عندما كان عباس بن فرناس يحاول في قرطبة ان يشق عنان السماء في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي كانت الحضارة الاندلسية تشق بدورها فضاء أوروبا والعالم الاسلامي، وعندما كان ابو العلاء المعري يفتح طريقا في رسالة الغفران الى عالم الجنة والنار وكان ابن شهيد الاندلسي يشق في رسالة التوابع والزوابع طريقه الى عالم الجن كانت الحضارة العربية والاسلامية في مشرق العالم العربي ومغربه تشهد انطلاقة لا مثيل لها. وعندما ألف ابن طفيل رسالة حي بن يقظان في زمن الموحدين في الاندلس كانت الحركة العلمية في الاندلس تشهد يقظة وازدهارا منقطع النظير.
وفي جميع مراحل التاريخ العربي التي شاع فيها الاهتمام بالخيال الادبي والعلمي من خلال الاشعار والمقامات والمنامات والقصص الغرائبي وقصص الحيوان وقصص الف ليلة وليلة والقصص الفلسفي وغيرها نلاحظ ان العقل العربي كان في أوج عطائه وفاعليته ونشاطه وابداعه، مثلما نلاحظ تفوق الأمة وتميزها وتقدمها على سائر الأمم، مما يدل على اقتران التقدم العلمي للأمم ونهضتها بسعة خيال علمائها وادبائها وقدرة عقولهم على الوصول الى آفاق متخيلة جديدة.
وليس أدل على ذلك من حمى انتشار قصص الخيال العلمي التي سبقت وواكبت النهضة الغربية الحديثة، فكانت هذه القصص الارهاصات التي مهدت لهذا التطور البالغ في مجال الاتصالات واكتشاف الفضاء وغزوه والتنكولوجيا الحديثة في مختلف مجالات الحياة. كما يشهد على ذلك ان تراجع الاوضاع العلمية والسياسية العربية تزامنت مع انحسار الاهتمام بالخيال العلمي والادبي على حد سواء عند العرب، فآخر ما تهتم به الرواية العربية الحديثة والكتابة التمثيلية العربية الحديثة، والسينما العربية والمسرح العربي، هو الخيال العلمي، على خلاف ما يحدث لدى العالم المتقدم في اوروبا واميركا واليابان وغيرها حتى الشعر العربي الذي كان في عصور ازدهار الأمة ونهضتها من أهم ميادين الخيال وواحدا من أهم تجلياته لم يعد له ذلك الدور في تفعيل الخيال واطلاق عنانه.
ان حاجة الانسان العربي الى الخيال العلمي في هذه الايام لا تقل عن حاجته الى تطوير اي من ادواته الثقافية والادبية والفكرية المختلفة، وذلك للاسهام في تدريب العقل على الابتكار وتنشيطه وتفعيل طاقاته المختلفة وتحريره من حالة الركود والكسل. وهذا يتطلب شرطين، اولهما ان يعنى التربويون وكتاب ادب الطفل بتحفيز خيال الاطفال والناشئة وامدادهم بالمواد الادبية والدراسية الضرورية لتحقيق هذه الغاية. والشرط الثاني ان يتنبه كتاب القصة والروائيون العرب الى خطر اغفالهم لموضوع الخيال العلمي في ابداعاتهم، وانه تقع عليهم مسؤولية عظيمة في بناء العقل العلمي لدى الانسان العربي من خلال هذا النوع من القصص الذي يستدرج عقل القارئ الى آفاق جديدة من الابداع والابتكار والرؤى الخلاقة.