نشرت صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 14 ديسمبر 2004 تقريراً لمجلس المراقبة الدولية اتهم فيه الولايات المتحدة الأمريكية بارتكاب مخالفات كثيرة في عمليات بيع النفط، واعتبر المجلس أن الصندوق الذي رأسه "بول بريمر" قد أساء إدارة أموال العراق، وأشار التقرير في سياقه إلى الطريقة التي منحت بها عقود بقيمة 1.8 مليار دولار إلى شركة "هاليبرتون" وكان مكتب المحقق العام لسلطة الاحتلال والذي أسسه الكونجرس في أكتوبر 2003 قد قدم تقريره للكونجرس في 30 يونيو 2004 لخص فيه نتائج 11 تقريراً صادرة عن 69 تحقيقاً جزائياً وقد جاء فيه أن %74 من إجمالي العقود الممولة بأموال عراقية منحت لشركات أمريكية و%11 لشركات بريطانية أما الشركات العراقية فلم تحصل سوى على %2 فقط من قيمة العقود وأن %73 من إجمالي العقود تمت بعملية إسناد مباشر دون منافسة.
أما تقرير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن فتضمن توزيعاً للأموال العراقية خلال عام 2004 حيث إن %27 فقط من الأموال العراقية توجه للعراق بينما %73 توزع على النحو التالي: %30 توجه إلى الشؤون الأمنية، %10 لمصروفات السفارة الأمريكية، وأكثر من %12 أجور العمالة الأجنبية، بينما تبدد حوالي %15 بسبب الفساد والاحتيال وسوء الإدارة.
تبدأ قصة النهب في العراق في 22 مايو 2003 عندما أقر مجلس الأمن في قراره رقم 1483 إقامة صندوق التنمية للعراق Development Fund of Iraq وذلك لتلبية الحاجات الإنسانية للشعب العراقي وتمويل إعادة بناء البنية التحتية للعراق، ويعتبر هذا الصندوق هو الحافظ الرصين لعائدات نفط العراق وتأتي مصادر الإيراد الباقية من تحويل الأصول المجمدة من الخارج والأموال المتبقية من برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة، وتتطلب بنود إقامة صندوق التنمية للعراق أن "يدر بطريقة شفافة لأجل ونيابة عن الشعب العراقي" وتقضي نصوص القرار رقم 1483 بإلزام هذا الصندوق بالمعايير العليا للشفافية والمساءلة وبالطبع أوكلت إدارة هذا الصندوق إلى سلطة التحالف المؤقتة التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولنا أن نتخيل الطابع الاحتكاري الذي يمكن أن تكون عليه إدارة الصندوق بعد ذلك.
وفي تقرير بعنوان "أمريكا والماليات العامة للعراق" أعده مشروع مراقبة إيرادات العراق. ونشرته مجلة المستقبل العربي (ع 298 ديسمبر 2003) يؤكد التقرير أن إجراء المناقصات من أجل عقود إعادة إعمار العراق تمت خلف أبواب مغلقة ثم أذاعتها علناً سلطة التحالف المؤقتة بعد أن كانت قرارات منح العقود قد اتخذت بالفعل وبهذا الصدد يرى أنور دياب - وهو رجل أعمال عراقي - أن نقص الشفافية في ممارسات سلطة الاحتلال لإبرام العقود جعل من المستحيل لأصحاب العروض العراقيين أن ينافسوا نظراءهم الأمريكيين ويضيف "غالباً ما تطلب منتجات أمريكية بالاسم على وجه التحديد، ويبدو أن المناقصات تكتب على نحو يضفي شرعية على عروض تم تلقيها بالفعل".
