مما بدا مصادفة لا تتكرر في السياسة والسياسة المقاومة ان محمود عباس الذي تسرع منذ اسابيع معدودة وعاب الصواريخ الفلسطينية لعدم فعاليتها، ولنجاحها فقط في جلب الاذى “الاسرائيلي” للفلسطينيين، ان رداً مباشرا عليه قد جاء من الصواريخ نفسها بإيقاعها خسائر “اسرائيلية” ثقيلة في اليوم نفسه. فهل كان ذلك الرد زخة صواريخ وقذائف أراد مطلقوها بقوة التصميم ان يصيبوا أهدافهم يومها لينقضوا ما قاله من يعلمون انه رئيس السلطة الفلسطينية القادم والمهيئ نفسه لإسكات السلاح الفلسطيني وإبقاء الصواريخ في قواعدها؟ ولم يؤازر الإعلان “الإسرائيلي” الصريح للخسائر في ذلك اليوم محمود عباس في “تقليله” من شأن الصواريخ الفلسطينية، وإنما آزر الأذرع الفلسطينية في صدقية فعالية الصواريخ، فدولة مثل “اسرائيل” لا تكذب طبعاً على نفسها وهي في وضع التهديد الجدي. يأتي اليوم خبر ان صواريخ سقطت بالقرب من قدمي شارون المجتمع في ايريز مع ضباطه. وهذا يقول لك الكثير عن فعالية الصواريخ كما قالته من قبل اخبار اخرى سابقة عن تهديدات الصواريخ لحياة شارون وعن إصابتها للقواعد العسكرية وسكان المستوطنات. داء “اسرائيل” الجديد هو الصواريخ الفلسطينية التي كانت حتى القريب تشبه الألعاب النارية للأطفال والهواة، وتطورت لتقض مضجعها، وتكون بديلا في ذلك عن القنبلة البشرية الاستشهادية. “اسرائيل” هي قوة افراد وهي تفقد القوة بفقدان ساكنيها ومهاجريها الجدد للقوة الذاتية لاحتمال التهديد بالموت. لقد ذهب مراسل صحيفة “الاندبندت” البريطانية، دونالد ماكنتاير، الى مستعمرة “سديروت” ليستطلع اوضاع ساكنيها ال 27 ألفاً بعد ان اصبحت الصواريخ الفلسطينية المتطورة باستمرار تزورهم بانتظام منذ اشهر، فوجد انهم يسمون الصواريخ “قسام”. ووجد منهم من يقول: “نحب ان نشعر بأننا اقوياء، لكن كثيرين فكروا في المغادرة، ومنعهم انهم لم يستطيعوا بيع بيوتهم”. سديروت هذه هي جزء من اراضي ال ،48 وان كانت على الحدود بين اراضي ال 67 والداخل الفلسطيني، فإن الاحتمال قائم وممكن ان اليد الفلسطينية ستصبح اطول وتصل الى العمق.
“اسرائيل” مكشوفة الظهر والبطن هذه المرة، وكل ذلك بوساطة التكنولوجيا التي تطورت ذاتيا، ومن الصفر ومن دون مساعدة روسية أو صينية، او صديقة او جارة. وإذا كان للاستشهادي جدار يمنع مروره ومعبر يفتشه، فإن الصاروخ عابر للجدران والحواجز. وهو يحط في البيوت والمعسكرات ومقار الحكومة ولا يتحدد بالباص والشارع والمعبر مثل الاستشهادي. تقدير كم ان “اسرائيل” متوترة وقلقة و”محبطة” من الصاروخ الفلسطيني يمكن رؤيته في العراق الذي غزي اولا وقبل كل شيء من أجل تحطيم قدرته على انتاج صواريخ تعبر الى “اسرائيل” وتؤذيها بالفعل. عمق التداعيات الأمنية والوجودية “الاسرائيلية” من تطور الصواريخ الفلسطينية لا يمكن الإلمام به بسهولة في ضوء وضع عربي مناوئ للمقاومة بكل اشكالها، وقد أمكن الإلمام به قليلا من الاستعجال “الاسرائيلي” الفج لمحمود عباس وحشره في الزاوية كي يقنع شارون والمستوطنين انه يعمل شيئا ما و”ملموسا” لإزالة شبح الصواريخ.
النضال الفلسطيني الذي يمتلك اليوم قوة وزخماً لم يحصلا له قبلا بسلاحه الجديد، هل يتخيل عاقل انه يتخلى عنه من أجل ان يهدأ بال سكان “سديروت” وغيرها، ومن أجل ان يكون محمود عباس رئيساً فلسطينياً مرضياً عنه “اسرائيلياً” وأمريكياً؟ بالطبع لا، وهو ما قالته فصائل المقاومة، ولو كان لعباس وشارون قول آخر. والأيام القادمة ستفصل في ذلك.