هناء دكروري: موجات التعاطف الإنساني والمساعدات المالية الضخمة التي أثارها المد البحري‏'‏ تسونامي‏'‏في آسيا أغرت الكثيرين بالتساؤل هل يمتد هذا الكرم ليشمل المواطنون الذي يعيشون في مأساة يومية في أفريقيا حيث يحصد‏'‏ تسونامي الفقر والامراض‏'‏ مئات الآلاف أسبوعيا؟وجاء الرد مجسدا في الخطة التي طرحها وزير المالية البريطاني جوردون براون‏-‏ والتي وصفها بأنها‏'‏خطة مارشال حديثة لأفريقيا‏'-‏وتهدف إلي انقاذ افريقيا وتخليصها من الفقر‏.‏وتأتي الخطة في اطار اهتمام حكومة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بالتصدي للمشاكل في القارة السوداء‏,‏ والذي تعهد بأن تكون لافريقيا الاولوية خلال فترة رئاسة بلاده لمجموعة الدول الثمان الكبري هذا العام‏.‏
وتتكون خطة براون‏,‏الذي قام مؤخرا بجولة إفريقية لكسب التأييد لخطته والاطلاع عن قرب علي مشاكل القارة‏,‏من ثلاث خطوات‏:‏
‏1-‏يقوم البنك الدولي وصندوق النقد بشطب ديون الدول الافقر
‏2-‏كسر الحواجز التجارية والغاء الانظمة الحمائية خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية التي تفرضها دول الاتحاد الاوروبي
‏3-‏انشاء صندوق استثماري جديد قادر علي ضخ‏50‏ مليار دولار سنويا لتقديم مساعدات إضافية للقارة‏.‏
وعلي الرغم من حسن النوايا والاهداف النبيلة التي تنطوي عليها خطة براون إلا انها واجهت الكثير من الانتقادات‏.‏فيري البعض انه كان ينبغي علي براون ان يسأل نفسه أولا ما سبب الفقر في افريقيا ؟ولماذا أصبحت القارة الوحيدة التي ارتفعت بها معدلات الفقر خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية؟ولكن يبدو ان براون‏,‏ يشاركه كثيرون‏,‏يعتقد أن الفقر في افريقيا هو نتيجة لقلة الموارد وعدم توافر المساعدات الكافية‏.‏ولكن الحقيقة المؤسفة انه كانت هناك أكثر من خطة لانقاذ أفريقيا علي مدي الخمسين عاما الماضية ولم تنجح أي منها في القضاء علي مشكلات القارة المزمنة‏..‏
ومجرد المقارنة بين أفريقيا اليوم وما كانت عليه أوروبا في عام‏1945‏ عندما بادرت الولايات المتحدة بخطة مارشال مقارنة ليست في محلها‏.‏ففي نهاية الحرب العالمية الثانية كانت هناك ديمقراطية وحريات في أوروبا فضلا عن ان غالبية السكان كانوا متعلمين ويمتلكون مهارات عالية‏.‏كانت المهمة الوحيدة المطلوبة هي اعادة الاعمار بعد الحرب‏,‏ وكل ما كان ينقص هو التمويل‏.‏وقد قدمت الولايات المتحدة حينذاك‏13‏ مليار دولار علي مدي ثلاثة أعوام ونصف‏(‏أي ما يعادل‏76‏ مليار دولار باسعار اليوم‏).‏أما أفريقيا فقد حصلت خلال الاعوام الخمسين الماضية‏,‏ وفقا للاحصاءات الرسمية‏,‏علي مساعدات تقدر بتريليونات الدولارات وليس مليارات فقط وبالتالي كان من المفترض أن تصبح القارة غنية اليوم‏.‏ ولكن علي أرض الواقع نجد أن افريقيا هي القارة الوحيدة التي تضم أكبر عدد من المواطنين الذين يعيشون بدخل أقل من دولار واحد في اليوم‏.‏كما أن ثلث الافارقة يعانون من سوء التغذية وهناك‏30‏ الف طفل يموتون يوميا من امراض قابلة للعلاج ومن نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب‏.‏وعدد المصابين بالايدز وصل إلي‏28‏ مليون شخص وهناك‏11‏ مليون يتيم نتيجة انتشار هذا المرض القاتل‏.‏
وما سبق يوضح أن الفقر في افريقيا أحد أعراض مرض القارة وليس سبب المرض‏.‏الفقر في افريقيا لم يأت نتيجة نقص الاموال ولكن نتيجة الفساد والنزاعات والقلاقل السياسية‏.‏ فقد فشلت معظم الانظمة الحاكمة في خلق مناخ ديمقراطي يحترم حقوق الانسان‏.‏وان لم يحدث تغيير جذري فان تقديم مساعدات اضافية ضخمة‏,‏كما يخطط براون‏,‏سوف يزيد الأمر تعقيدا‏.‏
فالتجارب قد أثبتت أن الكثير من أموال المساعدات ينتهي بها المطاف في الحسابات المصرفية الخاصة بالطبقة الحاكمة‏.‏كما انه سيكون من الصعب تحديد المعايير التي سيتم بموجبها اختيار الدول الأحق بالحصول علي المساعدات؟ويوضح ريتشارد دودن‏,‏مدير الجمعية الملكية لافريقيا‏,‏أن هناك بعض الدول الافريقية التي حققت تقدما ملموسا وتسير أمورها علي ما يرام مثل جنوب أفريقيا وبتسوانا‏.‏وهناك دول ممزقة تماما وليس لديها القدرة‏,‏في الوقت الراهن‏,‏علي التعامل مع المساعدات مثل الكونجو‏.‏وهناك دول أخري تعتمد في ميزانياتها اعتمادا كاملا علي المساعدات الدولية مثل موزمبيق وغانا واوغنداومع ذلك لا يوجد أي دليل علي أنها ستعتمد علي نفسها في المستقبل‏.‏
أما مسألة اسقاط الديون عن كل الدول الافريقية فهي أمر شائك للغاية‏.‏ فشطب الديون بغض النظر عن فساد وديكتاتورية‏,‏وأحيانا وحشية الأنظمة الحاكمة ليس عدلا ويشجع علي التمادي في الطغيان‏.‏ويجب وضع معايير للتأكد من اسقاط الديون عن الدول التي أظهرت التزاما نحو تحقيق نمو اقتصادي واصلاح سياسي حقيقي وتريد حقا الانفاق علي التعليم والرعاية الصحية وليس التسليح وشراء السيارات المرسيدس وتشييد القصور‏.‏
أكثر ما تحتاجه الدول الافريقية هو فرصة حقيقة للاعتماد علي النفس وتحقيق الاكتفاء الذاتي ولن يتم ذلك إلا من خلال نظام عادل للتجارة الدولية‏.‏وفي هذة النقطة بالذات كان بروان لديه كل الحق‏,‏فالسياسات الحمائية والدعم الزراعي الذي تفرضه الدول الغنية يشل قدرة افريقيا علي التنافس‏.‏ كما ان اغراق الدول الافريقية بالاغذية المدعومة يدمر الاقتصاد المحلي لتلك الدول‏.‏فهل تنجح بريطانيا خلال رئاستها لمجموعة الثماني في اقناع شركائها الكبار بالتخلي عن انانيتهم والغاء الدعم الزراعي والقيود علي الواردات الافريقية وتكون بذلك قد مدت يد عون حقيقية لافريقيا أم أن خطة مارشال الحديثة لافريقيا ستتحول إلي وعد غربي آخر فارغ ومجرد مسكن ينته مفعوله سريعا‏!‏