نعم، حقق أبو مازن فوزا في الانتخابات فاقت أكثر التقديرات تفاؤلا، وضمنت له أغلبية مريحة عقب انتخابات سلم الجميع بنزاهتها وديمقراطيتها (شارك في متابعتها كيري وكارتر عن الولايات المتحدة، وميشيل روكار، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، عن الاتحاد الأوروبي)، ولكن لم ينجح أبو مازن في اقناع حماس والجهاد الاسلامي بالتخلي عن موقفهما في مقاطعة الانتخابات، ومواصلة لجوئهما الى العنف.. وها هي منظمات فدائية ثلاث، هي كتائب شهداء الأقصى وكتائب عزالدين القسام، وألوية الناصر صلاح الدين، قد ثبتت عملية «زلزلة الحصون« التي قتلت 6 جنود اسرائيليين، فأوقف شارون جميع اتصالاته مع الفلسطينيين، حتى اشعار آخر.
كانت ادارة بوش وحكومة شارون قد رحبتا بنتيجة الانتخابات الفلسطينية، غير أن طرفي النزاع ـ شارون وأبومازن ـ قد تمسكا بنهج بطيء، وحذر في اتخاذ الخطوات التالية، ذلك ان رصيد الشك لدى الجانبين ظل مرتفعا، وربما أيضا لتحاشي أن تتكرر محاولات كلينتون الفاشلة في رأب الصدوع.. ثم الى أي حد يمكن توقع ان تفاهما بين شارون وبيريز كفيل بأن يكون أجدى، وأكثر فعالية، من تفاهم بين شارون وخصومه في ذات حزبه الليكود، وعلى رأسهم نيتانياهو؟..
في ضوء الفعل، ورد الفعل، هل عوامل التغيير هي الأقوى، أم العوامل الأقوى هي عوامل الشك المتبادل، والكراهية المتبادلة؟.. ثم الى أي حد يعتبر مخطط شارون الخاص بالانسحاب من غزة مخططا قابلا لأن يصبح أساسا لصيغة مشتركة تكون موضع موافقة كل من شارون وأبو مازن؟.. ان شارون يريدها آخر خطوة في خطوات الانسحاب، ويريدها أبو مازن أولى هذه الخطوات.. كيف الجمع بين هذين الموقفين على طرفي نقيض؟..
ان فشل كلينتون في انجاح مفاوضات كامب ديفيد مع عرفات، وحتى نهاية ولايته، قد ترتبت عليه انتفاضة ثانية دامت 4 سنوات، وسرعان ما اتخذت شكلا مسلحا.. وأفضت الى قتلى من الجانبين وكراهية متبادلة فاقت كل حد.. هل من الممكن تحمل فشل مماثل مرة أخرى دون تعريض المنطقة برمتها لكوارث كبرى؟.. ثم هل من الممكن مناهضة حالة الاحباط واليأس التي أخذت تتفاقم من جراء الصعاب التي تعترض اجراء انتخابات في العراق، وتهدد بحرب أهلية بين السنة والشيعة؟.
لقد تقرر ان نكون بصدد عام انتخابات.. عام اقامة المؤسسات.. عام اختبار الديمقراطية في التطبيق.. عام التعرض لمتابعة دقيقة من قبل المجتمع الدولي.. فهناك الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في منتصف عام 2005، والانتخابات المحلية في نهاية العام.. وهذا يفرض على الفلسطينيين والاسرائيليين معا اختبارات عسيرة.. هل بوسع الفلسطينيين تطبيق الديمقراطية بشكل منتظم؟.. وهل، اذا طبقوها، سوف تعترف اسرائيل بأنهم يطبقونها؟.
ثم.. هل بوسع ما أسفرت عنه الانتخابات الفلسطينية أن يكون هو المقرر لمصير الانتخابات في العراق؟.. أم يكون تعرض الانتخابات العراقية للفشل هو المقرر النهائي لما يجري على الجبهتين معا؟.. ان مستقبل الشرق الأوسط، وربما أيضا مجرى الوضع الدولي عموما، سوف يتوقف على اجابات الأطراف المختلفة المعنية على هذه الأسئلة على وجه التحديد.
عام اختبار الديمقراطية
ان عام 5002 وارد أن يكون عام اختبار الديمقراطية في الشرق الأوسط.. ان الديمقراطية سوف تختبر بالذات في الصراع الفلسطيني ــ الاسرائيلي، في صورة انتخابات متتابعة طوال العام، رئاسية، فتشريعية، فمحليات.. ولكن ماذا لو تتابعت عمليات العنف؟.
ما يريده شارون هو عدم التخلي عن الاحتلال.. ويتهم السلطة الفلسطينية، تبريرا لابقاء الاحتلال، بعدم التخلي عن الارهاب، وتحمل مسؤولية كل عمل ارهابي يقترفه فلسطينيون.. ترد السلطة الفلسطينية بأنها قد أثبتت قدرتها على ممارسة الديمقراطية، بدليل حسن سير انتخاب أبو مازن بديلا عن عرفات، وخلو الانتخابات من مخالفات ذات وزن، باعتراف جميع المراقبين الدوليين اعترافا صريحا.. أما الفلسطينيون، فإن ما يريدونه هو انهاء الاحتلال، استردادا للحرية، ولتحقيق مطالبهم المشروعة، بما في ذلك حق العودة، واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.. يرون أن سلوكهم الديمقراطي في انتخابات الرئاسة هوالدليل على أنهم قادرون.

