سؤال : متى يكون لبنان على شفير أزمة مصيرية؟
جواب: حين يطغى التشنج الطائفي على خطاب سياسييه.
سيناريو «الحوار» السياسي في لبنان اليوم لا يختلف كثيرا عن السيناريو الذي سبق تفجُّرَ الحرب اللبنانية عام 1975 . لغة الكلام المسؤول تعطلت والتلويح بالحرب الاهلية عاد الى ساحة الطرح العلني وكأنه الوسيلة الوحيدة لحسم خلافات اللبنانيين.
لماذا المكابرة؟
في لبنان اليوم أزمة قديمة ـ جديدة يمكن تسميتها بأزمة هوية. والحدة التي ترافق طرحها تكاد أن تحجب أزمة لبنان الألح: الأزمة الاقتصادية المعيشية الخانقة.
منذ وجد لبنان كيانا سياسيا معترفا به، بموجب بروتوكول عام 1864 ، واستقراره الداخلي رهينُ حالةِ مد وجزر بين «كيان» الفدراليات الطائفية المتعايشة على أرضه و«كيان» الدولة الجامعة لابنائها.
والمؤسف انه على مدى التاريخ، وفي كل الازمات التي شهدها لبنان منذ العام 1864، كانت الغلبة في هذه الحالة المزمنة للمد الطائفي، فبات مسلّما به أن تقتصر كل محاولات إصلاح الدولة ـ سواء بموجب الميثاق الوطني عام 1943 أو وثيقة الوفاق الوطني عام 1989 ـ على عملية إعادة تصنيف الأحجام الديمغرافية لطوائفه ومذاهبه... وتوزيع حصص السلطة وفق نسبها.
قدر لبنان، الجغرافي والديمغرافي، أن ينتقل من صيغة طائفية الى صيغة طائفية أخرى. أما صيغة الدولة ـ الوطن ، فقد بقيت استحقاقا مؤجلا الى ان يتوصل اللبنانيون إلى إجماع ما على ثوابت هذا الوطن.
على خلفية هذا التداخل الفريد في نوعه، بين الانتماء الطائفي والموقع السلطوي في لبنان، يبدو طبيعيا التساؤل : هل المقصود من حملة تأجيج المشاعر الطائفية دفْعُ بعض اللبنانيين دفعاً الى المطالبة بعملية إعادة تصنيف للاحجام المذهبية تستوجب اعادة توزيع للمواقع السياسية في هرم السطة وتستتبع بالتالي تجاوز معادلة اتفاق الطائف... وما لم يطبق بعد من نصوصها ؟
لأن أدبيات الخطاب السياسي في اي مجتمع كانت تعكس المرحلة التي يعيشها المجتمع، ولأن القضية المصيرية المسيطرة على الساحة السياسية اللبنانية هي الدعوة لتطبيق كامل اتفاق الطائف، يصبح الافتراض بأن تجاهل سياسيين، محسوبين على جهة معروفة، هذا التطبيق وتهويلهم بنشر احصاءات تثبت الاختلالات في النسب العددية بين المسلمين والمسيحيين، محاولة قد تكون مدروسة لطرح استعدادهم «للتنازل» بقبول معادلة «الطائف» الطائفية لقاء تسليم المطالبين بتطبيق القرار 1559 بالامر الواقع السوري. وفي هذه الخانة بالذات يصب التهديد باللجوء الى استفتاء يتوقع طارحوه ان يسفر عن تأييد «الأكثرية العددية» لاستمرار الوجود العسكري السوري في لبنان متجاوزين، في دعوتهم هذه، العمود الفقري للديمقراطية اللبنانية، اي صيغتها التوافقية، بعد ان باءت بالفشل تجربة تخوين الزعامات الداعية لاستعادة سيادة لبنان واستقلاله.
بعد نحو 15 عاما على مؤتمر الطائف أصبح تطبيق وثيقة «الوفاق الوطني» شأنا إقليميا أكثر منه لبنانيا، ويكاد أن يصبح شأنا دوليا بعد صدور القرار 1559، الامر الذي يوحي بانه مثلما كان استقلال لبنان الاول عام 1943 النتيجة العملية لتصادم المصالح البريطانية والفرنسية في الشرق الاوسط آنذاك، قد يكون استقلال لبنان الثاني حصيلة الصراع الأميركي ـ الفرنسي ـ السوري الراهن على مناطق النفوذ في المنطقة.
قد يعيد التاريخ نفسه في لبنان.. ولكن الاهم من ذلك الا يعيد اللبنانيون تكرار تاريخهم ويفوتوا الفرصة الجديدة المتاحة لاستعادة سيادتهم بابقائهم على علة عللهم ، اي صيغة دولة الطوائف، لا دولة اللبنانيين.