يا اخي لا تكتب لي صافناً بأشياء الماضي، اكتب عن هذا الصباح، عن اول طلوع الشمس، عن السحابة الوحيدة، كما لو في لوحة. اكتب اذا شئت عن طراوة الليل، عن شجرة يابسة، عن وردة بيضاء. او اكتب اسمك فحسب، لكي أتنسم اللعبة من البداية. هذه رسالتك اخيرا، مذيلة باسمك البلاتيني الصغير! الطقس أشد برودة من ان احتمل كآبة رسائلك. ما من جملة تكتبها، ترديني في النوم، القسوة نفسها، دائما دائما، بحق الآلهة.. بأي صوت تغني!! كلمة منك تكفي لكي ترقد الطعنة حيث تسقط.
كان من الجلّي انه اسمك، وعرفت انه انما يرافقني طويلا. كل الاسماء المختلفة، الاسماء الصعبة والاسماء الهينة عبيد اسمك وخدمه. ان اذكره، ان انساه، اي خسارة! عالم ألم، اسمك العجوز في دمي، ويوم طويل من الضباب في غرفتي الكبيرة، المقفرة والهادئة.
اسمك الرحب، وفيه غابة وجند وطيور، وبحيرة واسرار. اسمك وتضيئوه أشعة الشمس، ومنه رائحة صمغ، وكرز، وقليلا.. جبال التيبت.
يصلح لأيام الاحاد، اسمك القطني غير المرتب، واحسست منذ عرفته، انني ارتديه. ارتدي اسمك، ويبدو الحب ضيقا مع ذلك، وابدا لم تطلب مني الدخول. ومن ثم فقد وقف كل منا في مواجهة الاخر، وما زلنا واقفين، حتي الان.
انني امضي مازلت، في الثرثرة المرحة التي لا تطيقها، واستقر رأيي اكثر، علي المضي في الثرثرة. انت جعلت الوقت قصيرا جدا، لاكتشاف الاشياء الكثيرة التي اردت ان نكتشفها. رائحة الورود الثقيلة مثلا! اجل انني احب اسمك، أهذه خطتك منذ البداية؟ ان اروح احب اسمك ولا اكف عن حبه؟ أليست خطة ساحرة وضعتها منذ امد بعيد؟ اجل ايها السيد. غير ان الأمد البعيد هو امد بعيد، ولقد تغيرت كثيرا، وولي ذلك الارتباك، ذلك الاحساس المؤلم الذي يلم بي عن استحالتك، ولم اعد اصرخ من فزع المسافة، ولا من رسائلك القاسية، ولا من جمال يديك.
في الصورة يبدو قلبك طيبا. في الحقيقة انت لست طيب القلب، ولقد ضحكت مني حين قلت لك انني أهم شاعرة في العالم. معك حق، فأنا حتي الان، اعجز عن كتابة اللحظة، التي اقرأ فيها اسمك. انه الملمس والنسيج وحركة الحروف. اسمك الذي يعاني توترا مباغتا حين اقرأه.
أشد الرموز الروحية في اسم صغير. اسم حدث لي الي الابد، وكل حرف من حروفه، منفصل وخاشع، مثل حبات الخرز في ستار منزلي. وايا كان بهاؤه فقد خلص الان.
يا اخي قصيدتنا المنزلية انتهت، وانتهي العوم اليومي، تارة في الشمس، وتارة في المطر. كما انها رسالتك المتأخرة هذه، لم تؤثر بي.
انني اعود الي هوايتي في التقاط الاحجار المرجانية من الشقوق التي غسلها المد ومن البحيرات الصخرية. احجار متفردة تبعت السرور الي نفسي. قبيلة احجار صغيرة من اجل ان انساك، صغيرة وبريئة لا تلحق اذي بأحد وقد قمت وحدي بجمعها. كما اعاود المكوث فترات طويلة علي الشاطيء حيث المد الغاضب يرتطم بقدمي العاريتين. مراقبة الامواج تمنحني متعة قدرية تضاهي متعة اسمك. ولم اتخيل انني ابغض اسمك يوما، خاصة في الليل حين يغدو عبئا علي روحي. اري الان انني ابغضه. بلي، احيانا ابغضه. وبالطبع، مع كل يوم يمر، اعرف ان شيئا يخيفني، يقترب اكثر فأكثر، كأن أستيقظ ذات يوم، وافكر فيك بوصفك ذكري بعيدة. انها طريقتي الشرسة للخروج من سطوة اسمك. لن اناضل كثيرا، يكفي ان اطوي يدي علي صدري، لكي تكون الاشياء اسوأ مما تعتقد.
الواقع اننا الان، وبعد مضي زمن في مكافحة الوجد، استطعنا علي نحو سيريالي وفي فترات غريبة، ان نتبادل ضربا من التسامح الغامض الذي يتسم بالجنون، وتحف به النوبات العصبية، والخطر.
انني الان اذكر اسمك بالكاد. ولولا رسالتك الاخيرة الخرقاء التي انهكت قلبي لكنت نسيت. اجلس علي شاطيء البحر اري الي ارتطام الامواج والفراغ الشاسع واحس اختناقا طفيفا. افكر انك لست هنا لأخبرك عن وحشية الرمال اللامبالية وزرقة الماء العجيبة والنساء اللواتي يتخذن قرارات مضنية.
ما اطول اللحظة حين ترغب الاشياء بالسقوط الكامل. نسيانك بالطبع، افظع هذه الاشياء. كأنما كل جزء من جسدي يعاني يأسه منفردا. تسألني لابد، كيف بحق السماء نجوت؟ اقول لك بأن المسألة أتت هكذا بالصدفة، وانني علي كل حال، لن يسعني الذهاب بعيدا في هذا الرجاء، عديم النفع. اعيش انا وهذا البحر بمفردنا سرا، ويكون هناك خير ورضي، وفضاء رحب وهدوء، وتسطع الشمس، اجل، تسطع الشمس في شجاعة، والسماء لا تشوبها.. شائبة.