إرتكبت بعض دول الجوار العربية ومعها دول عربية أخرى ذات ثقل وتأثير في تطورات المنطقة وإن هي بعيدة نسبياً، خطأً كبيراً عندما إتخذت موقفاً إنكفائياً تجاه العراق، منذ ان إجتاحته قوات الاحتلال وإنهار نظامه السابق، بحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد.
إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية صحيح وضروري والتدخل بهذا المعنى هو التلاعب بالتركيبة الداخلية لدولة من الدول ومناصرة فئة من فئاتها ضد الفئات الاخرى أما الأخذ بيد الجميع وإصلاح ذات البين والدفع في إتجاه الإستقرار والهدوء فإنه يأتي في إطار المساعدة والمساندة وتجنيب بلد عربي شقيق ويلات الإنقسام والحرب الأهلية.
ولذلك فقد كان على الدول العربية المجاورة، والدول المتاخمة المؤثرة البعيدة نسبياً وفي مقدمتها مصر، ان لا تأخذ الموقف الاستنكافي الذي اتخذته وكان عليها ان تتفق بغالبيتها إن ليس كلها على إحتضان كل مكونات الشعب العراقي الأساسية وان تأخذ بيدها وتضعها على بداية الطريق الصحيح بدون مؤازرة ومناصرة فئة ضد فئة أخرى وبدون أي حسابات ذاتية خارج إطار الموقف القومي والمصلحة الوطنية العراقية.
كان يجب ان تتقرب هذه الدول مجتمعة ومتفرقة، والأفضل ان تكون مجتمعة من الشيعة بمقدار تقربها من السنة ومن الاكراد والتركمان بمقدار تقربها من العرب ومن المسيحيين بمقدار تقربها من المسلمين وكان عليها ان تُفهم الجميع ان أية مراهنات على الخارج بغض النظر عن طبيعة هذه المراهنات ستكون عواقبها وخيمة على العراق وعلى أهله بكل أثنياتهم وطوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم ومنطلقاتهم الايديولوجية.
كان يجب ان لا تترك هذه الدول، وكلها على المذهب السني، السنة يشعرون بالإستفراد والإقصاء وبأنه ليس أمامهم سوى التعلق بالنظام السابق الذي قاسوا خلال عهده مثل ما قاساه إخوانهم من المذاهب والطوائف الأخرى وأكثر، وكان عليها، أي هذه الدول المجاورة والمتاخمة، ان تحتضن هؤلاء وان تعزز ثقتهم بأنفسهم وتحملهم على عدم مقاطعة إنتخابات هدفها الاساسي وضع دستور جديد يرسم ملامح المستقبل لبلد عام في الدماء حتى ذقنه.
وبالمقدار ذاته فإنه كان على هذه الدول كلها ان تنفتح على شيعة العراق العرب، وان تشعرهم بأن مصلحتهم ومصلحة بلدهم تحتم عليهم عدم الخروج من جلدهم القومي وعدم البحث عن حماية لهم خارج إطارهم القومي وأن أخطر ما يمكن ان يحدث هو تحويلهم الى مراكز قوى لدول تحركها مصالحها وتطلعاتها القومية التاريخية حتى وان إعتمرت هذه المصالح بالعمائم المذهبية.
ثم وحتى بالنسبة للأكراد الذين بقوا لأكثر من ألف عام جزءاً مـن نسيج هذه المنطقة العربية ـ الاسلامية وأعطوها بمقدار ما أعطتهم كان يجب ان لا يـُحشروا في الزاوية وكان يجب احتضانهم وإشعارهم بحنان الاخوة وبأن مصلحتهم الوطنية والقومية تقتضي ان يبقى العراق موحداً وان يشاركوا في بنائه وفي مسيرته الجديدة وعلى قدم المساواة مع إخوانهم العرب، السنة الشيعة،... وهنا ورغم مرور أكثر مــن عام ونصف على هذا المــوقف المفترض فإنه بالإمكان القول إن الفرصة لم تضع و«ان تصل متأخراً خيرا من أن لا تصل أبداً».