القاهرة من مروة مجدي: «بالرغم من أنني أبدو مندفعا في بعض الاحيان، إلا انني لم أشعر ولو للحظة واحدة بالندم على سفري الى اسرائيل», هكذا يبرر الكاتب المصري علي سالم تعليقا على سفره في نهاية شهر ديسمبر الماضي الى اسرائيل بعد انقطاع دام اكثر من خمس سنوات لم يسافر فيها الى هناك والزيارة الاخيرة التي قام بها علي سالم جددت ضده اتهامات كانت قد خفت حدتها من قبل واهمها اتهامه بالخيانة العظمى والعمالة للموساد، وهو يؤكد في هذا الحوار والذي تناول العديد من القضايا، الآراء الخاصة برؤيته للعلاقات مع اسرائيل، ان هذه الاتهامات هي عنوان العجز: «العجز عن الفعل تجاه السلام الذي يجب ان يكون هو التحدي الرئيسي لنا وللاسرائيليين».
ومع كل ما تثيره آراء علي سالم من صدمة أو جدل كان هذا الحوار الذي اجرته «الرأي العام»:
بداية,,, يوجد في مصر اتفاق شعبي على رفض التطبيع مع اسرائيل، لماذا تخالف هذا الاجماع؟
- حكاية ان شعبا بأكمله ضد التطبيع مع اسرائيل هي مقولة مخادعة، وفي الحقيقة ان الشعب له موقف من اسرائيل نتيجة ما تفعله في الفلسطينيين ولكن في حال الاتجاه نحو السلام فإن الموقف سيتغير، واعتقد ان جسم الشعب ليس له علاقة بالتطبيع من عدمه، لأنه منشغل اكثر من أي شيء آخر بقضاياه الحياتية اليومية مثل ارتفاع الاسعار او الدروس الخصوصية، وبالرغم من ذلك أرى ان التعاون مع اسرائىل ليس قليل الشعبية في مصر، فقط نجد ان هناك تضخما في الرفض من قبل الاعلام وكلام المثقفين، والدليل على ذلك انه بالرغم من مهاجمة هؤلاء لاتفاقية «الكويز» الموقعة بين مصر واسرائيل واميركا اخيرا، الا ان عمال النسيج في المحلة الكبرى وكفر الدوار تظاهروا مطالبين بانضمام شركاتهم الى هذه الاتفاقية.
أنت شخصيا ألا ترى أي سلبيات على مصر من اتفاقية «الكويز»؟
- كل شيء في الدنيا له سلبياته وايجابياته، وأنا لا أعرف بنود الاتفاقية او ارقامها وهناك ناس مؤهلة للحديث اقتصاديا في هذا الامر ولكني أرى انها فرصة ويجب ان ننتهزها, والتعاون بين مصر واسرائيل اقتصاديا كان موجودا في مجالات عديدة طوال الوقت في الخفاء او تحت الاضواء الخافتة، وهذه هي المرة الاولى التي يعلن فيها عن اتفاقية تضم مصر واسرائيل واميركا، وهي مقدمة لتعاون آخر وجديد في مجالات عديدة، واعتقد ان مثل هذه الاتفاقية (الكويز) هي تفعيل لاتفاق السلام المصري - الاسرائيلي لمصلحة مصر واسرائيل أولا، ولمصلحة الفلسطينيين ثانيا لأن كل ما هو في مصلحة مصر سيكون في مصلحة الفلسطينيين ايضا.
لكن هناك رأي عام في مصر يرفض هذه الاتفاقية؟
- مرة ثانية سأقول ان هناك بعض الزملاء الذين يكتبون على انهم الرأي العام.
ولكنهم ليسوا الرأي العام لأن الرأي العام موجود في الشارع، وهو الذي يمكن ان نسأله في مسألة الحب او الكراهية لاسرائيل، والاقتصاد ليس له علاقة بكل هذه الاشياء وعلينا ان نبحث عن مصلحتنا أولا.
لماذا قررت السفر الى اسرائيل أخيرا، هل كان ذلك نوعا من التفاؤل في مستقبل العلاقات المصرية - الاسرائيلية وخصوصا بعد الافراج عن الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام، وتوقيع اتفاقية «الكويز»؟
- أولا لماذا لا أتفاءل؟ فكل هذه كانت خطوات جيدة وصحيحة في طريق السلام، وثانيا، نعم، ذهبت الى اسرائيل عندما رأيت اتجاها ثانيا للسلام، بعد ان مات السلام تماما، وانكمش كل السلاميين في مصر واسرائيل.
