الحديث عن تحرير الاقتصاد وتشجيع القطاع الخاص يتطلب خطوات كبيرة وجريئة، ولعل ذلك يمكن تحقيقه لو فكرت الحكومة في تحرير "ألبا" من خلال نقلها إلى القطاع الخاص بصورة كاملة. فشركة ألمنيوم البحرين "ألبا" لديها أفضل الخبرات التنفيذية والهندسية وهي تحقق عوائد مجزية ولكن أمامها حاليا تحديات كبيرة لكي تواصل نجاحاتها.
فمن جانب توقف الحديث عن الخط السادس الذي يهدف إلى توسيع الإنتاج السنوي إلى أكثر من مليون طن لأن هذا الخط يحتاج إلى ضمان وجود الغاز الطبيعي. وبما أن "ألبا" ليست سيدة نفسها فهي تنتظر من الحكومة ان تفاوض نيابة عنها لتتأكد من وجود الغاز الطبيعي للعمر الافتراضي للتوسعة قبل البدء بها. ولو كانت "ألبا" تستطيع أن تتخذ قرارات إدارية لكانت دخلت في مفاوضات مع شركات عالمية كبرى تؤمن لها نوعا من الاتفاق في هذا المجال.
"ألبا" تستطيع أن تعرض خدماتها واستشاراتها في صناعة الالمنيوم على قطر والسعودية وعمان، لأن كل واحدة من هذه الدول تخطط لإنشاء مصهر ألمنيوم لديها. وهذا أمر حسن إذا كانت السوق العالمية تتطلب المزيد من الألمنيوم، وعلى "ألبا" أن تستفيد بطرق متطورة. وبالاضافة إلى عرض الخبرات والاستشارات، يمكن لـ "ألبا" أن تعرض نفسها كمقاول هندسي لتشغيل المصاهر الجديدة، وبالتالي تتحول الكفاءات البحرينية من نطاقها المحلي إلى نطاق إقليمي وربما عالمي.
يترابط مع تحرير "ألبا" طرح مشروعات استراتيجية كبرى للقطاع الخاص. ماذا لو فسحت الحكومة المجال للقطاع الخاص للاستثمار في إنشاء الجسر مع قطر؟ يمكن للقطاع الخاص أن يتعامل على أساس اقتصادي من دون أية عوامل سياسية هنا أو هناك، ويمكن للقطاع الخاص أن يجتذب رؤوس أموال أجنبية من أجل مشروعات مصاحبة. فمثلا يمكن ربط البلدين بسكة حديد على أن تقوم شركة سكك الحديد بإنشائها مقابل امتيازات لفترات طويلة تعود بالنفع على المنطقة وعلى المستثمر الأجنبي "إذا لم يوجد المستثمر المحلي".
مشروع الجسر مع قطر بإمكانه أن يحول جنوب البحرين إلى عاصمة اقتصادية جديدة، لأن حركة المرور والنقل ستزداد وستزداد الحاجة إلى الفنادق والى الخدمات والى كثير من المتطلبات الحياتية اليومية.
هذه المشروعات الكبرى يجب أن تلتزم بضوابط التجارة الحرة والشفافية، من دون تدخل سياسي ومن دون عمولات وشروط لم تعد مقبولة في عالم اليوم الذي تحول إلى الاقتصاد القائم على المنافسة الشريفة.
البحرين بإمكانها أن تتحول إلى مركز للخبرات في مختلف المجالات التي تتطلبها قطر في صناعة الغاز، كما يمكن للبحرين أن تتحول إلى مركز لدعم الخبرات التي تحتاجها السعودية، وخصوصا أننا مرتبطون بالمنطقة الشرقية التي تحتضن أكبر المنشآت الاقتصادية السعودية.
مع تحرير الاقتصاد المتطور يستطيع القطاع الخاص الاعتماد على القوى العاملة المحلية لأن كثيرا من الأنشطة الاقتصادية تتطلب مهارات عالية، وهذه المهارات مرتفعة الثمن سواء كانت محلية أو أجنبية. وإذا تحولت الحكومة من "مديرة" للاقتصاد إلى "منظمة" له، فإن بإمكانها ان تشجع على توطين الأعمال من خلال سياسة المحفزات التي تمتلكها أية سلطة في أي بلد.
أمامنا خيارات تحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة قوية تعتمد "مصلحة الوطن أولا" وترتبط بمستقبل الأجيال التي تنتظر إصلاحا اقتصاديا من الوزن الثقيل الذي ينقل البحرين إلى المكانة التي تستحقها.