ولتوخي الحقيقة فإن ثمة مصدر آخر للأموال التي تذهب لإعمار العراق ذلك هو الكونجرس الأمريكي وطبقاً لما نشرته فايننشال تايمز في 9 ديسمبر 2004 فإن المصدر الأول لهذه الأموال هو الكونجرس الذي اعتمد 18.4 مليار دولار أما المصدر الثاني للإنفاق فكان صندوق تنمية العراق DFI الذي تعرضنا له، واللافت للنظر هو التفاوت في كمية الإنفاق بين الأموال الأمريكية وأموال صندوق التنمية العراقي؛ فبحلول الوقت المحدد لحل سلطة التحالف المؤقتة في 28 يونيو 2004 كانت قد أنفقت كل الأموال التي آلت إليها عبر صندوق التنمية وعلى النقيض من ذلك كانت السلطة المؤقتة قد أنفقت 366 مليون دولار فقط من الأموال الأمريكية المخصصة لإعادة الإعمار، السبب الرئيسي لهذا التفاوت في الإنفاق هو أن الأموال الأمريكية يصعب إنفاقها والأحكام المصممة لتأمين عدم تبديد المال أو إساءة استخدامه أدت إلى إبطاء توقيع العقود، كذلك فقد كان مسؤولو سلطة التحالف المؤقتة بمن فيهم السيد بريمر يشكون من أن البنتاجون قد فرض سيطرته على أموال إعادة إعمار العراق وعلى النقيض تماماً كان صندوق التنمية متاحاً وجاهزاًَ للإنفاق وكان من الممكن السيطرة عليه من بغداد، وقد شعر أولئك الذين كلفوا بتلبية احتياجات العراق الضخمة بأن ليس لهم خيار إلا أن يبدأوا في الإنفاق بحرية من الحساب العراقي.
ومن أجل أن يكون الإنفاق شفافاً ولما فيه مصالح الشعب العراقي - كما نص قرار الأمم المتحدة - أقامت سلطات الاحتلال مكتب مراجعة البرنامج، في البداية كان المكتب يؤدي دوره بشكل مناسب حيث كان أعضاء المكتب يوافقون على المشروعات الصغيرة نسبياً المتعلقة بإدارة شؤون البلاد اليومية في أعقاب الحرب مثل الحصول على مولدات، استعادة خطوط أنابيب النفط وانتقاء وتدريب رجال الشرطة العراقية، وكانت المشروعات الأخرى أقل أهمية: 2500 دولار وضعت جانباً لدفع أجور ممثلين وعمال لأشغال المسرح ومنتجين في مهرجان بغداد المسرحي.. إلخ وبمرور الوقت أصبحت المشروعات أكثر وأكبر تعرض على مكتب المراجعة وبسبب التأخير في الحصول على الأموال الأمريكية تم أيضاً تمويل بعض المشروعات التي تكلفت عدة مليارات من الدولارات بأموال عراقية كان هذا هو الحال في مشروع بقيمة 1.4 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية النفطية للعراق ومنح لمؤسسة هاليبرتون Halliburton وهي شركة الخدمات النفطية الأمريكية التي كان يرأسها في السابق ديك تشيني نائب الرئيس بوش وقد كان هذا العقد من هاليبرتون أكبر متلق واحد لأموال عراقية. هذا بالإضافة إلى مشروعات أخرى وافق عليها مكتب المراجعة كان الكونجرس قد اعتمد لها أموالاً بالفعل؛ فقد زيد مبلغ الأموال العراقية التي توجب إنفاقها على الأمن حتى تسليم السلطة إلى مليار دولار وذلك على الرغم من أن الكونجرس كان قد اعتمد بالفعل 3.2 مليار دولار لهذا الغرض، وبالمثل اعتمد مكتب المراجعة مبلغ 315 مليون دولار من الأموال العراقية لقطاع الكهرباء في حين كان الكونجرس قد اعتمد بالفعل 5.5 مليار دولار لإعادة إعمار هذا القطاع.
والأمر لا يحتاج إلى دليل على أن سلطات الاحتلال تبذل قصارى جهدها لتهميش المسؤولين العراقيين لتنفرد وحدها بماليات العراق، ويؤكد ذلك مستشار عراقي لسلطة التحالف أبلغ مشروع مراقبة إيرادات العراق (مصدر سابق) بأن مكتب السياسة الاقتصادية التابع لسلطة التحالف المؤقتة يعمل خلف أبواب مغلقة دون مشاركة عراقية لتحديد ما يقدم إلى مكتب مراجعة البرامج للنظر فيها ويفترض أن تكون وزارتا التخطيط والنفط العراقيتان مشاركتين في صنع السياسة الاقتصادية ولكنهما لا تملكان تمثيلاً في صنع القرار. أما من حيث المشاورة الدولية فإن خبيراً قانونياً في الأمم المتحدة أبلغ مراقبة إيرادات العراق بأن مكتب مراجعة البرامج يعطي الأمم المتحدة مهلة 24ساعة للتعقيب على وثيقة تقع في 360 صفحة وفي اليوم التالي تنشر هذه الوثيقة كقانون وبفقرة في ديباجتها تدعي أنه قد تمت المشاورة بشأنها مع الأمم المتحدة.