من هم السلاميون في اسرائيل وفي مصر؟
- في اسرائيل هناك كتاب وأدباء واكاديميون سلاميون وأنا اقابلهم عندما اسافر الى هناك، كما اقابل اعضاء عديدين في حزب العمل ولكن اذا اراد الجناح اليميني او حتى الحزب الحاكم الاسرائيلي الحديث معي لا ارفض ذلك، كما ان في مصر سلاميون كثر ولهم صوتهم واقوياء ودعاة السلام في مصر اكثر من خصومه، وهم كتاب جادون، يكتبون في اتجاه الواقعية السياسية بالرغم من انهم غير مشهورين بأنهم سلاميون.
ولكن صوت المعارضين للعلاقات مع اسرائيل وفقا للواقعية السياسية التي تطرحها أعلى وهم السائدون على الساحة في مصر؟
- لأن خصوم السلام الذين هم ثوريون متطرفون صوتهم عال جدا، ودائما يتحدثون بكلام عاطفي وشعارات عاطفية، وعلينا الا نلتفت الى هؤلاء كثيرا، لأن نقادنا سيبقون الى الابد, وسوف يستمرون في اتهام الورد بأنه أحمر الخدين.
وهؤلاء لا يملكون الا ثقافة الكلام، وهذه الثقافة هي شعارات تطلق ضد «الامبريالية الاميركية، واسرائيل العدو الرئيسي» وغيرها من الشعارات التي ظل الاعلام المصري مشغلا بها فترة طويلة من الزمن، وأرى ان المسؤول عن هذا الاعلام هم المتطرفون السياسيون والمتطرفون الدينيون وهم يشغلون انفسهم بخلق ما يسمى بـ «الحرب العقلية».
ماذا تقصد بـ «الحرب العقلية»؟
- هي اعلام الحرب، وهي مطلوبة دائما قبل أي معارك حربية، وتستخدمها الدولة في اشاعة افكار وقصص لاستنفار الناس ضد العدو والفتك به، والمدهش ان هذا النوع من الاعلام موجود في مصر الآن، ولا اعرف من المسؤول عنه، وأكثر ما أخشاه ان كل هذا الشحن والتعبئة للناس ينفجر فينا نحن كمجتمع، فهناك ناس تريد جنازة وتشبع فيها لطما، وتستاء عند اختفاء الجنازات، ولكن الواضح ان الاعلام المصري بدأ يتخلى عن اثارة هذه الحرب العقلية.
إذن لماذا بدأوها ولماذا تخلوا عنها؟
- اعتقد أنهم بدأوا كجزء من سياسية خاطئة تقول انه بالضغط على اسرائيل سوف تعطي حقوقا اكثر للفلسطينيين، ولكن ما حدث العكس تماما، حيث ساهمت هذه السياسة في نمو التطرف في كل من اسرائيل وفلسطين وسادت حالة الكراهية بين الطرفين، وقد تم التخلي عنها، لأنه توجد الآن اجيال جديدة بدأت تتفهم الامور بعقلانية واصبحت تبحث عن المصلحة العامة لشعبها، وعلينا الاعتراف بأن السلام أمر قدري في النهاية بين الشعوب وخصوصا الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي.
بعد سنوات من آخر زيارة لك لاسرائيل، ماذا وجدت هناك في زيارتك الاخيرة؟
- لم أجد شيئا مختلفا، فمازال هناك أناس مثلنا يريدون العيش في سلام.
هل مازالوا يعيشون فكرة «شعب الله المختار» ويتحدثون عن «المحرقة أو الهولوكست» ويخططون للسيطرة على الاراضي العربية من النيل الى الفرات؟
- أولا فكرة شعب الله المختار لا يعيشها اليهود فقط، لأن هناك شعوبا كثيرة من بينها شعوب عربية تعيش مثل هذه الفكرة فهذه المنطقة منطقة أديان وكل شعب يرى انه افضل شعوب الارض، أما مسألة المحرقة او الهولوكوست فهي مازالت تؤرق الاسرائيليين وعلينا ان نكف عن تذكيرهم بما تعرضوا له من قبل، لأننا بذلك نعيد اليهم عقدة الاضطهاد، واستطيع ان أؤكد ان فكرة السيطرة من النيل الى الفرات هي مسألة غير صحيحة اطلاقا، إلا اذا اردنا نحن ان نكون ضعفاء وندعو الآخرين للسيطرة علينا، ووقتها لن تسيطر اسرائيل من النيل الى الفرات فقط، وانما من جنوب افريقيا الى ما بعد الفرات.
