بدأت امس الخميس الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الاميركي جورج بوش. وان كان لهذه البداية من خصوصيات تميزها عن بداية رئاسته الاولى، فان الاهم انها مسبوقة بجملة معطيات ابرزها، وصول شعبية الرئيس الى ادنى مستوياتها، كما بينت استطلاعات الرأي، ثم استمرار حملة الانتقادات للسياسة الاميركية، وترافق ذلك مع اعتذار قدمه الرئيس للاميركيين يتعلق ببعض سلوكياته واقواله، التي ظهرت في المرحلة السابقة من حكمه والمنتهية امس الخميس.
وانخفاض شعبية الرئيس عشية فترة رئاسته الثانية، انما تدلل على تراجع التأييد لسياساته، وهي حالة شهدت في الفترة الرئاسية الاولى وضعاً لا استقرار له في الارتفاع والانخفاض، لكنها لم تصل ابداً إلى المؤشرات الجديدة، حيث اظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو ان شعبية بوش بلغت مستواها الادنى عشية بدء ولايته الثانية، اذ لم يؤيد سياسته سوى (50%) من الاميركيين، واظهر (43%) الاستياء من تلك السياسة، وعند هذا المستوى، يكون بوش في مرحلة ادنى من شعبية اسلافه بيل كلينتون ورونالد ريغان وريتشارد نيكسون وليندون جونسون ودوايت ايزنهاور الذين تولوا الحكم لولاية ثانية.
وباستثناء الانتقادات المستمرة لسياسة بوش في الداخل الاميركي ولاسيما فيما يتعلق بالسياستين الاقتصادية والاجتماعية، فقد تصاعدت الانتقادات لسياسة الادارة الاميركية في العراق، وهي سياسة تتجاوز كونها موضوعاً خارجياً، بل انها بدت في صلب السياسة الداخلية ايضاً، وقد تضمنت تقارير وتصريحات اميركية وصادرة عن حلفاء واشنطن كثير من الانتقادات من بينها اعتراض على اصرار بوش واركانه المضي في الانتخابات البرلمانية في العراق رغم الظروف المحيطة بها، وفي هذا الاتجاه جاءت دعوات اميركية كثيرة لتأجيل الانتخابات، كان الابرز في التعبير عنها صحيفة (النيويورك تايمز، التي قالت افتتاحيتها، ان الانتخابات المقبلة، التي قدمت طويلا على انها تمهيد لقيام العراق الديموقراطي الجديد، بدأت تتجه اكثر فاكثر نحو السيناريو الاسوأ اي الحرب الاهلية بين السنة والشيعة مما سيؤدي الى زعزعة الاستقرار في كل الشرق الاوسط، وهذا يفرض - حسب الصحيفة - التأجيل بهدف تغيير المعطيات المحيطة بالعملية الانتخابية، والتي هي بين الانشغالات الاساسية لحلفاء واشنطن ومنهم ايطاليا وبريطانيا.
ومحاولة تقويم السياسة الاميركية في العراق على نحو ماهو عليه الحال في موضوع الانتخابات، يترافق مع انتقادات متواصلة لممارسات واشنطن وقواتها في العراق، وقد انتقد تقرير دولي اصدرته الهيئة الدولية للمشورة والمراقبة المكلفة الاشراف على ادارة أميركا لنفط العراق جانباً جديداً في الممارسات الاميركية لجهة ضعفها في إدارة ملف نفط العراق وخاصة في مراقبة الانتاج وعائدات النفط ومنح عقوده، وما احاط بها من هدر للاموال وتعميم الفساد، وهي حالة تمثل نموذجاً لما يحيط بادارة برامج اخرى، تشرف عليها واشنطن في العراق مثل النفط مقابل الغذاء كما لاحظت اوساط برلمانية اميركية.
وثمة تعبير آخر في انتقاد سياسات ادارة الرئيس بوش في الشرق الاوسط، يتمثل في قيام خمس وثلاثين منظمة دينية: اسلامية ومسيحية ويهودية بمطالبة الرئيس بوش بالتدخل لحل مشكلة الشرق الأوسط خلافاً للسمة الاساسية لسياسة بوش ازاء الصراع العربي - الاسرائيلي والذي تبنى في اعوام رئاسته الاولى الموقف الاسرائيلي دون النظر إلى أي اعتبارات أو مواقف اخرى، وقد طالبت هذه المنظمات في ختام مؤتمر لها الرئيس بوش بـ العمل على ملف المفاوضات للتوصل الى حل ازمة الشرق الاوسط، وتعيين موفد رئاسي خاص للعمل على مفاوضات السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين وفق حل اساسه قيام دولتين، وطالبت ادارة بوش تقديم مساعدات مالية للفلسطينيين لبناء مؤسسات السلطة الفلسطينية بصورة تضمن تحقيق الاستقرار والامن.
سببت سياسات بوش وادارته في ولايته الاولى كثير من المشكلات والمعاناة في مستوى الداخل الاميركي كما في مستوى السياسة الدولية، مما عرضها للنقد والمعارضة على أكثر من صعيد، واساءت إلى صورة الوالايات المتحدة في العالم، كما لاحظت تقارير رسمية اميركية، واظهر الرئيس بوش عشية ولايته الثانية توافقه معها، حيث اعلن أنه قد تفوه أحياناً بعبارات تعيسة أعطت انطباعاً سيئاً لدى بقية العالم بشأن الوالايات المتحدة، واعتبر ان بعض ما قاله، لم يكن على جانب كبير من الديبلوماسية، ووعد بالانتباه لما يقوله لكي لا يعطي انطباعاً سيئاً عن الوالايات المتحدة.
لكن اعتذار الرئيس بوش عن كلام قاله، لايغطي الا بعض النقد الذي تعرض له بوش وادارته، وهو نقد لم يوجه الى اقواله فقط، بل الى افعاله وسياسات ادارته في الفترة الرئاسية الماضية، وهي سياسات وافعال، يجزم بوش انها كانت صائبة بشكل عام، كما بين في أخر مقابلة له اجرتها معه واشنطن بوست، الامر الذي لايفسر التغيرات التي تمت على اركان الادارة الاميركية، حيث تم الاستغناء عن شخصيات اساسية في الادارة الماضية مثل وزير الخارجية ووزير الامن الداخلي ورئيس وكالة المخابرات المركزيةC I A ، وينتظر رحيل غيرهم مثل نائب الرئيس ديك تشيني.
لقد بدأ بوش ولايته الاولى بمعطيات افضل مما يحيط به في ولايته الثانية، والتي يواجه فيها ملفات كبرى أكثر خطورة وتعقيداً، تشمل اوضاع العراق المتفاقمة والصعبة، والملفات المتعلقة بكوريا الشمالية وايران، وملف الصراع العربي - الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، وعلاقات التوتر مع اوربا وروسيا اضافة الى تحديات ما تسميه واشنطن الحرب على الارهاب، وهذا يعني ان التحديات التي تواجه الرئيس بوش وادارته في الولاية الثانية، هي أكبر بكثير مما كانت في الولاية الأولى، لكنه يدخلها اضعف مما كان عليه في مثل هذه الايام في العام 2001.