احتواء المعارضة
كيف يمكن احتواء المعارضة الفلسطينية واقناعها، دون عنف، لو أمكن، وعن طريق «الحوار«؟.. هل من أدوات ضغط ديمقراطية؟.. هل من حلول وسط ممكنة؟.. بمعنى قبول هدنة قابلة للتجديد على سبيل المثال، اذ ثبت في التطبيق ان الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي قد التزما بانتهاج خط اتفقا على احترامه، يثبت أنه يعود على كليهما بالفائدة.. مايوصف باللعبة التي تحقق كسبا للطرفين المتصارعين معا.. هل هذا مستحيل المنال؟
ثم هل من توزيع للأدوار بين أبو مازن وأبو علاء (أحمد قريع)، رئيس الحكومة الفلسطينية؟.. هل يتخصص أبومازن في الجوانب السياسية للسلطة الفلسطينية، بينما يتخصص قريع في الجوانب الادارية؟.. بمعنى أن يتولى أبو مازن الحوار الفلسطيني/ الفلسطيني، توحيدا لمواقف الفصائل المختلفة، ويتولى قريع مسائل الانضباط؟.. ثم ما دور أبو اللطف (فاروق قدومي) في هذا كله؟.. ان قدومي هو آخر من تبقى على قيد الحياة من قيادة فتح الأصلية، التاريخية.. وقد تقرر له أن يرأس فتح بعد رحيل عرفات.. وهو يعتبر من أنصار التشدد في الخط الفتحوي، المتحفظ ازاء ما جرى من مفاوضات مع اسرائيل حتى الآن..
ثم.. كيف تجنب ان تكون هناك استفزازات اسرائيلية؟.. خاصة من قبل المعارضين لشارون في صفوف الليكود، ذوي مصلحة في افساد العملية الديمقراطية برمتها؟.. هل يتعرض شارون لحادث مماثل لذلك الذي تعرض له رابين، وأنه عليه تجنب ان يعرض نفسه للاغتيال، الأمر الذي لا بد ان يقيد يديه لدرجة أو أخرى؟.. هل هناك يمين متطرف في اسرائيل، مصمم على أن يصفي جسديا أي قائد اسرائيلي يقبل بالتخلي ــ ولو عن متر مربع واحد فقط ـ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحتى لو كان هذا القائد شخصية تبنت على الدوام خط اليمين المتطرف الاسرائيلي، شأن شارون؟.

أين بيريز؟
ثم.. أين يقف بيريز بين شارون وأبو مازن؟.. هل يكون عنصر تلطيف لصلابة مواقف شارون ازاء أبو مازن، أم يكون عنصر تمرير لمواقف اسرائيل المتصلبة؟.. هل الائتلاف الحكومي الاسرائيلي الجديد، الذي يضم حزب العمل الى جانب الليكود، عامل ايجابي لسير المفاوضات، أم على العكس عامل سلبي؟.. هل وارد تشكل جبهة من شارون وبيريز وأبو مازن ضد أقصى اليمين الاسرائيلي، أم الأرجح ان تتشكل جبهة تجمع ـ ولو ضمنيا ـ شارون وبيريز وأبو مازن ضد الفلسطينيين انصار استمرار التمسك بالعنف؟.. هل هذه الجبهة الأخيرة من الممكن المواءمة بينها وبين عملية منسوبة الى السلام؟.
ثم أين العمل الذي ينم عن أن اسرائيل، في مقابل بروز شواهد ملموسة على الديمقراطية الفلسطينية، انما تخطو خطوات نحو انسحاب القوات الاسرائيلية، ومن أجل تلبية مطالب الفلسطينيين الجوهرية، عملا بخريطة الطريق؟.. أين الترتيبات التي تؤذن بأن مطلب الدولة الفلسطينية ليس مجرد شعار، يرفعه بوش وشارون لتلبية مطالب اسرائيل التكتيكية، ويحذف كلما أريد توبيخهم لسبب أو آخر!..
ثم ينبغي لنا ادراك ان التجربة الديمقراطية، اذا ماأحرزت تقدما على الجبهة الفلسطينية، تتعرض لتقلصات خطيرة على الجبهة العراقية.. فهل من المستطاع اجراء انتخابات تتسع للعراقيين جميعا، داخل العراق وخارجه، قبل نهاية الشهر الجاري؟.. هل من الممكن احراز تقدم في اتجاه انشاء جبهة في أحد المواضع، وتعثره تماما في اخر؟.. هل من المتصور انتصار يحقق الاستقرار والازدهار في فلسطين، بينما العراق غارق في الخراب والفساد والفوضى.. هل من سبيل لفصل قضية العراق عن القضية الفلسطينية، أم فشل احدى القضيتين لابد أن يفسد الأخرى؟