كيف تنظر الى طبيعة الصراع العربي - الاسرائيلي؟
- هو صراع مصالح، ويدخل فيه بُعد «تديين القضية» بمعنى ان الطرفين يحاربان بعضهما على أساس ديني,,, ولابد من العودة الى الابعاد الحقيقية للقضية ومن اهمها قضية الحدود.
وماذا عن المساندة الاميركية المطلقة لاسرائيل لدرجة اصدارها قرارا في الكونغرس لمراقبة معاداة السامية؟
- ما الذي يضايقنا نحن العرب في مثل هذا القانون؟ اننا ساميون ايضا، وفي انكلترا تم فصل صحافي بريطاني من عمله بسبب مقال سب العرب فيه، وهذا القانون لا يخص شعب اسرائيل وحده.
هل انت مع الرأي القائل بأن اليهود يسيطرون على أميركا؟
- هذا الامر غير صحيح اطلاقا لأن أميركا تحكم نفسها وتحقق مصالحها واعطاء اليهود كل هذه القدرات أمر خاطئ تماما، والملاحظ في هذا الامر أننا نقول بالفكرة ونقيضها، في الوقت نفسه فتارة يقول البعض ان اسرائيل تتحكم في اميركا وتسيطر عليها، وتارة يقول هؤلاء البعض بأنفسهم ان اميركا تسيطر على اسرائيل!
كيف تنظر الى الخطاب الديني في العالم العربي في الوقت الراهن؟
- خطاب فيه حالة من التطرف من قبل الجماعات الدينية والثورية المتطرفة، وهؤلاء عندهم ولع بالأخطاء حيث يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر، وهم أذكياء جدا في هذا الامر، وسنلاحظ انهم مثلا يصورون الشخص قبل ان يقوم بعمل تفجيري وهو يحمل سلاحا فيتحول هذا الشخص إلى زعيم، وانه سيموت ويكون «عريس السماء» كما انهم يذبحون الناس امام الكاميرات وكأنه عمل فني، هدفه امتاع المتفرجين، ولذلك أنادي دائما بأن تلتزم الفضائيات العربية بعدم عرض مثل هذه المشاهد البشعة.
هل أرسلت رسالة إلى الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش تعتذر فيها عن أحداث 11 سبتمبر؟
- أرسل اعتذارا لبوش؟ بوصفي من؟، كل ما حدث انني كتبت مقالا في «التايم» الأميركية قدمت فيه رسالة اعتذار إلى كل أميركي عما حدث في 11 سبتمبر.
وأعلنت تأييدك للحرب الأميركية على أفغانستان؟
- نعم هذا صحيح، لانه من المستحيل ان تسكت أميركا عما حدث لها، وانا ضد حركة «طالبان» وليس أفغانستان».
وماذا عن الحرب ضد العراق؟
- اميركا أخطأت بشكل كبير في غزوها للعراق، وهي عملية غزو مثل غزوات الدول الاستعمارية في القرن السابع عشر.
ولكنك قبل ذلك وصفت الحرب على العراق بأنها استئصال جراحي بسيط لا يتسبب في سقوط ضحايا، وقلت إن «نظام السباكة العالمي مخول باحتلال الشقة التي يتسرب منها الماء»؟
- نعم قلت ذلك، ولان العالم اصبح مبنى واحداً وليس قرية واحدة فإن أي دولة خاصة لو كانت كبيرة ستتدخل في شؤون الدول الاخرى لحماية مصالحها، ولكني أنا الآن تراجعت عن شرعية الحرب الأميركية ضد العراق، لان الأميركان حاولوا اقناعنا بأن هناك أسلحة دمار شامل، وهو ما لم يوجد له أثر حتى الآن.
وصفت صدام بأنه شخص سيكوباتي فماذا عن شارون؟
- شارون ليس سيكوباتيا لانه منتخب من شعبه أما هذا المرض فهو يصيب فقط الزعماء الثوريين من عينة صدام وهم يعانون من مرض نفسي شديد هو مرض العظمة، أما شارون فهو منتخب من شعبه ويلتزم امامهم وامام مؤسسات الدولة بانجاز برنامجه الذي ترشح على أساسه، وبالرغم من ان سياساته تجاه الفلسطينيين مستفزة، إلا أنه علينا ان نحسب له اشياء عدة، فهو يقود معركة كبيرة ضد المستوطنات وهي معركة ليست هينة، كما انه يخطط للانسحاب من غزة وبعض أراضي الضفة، وكل هذا من أجل تقريب عملية السلام.
