نبيل مسعد: صوَّر المخرج السينمائي الأميركي أوليفر ستون فيلمه «الاسكندر» في المغرب لأنه، بحسب قوله، عثر في هذا البلد على تسهيلات وديكورات مغرية، اضافة الى عنصر التوفير المادي الذي لعب أيضاً دوره في المسألة. وقد نزل الفيلم الى الصالات قبل أيام وهو من بطولة الممثل كولين فاريل في دور الاسكندر الأكبر والنجمة انجلينا جولي المشهورة بجمالها وجاذبيتها والتي لمعت في شخصية المغامرة لارا كروفت في فيلم «تومب ريدر»، ثم في الجزء المكمل له، وهي تؤدي هنا دور والدة الاسكندر، بينما اختار أوليفر ستون الفنانة الشابة روزاريو داوسون ذات الجذور المختلطة (هندية وكوبية وبورتوريكية) لتلعب دور الفتاة الأجنبية التي يعشقها الاسكندر ويتزوجها على رغم احتجاج محيطه على هذا الارتباط، علماً أن عدداً من الأميرات كان في انتظار نظرة أو كلمة منه للخضوع لأوامره.
ويلمع الشريط أساساً بفضل اللقطات التي تصور المعارك الحربية التي خاضها الاسكندر الأكبر، فقد نفذها ستون بمهارة لافتة مثلما اهتم بتسليط الضوء على الناحية السيكولوجية المتقلبة لشخصية بطله على عكس الأعمال السينمائية التي تناولت حياة الاسكندر من قبل.
لقد استحق ستون جائزة أوسكار أفضل مخرج عن فيلمه «بلاتون» الذي صوّره في العام 1986 عن حرب فييتنام وما خلفته في نفوس الذين شاركوا فيها، مثل حال ستون نفسه الذي يعترف بأنه روى حكايته الشخصية من خلال هذا الفيلم. ومن المعروف عن ستون أنه يتناول حياة شخصيات تاريخية وسياسية مميزة، مثل جون كينيدي في فيلم «جي إف كي» وريتشارد نيكسون في فيلم «نيكسون». اضافة الى ميله الشديد الى تصوير الواقع الاجتماعي المعاصر والعنيف، سواء ذلك الذي يتعرض له الشباب، لا سيما بسبب التلفزيون («سفاحون طبيعيون») أو الذي يطاول كل فرد ويترك اضراراً كبيرة بسبب سيطرة المال على الحياة اليومية في كل جوانبها («وول ستريت»). ولا يكفي ستون، البالغ من العمر 58 سنة، بالإخراج، فهو يكتب السيناريوات وينتج ويمثل في بعض الأحيان ويتكلم الفرنسية بطلاقة بفضل جذوره المختلطة (الأب أميركي والأم فرنسية)، كما يملك قائمة تضم أفضل مطاعم العاصمة الفرنسية المتخصصة في تقديم الوجبات التقليدية على الطريقة القديمة. في باريس التقت «الحياة» مخرج «الاسكندر» وبطلة الفيلم روزاريو داوسن وحاورتهما.

gt; ما الذي جعلك تختار حياة الاسكندر الأكبر لتحولها الى فيلم سينمائي علماً ان غيرك فعل ذلك في الماضي؟
- أنا مولع بكل ما يمس التاريخ والسياسة وإذا كنت تتابع أفلامي بشكل عام لا بد من أن تكون قد لاحظت كيف إني أميل الى معالجة حكايات مستمدة من الواقع، سواء التاريخي القديم أو المعاصر أو الاجتماعي الحديث مثلما فعلت في «وول ستريت» الذي تناولت فيه عالم المال والبورصة، و«سفاحون طبيعيون» المبني حول واقع فئة محددة من الشباب المتشرد المتأثر بالعنف السائد في التلفزيون.
لقد رويت حياة جون كينيدي وريتشارد ونيكسون، لكنني قررت هذه المرة الاتجاه نحو سيرة شخصية استثنائية تركت بصماتها على تاريخ البشرية بطريقة فريدة، علماً ان الاسكندر كان داهية في ذكائه وعظمته، لكن ذلك لم يمنعه من ممارسة الطغيان والديكتاتورية، حاله حال كل سياسي مصاب بجنون العظمة. منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أفكر في تنفيذ هذا المشروع السينمائي، وبقيت انتظر الوقت المناسب وأخطط لأدق التفاصيل وأقرأ الكتب التاريخية وبأنواعها المختلفة الى ان شعرت بأن الآوان قد حان فانطلقت في العمل، وها هو الاسكندر يعيش من جديد فوق الشاشة في فيلم من اخراجي، وأنا فخور جداً بذلك.
تذكرني بأن غيري حقق الفكرة نفسها في الماضي، وأنا على علم بذلك، طبعاً وهو أمر لا يضايقني اطلاقاً، فأنا من أنصار حرية الفنان في اختيار المواضيع التي تثير اعجابه وفضوله وفي تناولها طبقاً لرؤيته، ومهما كان غيره قد صورها أو كتبها أو رسمها من قبله.

