مع حلول "عيد الأضحى" يستذكر المسلمون معاني التضحية والفداء المستوحاة من قصة النبي إبراهيم "ع" الذي دعا الله أن يرزقه ذرية صالحة عندما ارتحل الى مكة المكرمة، فرزقه الله عز وجل بإسماعيل "بينما كان إبراهيم "ع" في سن متقدمة من عمره".
وبعد أن أصبح إسماعيل "ع" شابا يعتمد عليه نبي الله إبراهيم الخليل رأى في المنام أن الله يأمره بأن يضحي بولده... وكان الاختبار الصعب لأن إسماعيل يمثل ثمرة حياة أبيه. ولكن إبراهيم سعى إلى أن يمتثل لأمر ربه، غير أن الله ناداه وعوضه بـ "فدية" يضحي بها عن ولده... "فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم، كذلك نجزي المحسنين" "103 - 110: الصافات". وهكذا أصبحت "الأضحية" جزءا من شعائر الحج يؤديها المسلمون كل عام ويحتفلون بعيد الأضحى.
الاختبار الأكبر لصاحب أي مبدأ هو أن يبادر للتضحية من أجل مبادئه وأن تكون التضحية واضحة وبأعز ما لديه. وهو ما فعله رسولنا محمد "ص" عندما دعاه أتباع المسيح "ع" في نجران إلى المباهلة "يبتهل كل فريق إلى ربه لانزال العذاب بالآخر"، فاعتقد نصارى نجران أن الرسول سيأتي بأبعد الناس عنه نسبا "لتوزيع البلاء على أكبر عدد من الناس فيما لو استجاب الله لدعوات المسيحيين". غير أن الرسول "ص" اصطحب أعز أهل بيته وذهب إلى المباهلة ما أدى إلى صعق أهل نجران الذين وجدوا ان رسول الله "ص" يؤمن فعلا بما يقول وأنه ومع أعز من لديه على استعداد للثبات أمام الشدائد والصدق في المواقف.
وهذا يجرنا إلى موضوع لصيق بالسياسة وبمن يقود أعمالا سياسية ويرفع شعارات كبيرة أو صغيرة ويرددها كما لو أنه يؤمن بها إيمانا كبيرا وأنه على استعداد لأن يقدم أعز ما لديه ويضحي من أجل هذه المبادئ. ولو تفحصنا كثيرا من الناس، على الساحات الدولية والاقليمية والمحلية، وسواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، فسنجد ترديد الشعارات الكبيرة والتصريح بأسمى المبادئ... ولكن على أرض الواقع فإن الأمر يختلف.
ستجد "الثوري" حصن نفسه وحصن أعز من لديه ضد ما قد تؤول إليه تصريحاته ومواقفه. بالنسبة إلى هذا الصنف من البشر، فإن لديه من الفقراء والمستضعفين والمغلوب على أمرهم ممن سيدفعون ثمن الفاتورة... أما هو فلن تجده في الملمات، كما لن تجد أعز من لديه قريبا من المصائب التي قد تحل بسبب ما يطلقه من شعارات ويردده من مبادئ. هذا الصنف من الناس لا يحق له أن يحتفل بعيد الأضحى، لأنه يضحي بالآخرين أساسا ويهرب بجلده وجلد من يحب.
مسئولون في هذه الدولة أو تلك تراهم يرددون أنهم يجهدون أنفسهم ولا ينامون الليل من أجل خدمة الوطن والتضحية من أجل الشعب. والواقع هو أنهم ينامون ويشبعون من النوم بعد أن يضحوا بمصالح وطنهم وشعبهم ويعبثوا بها كما لو أن ثروات الوطن تركة حصلوا عليها مجانا ليستأثروا بها ويحرموا الناس منها. هؤلاء أيضا ليس لهم الحق في أن يحتفلوا بعيد الأضحى لأنهم لا يضحون بشيء من أجل الآخرين، وإنما يضحون بالآخرين ويضحون بكل شيء من أجل طمعهم وجشعهم الذي لا يعرف حدودا إنسانية أو حيوانية... ذلك لأنهم كالأنعام بل هم أضل...
من يحق له أن يحتفل بعيد الأضحى هو كل شخص لديه مبادئ سامية يؤمن بها، ولا يرددها إلا إذا كان مستعدا لأن يضحي من أجلها... إن من يحق له أن يحتفل بعيد الأضحى هو كل إنسان يضحي بوقته وجهده وماله - وإذا احتاج الأمر فبنفسه - من أجل رفعة شأن أمته، ومن أجل إحلال العدل والإحسان بين الناس، كما أمر الله بذلك... عيدكم مبارك.