كيف تنظر إلى المقاومة الفلسطينية؟
- بداية علينا الاعتراف بأن أي مجتمع طبيعي لا توجد فيه حركة أو حزب أو فصيل ما يحمل السلاح، لان حمل السلاح هو من اختصاص اجهزة محددة في الدولة مصرح لها بذلك، كما ان التفاوض والوصول إلى السلام هو من مهمات الدولة وأجهزتها المسؤولة والشعب وحده هو الذي له الحق في الحكم على أداء الدولة في هذا المجال، أما ما يقال عن المقاومة يخلق فصائل تحمل السلام داخل المجتمع، فهذه ليس مقاومة، ولذلك فإن العطف الدولي الكبير الذي كان يحصل عليه الفلسطينيون قبل الانتفاضة اصبح يتلاشى نتيجة من استمرار حالة من الفوضى في حمل السلاح وادعاء المقاومة، وهذا الامر مخيف جدا.
لماذا؟
- لأنه لو استمرت المعطيات بهذا الشكل الحالي، فمن الممكن أن تتحول القضية الفلسطينية برمتها إلى مشكلة اسرائيلية داخلية.
وكيف تنظر إلى المقاومة العراقية؟
- أولا علينا أن نفرق بين المقاومة في فلسطين والمقاومة في العراق، ففي فلسطين هي قضية تحرر وطني والتي تقود هذا التحرر هي الجماعة الاكثر شعبية وهو ما ستكشفه الانتخابات، أما في العراق فهناك جماعات كثيرة تعمل ولا احد يعرف من اين جاءت او ما هي أهدافها وافكارها السياسية، وأذكر انه لا يمكن اخراج الأميركيين من العراق، عن طريق ذبح العراقيين، والأميركين عندهم استعداد لخوض حروب ومعارك في العراق لعشرات السنوات المقبلة، لانه إذا كان دخولهم العراق خطأ فإن خروجهم منه مهزومين يتعارض مع كبريائهم وهم لن يفعلوا ذلك.
بسبب ما تطرحه من أفكار وآراء مثل هذه اتهمك البعض باتهامات عديدة على رأسها الخيانة العظمى، ألم تجعلك هذه الاتهامات تفكر في التقليل من حدة ما تطرحه من آراء؟
- لا أبدا، فأنا صاحب موقف وأعلنه، وشرف الكاتب في أن يعلن ما يفكر فيه، وانا على استعداد للاستماع والمناقشة حول ما أطرحه من آراء وأفكار، لكن ماذا أفعل لمن يتهمني بالخيانة؟ لقد جعل من نفسه حكما ومحاميا، وأقفل القضية على هذا الاتهام، ايضا يتهمني البعض بأني عميل للموساد، وأصبحت مشكلة هؤلاء ليس السلام، ولكن «علي سالم».
البعض يتهمك بأنك متفرغ للدفاع عن المواقف الاسرائيلية في الفضائيات؟
- وما الذي يغضبهم في ذلك، انني اعبر عن الرأي العام في طرح هذه الأفكار وهي افكار تمثل خطرا عليهم، لانني انادي بمعركة سلام، واطلب ان يناقشني الآخرون في ذلك، ولا يوجد كاتب من دون متاعب.
بالرغم من حصولك على حكم قضائي بالعودة إلى اتحاد الكتاب بعد فصلك منه إلا انك تقدمت بالاستقالة منه لماذا؟
- لقد تم فصلي من اتحاد الكتاب من دون التحقيق معي، ولهذا رفعت قضية ضدهم وحصلت على حكم بالعودة، وفوجئت بعد ذلك باستدعائي للتحقيق في الاتحاد وقالوا انهم طالبوني بذلك اربع مرات من قبل، وهذا بالطبع لم يحدث، «يعني كذابين»، وبالتالي اقتنعت بأن هؤلاء غير جادين في أي شيء وقدمت استقالتي وعموما أستطيع ان اقول ان بعض الاسماء في اتحاد الكتاب يجب ان يشكروني لان الناس لم تكن ستعرف اسماءهم لولا شتائمهم لي في الصحف.
قلت من قبل ان الحرية سلعة يسهل انتاجها، فهل توجد في مصر هذه السلعة؟
- طبعا، هي موجودة ولكن لها سقف محدد، ودورنا نحن ان نزيد هذا السقف ملليميتراً يوميا، واذا لم تكن الحرية موجودة في مصر فأين هي في أي دولة اخرى في المنطقة؟
كيف تنظر إلى المستقبل؟
- هناك من سيتشددون من اجل الدفاع عن الديكتاتورية وأنا أربط ذلك بالعجز عن الفعل، فهناك مثقفون يرفضون الخروج عن الماضي، ونحن في مرحلة تحول تاريخي والمستقبل يتحدد بما نفعله الآن ونزرعه.