gt; صورت فيلمك في المغرب فما هي المزايا التي عثرت عليها هناك؟
- الديكور الطبيعي الخلاب والتسهيلات السخية واليد العامة الماهرة والنفقات القليلة نسبياً مقارنة مع غيرها في بلد آخر.

gt; ما الذي دفعك الى الاستعانة بالممثل الايرلندي كولين فاريل لتقمص شخصية الاسكندر؟
- فكرت طويلاً في الممثل الذي يستطيع تقمص مثل هذا الدور الصعب، وامتنعت عن التأثر بما فعله ريتشارد بورتون في الماضي، اضافة الى كوني ألقي نظرة خاصة جداً على شخصية الاسكندر لا علاقة لها بما قدمته السينما من قبل. لقد أردت الرجل كنوع من المزيج بين الحكمة والجنون وبين العبقرية والأنانية، وأيضاً بين بعد النظر والخوف من أقرب المقربين اليه، وفتشت إذاً عن فنان قد يجمع بين كل هذه المواصفات من خلال نظراته وصوته ومن دون أن تلعب وسامته أي دور في حياته باستثناء ما يمكن أن يخص علاقاته العاطفية، علماً أن سلاحه الأول حتى من هذه الناحية كان في رأيي ذكاؤه.
لقد شاهدت كولين باريل في فيلمين هما «كابينة الهاتف» و«المجند» ووجدته يقدم الدليل في كل مرة على موهبة درامية فذة تتأرجح بين مختلف الألوان التمثيلية الموجودة، فطلبت مقابلته وتحدثت معه طويلاً عن شخصية الاسكندر قبل أن أطلب منه قراءة بضعة مشاهد من السيناريو. وأعترف لك بأنني اقتنعت بصلاحيته لأداء الدور فور دخوله باب مكتبي نظراً الى ما يحمله من غموض في طريقة سيره وفي عينيه ثم في طريقة حديثة. لقد قضيت أكثر من سنة معه بين التحضير والتصوير ولا أزال اعتبره شخصية غامضة ومتقلبة، فهو بلا شك من نجوم الغد الكبار جداً على المستوى العالمي لكنني أرثي لحال الذين يحبونه ويحيطون به في حياته اليومية (يضحك).

gt; ولماذا انجلينا جولي في شخصية أم الاسكندر؟
- ألم تجدها مقنعة في هذا الدور؟

gt; نعم، ولكن ما الذي جعلك تفضلها على غيرها؟
- قدرتها على اللعب بملامح وجهها والانتقال من الجاذبية والاغراء الى القسوة
لقطة من الفيلم.
والخبث بسهولة فائقة، أردت أن أستخدمها بطريقة تسمح لها بكسر صورتها الراسخة في الأذهان، وأقصد صورة البطلة المغامرة لارا كروفت، لأنني أعرف انها ممثلة قديرة وجديرة بأن تؤدي أصعب الشخصيات. لقد جعلتها في الفيلم تلعب بالثعابين طوال الوقت تقريباً، وطلبت من انجلينا ان تقنعني وتقنع المتفرج من بعدي أنها في الحقيقة مثل هذه الثعابين تجذب فريستها وتلتف حولها ثم تعضها عضة قاتلة، واعترف لك بأني راضٍ عن النتيجة.

