الفترة القادمة). في عام 2001 قام الدبلوماسيون المحترفون في وزارة الخارجية الأميركية بالثناء على باول – وهو بطل أميركي حقيقي- والقول بأنه قد جاء لإنقاذهم. ولكن الأمور لم تتطور على النحو المتوقع تماما، لأن بول كان يشعر على الدوام بأنه كان يتم التقليل من شأنه سواء من قبل البيت الأبيض أوالبنتاجون. وفي المقابل كان البيت الأبيض ينظر دائما إلى باول على أنه ليس مواليا بشكل كاف. والأسوأ من ذلك أن أيا من الطرفين لم يخف مشاعره أبدا تجاه الطرف الآخر.
وهذه المشاكل لن تتواجد عندما تتولى رايس مسؤولية وزارة الخارجية. فعلاقتها الوثيقة مع بوش سوف تعطيها قدرا هائلا من المصداقية لدى الحكومات الأجنبية، كما ستعطيها وضعا أقوى داخل الإدارة ذاتها. وعلى الرغم من أن الخلافات بين وزارة الخارجية من جانب والبنتاجون من جانب آخر لن تختفي، فإن رايس لن تكون مضطرة إلى حماية ظهرها في مجلس الأمن القومي، لأن الشخص الذي سيحل محلها كمستشار للرئيس بوش لشؤون الأمن القومي هو نائبها الحالي "ستيف هادلي". وهذه الوضعية لها سابقة تاريخية واحدة فقط، وهي عندما تم تعيين هنري كيسينجر، مستشار الرئيس نيكسون لشؤون الأمن القومي، في منصب وزير الخارجية ليحل محله نائبه في ذلك الوقت "برينت سكاوكروفت"( وقد مثل كيسينجر أيضا سابقة أخرى وهو أنه تولى المنصبين معا في نفس الوقت، ولكن هذا الشيء لا ينتظر له أن يحدث مرة أخرى).
هناك أمر آخر مهم وأن لم يكن ملحوظا بشكل كاف، وهو أن كوندوليزا رايس قد ألمحت في اجتماعاتها الخاصة مع السفراء الأجانب وغيرهم من الزوار أن واحدة من أهم أولوياتها بعد توليها منصبها رسميا، هي تحسين صورة أميركا مع الحلفاء والأصدقاء الرئيسيين. كما قالت أيضا إنها سوف تسافر إلى الخارج بمعدل يفوق ذلك الذي كان يقوم به باول، كما ألمحت ايضا أن وزارة الخارجية ستلعب دورا أكبر مما لعبته خلال السنوات الأربع المنقضية.
وهذه التعيينات المحتملة تطرح عدة أسئلة: الأول، هل تدل تلك التعيينات على اتجاه لتبني سياسة خارجية أكثر رقة وعطفا؟ الثاني، هل سيتم منح التعيينات الرئيسية في وزارة الخارجية لحلفاء ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد؟ الثالث، هل ستكون هناك حرب داخلية مستمرة بين وزارة الخارجية وبين ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، أم أن وزيرة الخارجية الجديدة تنوي تبني نهج واقعي في مجمله – وهو النهج الذي تبناه باول ولكنه لم يكن ناجحا تماما؟ السؤال الأخير: هل سيغض الرئيس بوش الطرف عن ذلك الصراع أو يدعه يستمر خلال فترة رئاسته الثانية؟
علينا أن ننتظر المزيد من التعيينات، وأن ننتظر معرفة كيف سيتم حسم مستقبل رامسفيلد، وننتظر- وهذا هو الأهم- توضيحا بشأن سياسة الإدارة المضطربة في العراق.