لندن: وضع المراقبون والمحللون وحلفاء الولايات المتحدة في العالم ايديهم على قلوبهم امس ووزيرة الخارجية الاميركية المعينة كوندوليزا رايس تدلي ببيان يحدد السياسة الخارجية للادارة خلال ولاية الرئيس جورج بوش الثانية. ولم تخالف رايس كثيرا التوقعات حول الملامح الكبرى للسياسة الخارجية خلال السنوات الاربع المقبلة. اذ وضعت مكافحة الارهاب، والعراق، والتصدي للانظمة المارقة على رأس الاولويات. وتكلمت رايس امام مجلس الشيوخ عن الاصلاح والديمقراطية وسلام الشرق الاوسط، بل وحتى عن التنمية في العالم. غير ان المفارقة ان خطاب كوندوليزا التي ارادت منه ان تدلل على ان الولاية الثانية ستكون اكثر مراعاة للحوار مع الحلفاء، والتركيز على قضايا السلام، فشل في تحقيق الهدف منه، اذ انه كان اشبه بالكلام من جانب واحد وهو اشبه بعبارة من هذا النوع «هذه هي خطط اميركا، وقد تم تحديدها وعلى العالم التعايش معها لانها افضل طريقة لمواجهة التحديات الدولية».
ويتوقع ان تسعى رايس خلال قيادتها للخارجية الاميركية الى ترك بصمة تستمر بعدها. فهذه السيدة الطموحة اكدت منذ اليوم الاول لاختيارها للمنصب انها تريد ان يتذكرها الناس لمساهمتها في انهاء واحد من أعقد الصراعات الدولية، وهو الصراع العربي الإسرائيلي، كما انها قالت انها تريد المساهمة عبر مشاريع الخارجية في دعم الاصلاحات الديمقراطية في العالم والتصدى للارهاب والصراعات المسلحة، وهي اجندة قريبة جدا من برنامج عمل وزيرة الخارجية الاميركية السابقة مادلين اولبرايت، وباول. غير انها أظهرت حتى الان تصميما عقائديا على تنفيذ هذه الاهداف بدون ان تغير جوهريا من محتوى اجندة بوش او خطابه خلال ولايته الثانية. ورايس التي هي مستشارة كلمتها مسموعة جدا لدى بوش وصديقة شخصية له ترافقه اينما يذهب تقريبا، ستكون العضو الاكثر اهمية على الاغلب خلال الولاية الثانية، فهي لن تكون فقط مسؤولة الدبلوماسية، بل ايضا مستشار اساسي في كل القضايا العسكرية والامنية. ويقول محللون ان بوش اختارها تحديدا للخارجية لتجسير الفجوة بين وزارة الخارجية من ناحية، ووزارة الدفاع والاستخبارات من ناحية اخرى. ولدت رايس في 14 (تشرين الثاني) 1954 في عائلة من البرجوازية السوداء المتوسطة في جنوب البلاد. وهي امرأة أنيقة وتهتم بمظهرها. احتفلت في نوفمبر (تشرين الثانى) الماضى بعيد ميلادها الخمسين. وقد شغلت منصب مستشارة الرئيس للأمن القومي خلال ولاية جورج بوش الأولى منذ توليه السلطة في يناير (كانون الثاني) 2001. ومن خلال هذا المنصب ترأست مجلس الأمن القومي الذي أنشئ في1947 لتنسيق العلاقات بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات. وكانت أول امرأة تشغل هذا المنصب وواجهت ظروفا استثنائية مع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) والحرب على العراق. وتعتبر استقالة ريتشارد كلارك العضو في مجلس الأمن القومي المكلف مكافحة الارهاب في فبراير (شباط) 2003 واصداره كتابا يتهم فيه ادارة بوش بأنها اهملت التهديد الذي يشكله تنظيم «القاعدة»، نقطة سوداء في سجلها على رأس مجلس الأمن القومي. وأجبرتها هذه المعلومات على المثول امام لجنة تحقيق مستقلة حول هذه الاعتداءات. ورفضت في مرحلة أولى ان يتم استجوابها، متحججة بالفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والمخاطر على سرية العلاقات بين الرئيس الاميركي وكبار مستشاريه قبل ان تقتنع بذلك بسبب ضغط الرأي العام. والدبلوماسية ليست المجال الوحيد الذي تبرع فيه كوندوليزا التي كانت استاذة جامعية وشغلت منصب عميدة جامعة ستانفورد العريقة في كاليفورنيا. فهي لاعبة بيانو بارعة ولا تتردد في العزف امام الجمهور مع كبار الاسماء في عالم الموسيقى الكلاسيكية مثل عازف الفيولونسيل يو ـ يو ما. واسمها غير المألوف اخترعته والدتها استاذة الموسيقى مستوحية ذلك من كلمة «كون دولتشيسا» (بنعومة). وخلال طفولتها التي تصفها بأنها كانت سعيدة في برمنغهام بولاية الاباما بجنوب اميركا، عاصرت «كوندي» الاضطرابات العنيفة التي رافقت النضال من أجل حقوق السود المدنية. غير ان ذلك لم يؤثر على ميولها لاحقا، وبدلا من الانضمام للحزب الديمقراطى، انضمت للحزب الجمهوري. وعلى عكس كولن باول، الذي يقول المقربون منه انه جمهوري المظهر، ديمقراطي الجوهر، فـإن رايس جمهورية الهوى قلبا وقالبا. وهي خبيرة بارزة في الاتحاد السوفياتي وتتحدث الروسية بطلاقة. ودخلت الى مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش الاب (1989 ـ 1993)، وتألقت سريعا بسبب خبرتها وقدراتها التحليلية. اما جورج بوش الابن الذي لم يكن ضليعا في الشؤون الدولية فقد استدعاها بعد ذلك لتكون مستشارته الدبلوماسية خلال حملته الانتخابية عام 2000 قبل ان يعينها بعد انتخابه على رأس مجلس الأمن القومي. وغالبا ما تسلمت رايس الملفات الصعبة فى الادارة الاميركية غير ان نصائحها كانت تعطى لبوش مباشرة. ووقوفها الان على مسرح السياسة العالمية هو من الامور الجديدة عليها بمعنى من المعاني وليس من المعروف بعد ما اذا كانت رايس قادرة على احداث تغيير حقيقي في صورة بلادها في المجتمع الدولي، فالمهارات الدبلوماسية، والشراكة والحوار تتطلب اكثر من مجرد قدرات عقلية واكاديمية. وعلى الرغم من قدراتها الاكاديمية، الا ان شخصية رايس ليست نافذة بين كبار مسؤولي الادارة الاميركية، خاصة رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني. ومع خطابها الاثير حول الدور الاخلاقي للسياسة في عالمنا المضطرب، ستختبر رايس، والعالم معها، قدرتها وقدرة الادارة، على ان تكون اكثر قدرة على الحوار مع الحلفاء وغير الحلفاء، وقدرتها على انتهاج اساليب دبلوماسية، كما قالت امس. غير ان تصريحات بوش، قبل رايس بساعات حول التدخل العسكري خلال ولايته الثانية في بعض البلدان التي تصنفها واشنطن على انها «محور شر» او «بلدان مارقة»، يشير مجددا الى ان ليس كل ما تسمعه من الادارة الاميركية الان يدل على تحركها المستقبلي.