gt; أنت من أم فرنسية، فما هي الصفات التي تعتبر انك ورثتها عن أمك؟
- حب الفنون التشكيلية وعلم الآثار والهندسة المعمارية، وأخيراً وليس آخراً حب الطعام على الطريقة الفرنسية، فأنا أملك قائمة طويلة لأفضل المطاعم التقليدية الباريسية التي لا تزال تطبخ على طريقة أيام زمان، وكلما سمحت لي ظروفي بزيارة باريس أتردد الى واحد أو أكثر منها لأرضي الجانب الفرنسي من ذوقي قبل أن أعاود تناول الهامبرغر (يقهقه).

gt; ما هي العلاقة في رأيك بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون والاسكندر الأكبر طالما انك حولت حياة كل واحد منهم الى شريط سينمائي؟
- أنا القاسم المشترك بينهم طبعاً، أنا أمزح، والنقطة التي تجمعهم هي في الحقيقة بسيطة جداً ولا تتعدى كونهم تولوا الزعامة في فترة من حياتهم، كل واحد على طريقته أيضاً، إذ انني لا أضع نيكسون على مستوى الاسكندر مثلاً، لا من حيث الذكاء ولا من حيث القدرة على الانجاز ولا من حيث الجاذبية التي تصنع شعبية الزعيم في فترة ما من حياته.

*التاريخ سيحكم
gt; وهل تضع كينيدي على مستوى الاسكندر؟
- لقد شع جون فيتزجيرالد كينيدي بجاذبية جعلت العالم يحبه مثلما يحب نجوم السينما، وفي هذه النقطة أضعه بالفعل على مستوى الاسكندر، لكن التاريخ هو الذي سيحكم في النهاية بطبيعة الحال.

gt; أنت حاربت في فييتنام ونلت الأوسمة عن «بطولاتك» هناك، فما هو موقفك الآن بعد مرور كل هذه العقود على هذه الفترة من حياتك؟
- لقد سردت حكايتي وبطولاتي وجروحي الجسمانية والنفسية والروحية ونظرتي الى السياسة الأميركية أثناء حرب فييتنام في فيلمي «بلاتون» قبل نحو 20 سنة. وكل ما أستطيع قوله رداً على سؤالك هو انني لا أزال أحمل في أعماقي بصمات الحرب وهولها كما اني ألاحظ بأسف شديد ان الولايات المتحدة قادرة على ارتكاب الأخطاء نفسها مرات ومرات عبر التاريخ من دون ان يتعلم حكامها من أخطاء الذين سبقوهم، وأنا أتناول هذه النقطة وأقصد تكرار الأخطاء في «الاسكندر»، ولكن في إطار مختلف جداً بطبيعة الحال.

gt; حدثنا عن اختيارك الممثلة روزاريو داوسون في دور زوجة الاسكندر؟
- كنت في حاجة الى ممثلة سمراء أو ذات دماء مختلطة لأداء شخصية المرأة التي أحبها الاسكندر بجنون وتزوجها على رغم احتجاج قومه وأهله وجيشه عليها بسبب كونها أجنبية. لقد فرضت روزاريو داوسون نفسها علي بطريقة طبيعية ومن دون ان احتاج الى مقابلة عشرات الممثلات غيرها من أجل الدور، وذلك بعدما شاهدتها في فيلم «الساعة الخامسة والعشرون» لسبايك لي حيث كانت امرأة شابة متقلبة بين حبها واخلاصها للرجل الذي تعشقه، ثم واجبها بالشهادة ضده في قضية مخدرات. لقد وجدتها ممتازة وصادقة في أسلوبها التمثيلي اضافة الى جمالها الفذ الذي كان لا بد من ان تتصف به ممثلتي حتى يقتنع المتفرج بوقوع الاسكندر في غرامها الى حد الجنون. أنا أجدها تشكل مع كولين فاريل ثنائياً من الدرجة الأولى في اللقطات الحميمة التي تجمع بينهما، سواء من ناحية العشق أو المناقشات السياسية بينهما أو في التعبير عن رغبتهما المشتركة في الانجاب. أنا سعيد جداً لعثوري على روزاريو وكولين وانجلينا جولي من دون أن أنسى انطوني هوبكينز في دور بطليموس طبعاً، إذ أعتقد بأنه تصرف كي يخطف منهم كلهم البطولة من دون أن أدري متى فعل ذلك أو كيف.