مشاهدة تنصيب الرئيس بوش من حانة صغيرة في باريس، تشبه مشاهدة فريق ريد سوكس من حانة في نيويورك وهو يفوز بكأس العالم. ففي الغالب سيكون جالسا بالقرب منك من يحتفل بالمناسبة. أقصد أن شخصا ما في مكان ما من أوروبا يجب أن يكون سعيدا بهذه المناسبة. ولكن ذلك ليس واضحا على كل حال.
لماذا يشعر الأوروبيون بكل هذا الغضب «الأزرق» لانتخاب جورج بوش لفترة ثانية ؟ أعتقد أن السبب هو أن أوروبا هي «أكثر القارات زرقة» حاليا، (الأزرق كان هو لون الحزب الديمقراطي، بينما الأحمر كان لون الحزب الجمهوري).
هذه القارة كلها كتلة من الانفعالات الزرقاء. حتى أعداء معاداة أميركا يشعرون بالضيق من الارتباط ببوش في هذه الأيام. هناك محافظون أوروبيون، ولكن، وربما باستثناء إيطاليا، لا يوجد هنا ما يعادل الحزب الجمهوري، حزب الرئيس بوش، المعادي للإجهاض، وللمثليين، وللضرائب، وللرعاية الصحية، ولاتفاقية كيوتو، الحزب المتدين بصورة صريحة، والمؤيد لحرب العراق.
قال جيمس روبين، المتحدث باسم وزارة الخارجية في عهد الرئيس السابق كلنيتون: «إذا أخذت الأحزاب البريطانية الثلاثة: حزب العمل، الليبراليين الديمقراطيين والمحافظين، ونظرت إلى مواقفهم حول الدين والأسلحة والمثليين وعقوبة الإعدام والرعاية الصحية والبيئة، لوجدت لها كلها مكانا داخل الحزب الديمقراطي الأميركي. وهذا هو ما يجعلني أتعامل بسهولة مع الأحزاب الثلاثة، إنهم جميعا من الحزب الديمقراطي الأميركي».
ومع أن كل الحكومات الأوروبية رحبت رسميا بتنصيب بوش، إلا أن المزاج السائد في القارة «هذا إذا سمحتم لي بهذا التعميم الكاسح»، يبدو أنه ما يزال يعكس «الصدمة والترويع»، الذي شعرت به القارة لإعادة انتخاب هذا الرجل.
قبل الانتخابات كان الشعور الأميركي هو: «نحن لسنا ضد أميركا، نحن ضد بوش». ولكن بعد أن صوت الشعب الأميركي لإعادة بوش، فإن أوروبا وجدت صعوبة في المحافظة على هذا التمييز. المنطق يدفع الأوروبيين إلى أن يكونوا الآن ضد أميركا وليس فقط ضد بوش، ولكن أغلب الأوروبيين لا يريدون أن يذهبوا إلى ذلك الحد. فهم يعرفون أن أميركا أكثر تعقيدا من ذلك. ولذلك هناك ظل للأمل أن يأتي بوش في زيارته في الشهر المقبل إلى أوروبا، وهو يحمل غصن زيتون، يجبر الطرفين على المحافظة على هذا الزواج الخالي من الحب، على الأقل من أجل الأطفال.
قال دومينيك مواسي، وهو أحد أبرز المحللين الفرنسيين للسياسة الدولية:
«كان الأوروبيون مقتنعين، عشية الانتخابات الأميركية، أن كيري قد فاز، وكانوا يقولون لأنفسهم إنهم ظلوا على يقين دائما أن الأميركيين ليسوا بهذا السوء، ثم فجأة، ظهرت الحقيقة، وساد شعور بطيء بالاستسلام وصار الناس يقولون: «حسنا، نحن كنا نحلم إذن». الوقائع تقول إن أميركا الحقيقية تواصل ابتعادها عنا. نحن لا نؤمن بنفس القيم... وكانت هذه مسألة مشحونة عاطفيا في فرنسا. كان الفرنسيون يشعرون كأنهم يصوتون في نفس الوقت لرئاسة فرنسا وأميركا».
هذا الشعور بأن أميركا أصبحت من القوة بحيث تؤثر على الموقف السياسي للفرد أكثر مما تؤثر عليه حكومته، وما يصاحبه من الرغبة في التصويت في الانتخابات الأميركية، أصبح محل إحساس بصورة أقوى في كل أنحاء اوروبا. قالت لي إليزابيث أنجيل، 23 سنة، وهي تدرس بجامعة أكسفورد، أن صديقا باكستانيا يدرس معها في نفس الكلية، طلب منها أن تسمح له بمشاهدتها وهي تعبئ بطاقة الاقتراع للانتخابات الأميركية.
قال لي: «إنه أقرب موضع للمشاركة في انتخاباتكم. أتمنى لو استطيع التصويت في انتخاباتكم لأن حكومتكم تؤثر في حياتي اليومية أكثر مما تفعل حكومتي»، فيما قال مواسي:
«عندما يتعلق الأمر بالعواطف، فإن إعادة انتخاب بوش قد قوت من الشعور بالغربة بين أميركا وأوروبا. ولا يمكن تلخيص المسألة في أننا نعادي أميركا، فالحقيقة أننا لا نتفهم الطريقة التي يتطور بها ذلك القطر. فهذه الانتخابات أضعفت من مفهوم (الغرب)».
ومن الأمور المثيرة للعجب أن القطر الذي كان يمكن أن يعيد انتخاب بوش، لا يقع في أوروبا، بل في الشرق الأوسط، وهو إيران. فالشباب في هذه البلاد يتطلعون إلى بوش ليزيح عن أكتافهم حكامهم الطغاة، كما فعل في العراق. وقد قال لي طالب في جامعة أكسفورد عاد لتوه من رحلة بحثية إلى إيران، إن شباب ذلك البلد يحبون كل ما تكرهه حكومتهم، مثل الرئيس بوش، كما أنهم يكرهون كل ما تحبه حكومتهم. وتمتلئ جدران طهران بالشعارات التي تنادي بسقوط أميركا. ولكنه عندما حاول تصويرها طلب منه الطلاب الإيرانيون ألا يفعل لأنها وضعت بواسطة الحكومة ، ولا تعبر عن مشاعر أغلب الإيرانيين. وقال الطالب:
إن إيران هي الولاية الأميركية الأكثر حمرة..! فتأمل..!