رام الله: صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» كتاب «ما أروع هذه الحرب»، نصوص ورموز عسكرية ظاهرة ومبطنة في الأدب الإسرائيلي، تأليف د. دان ياهف، ترجمة وتقديم الكاتب سلمان ناطور، ويقع في 144 صفحة.
يتناول الكتاب كيفية بلورة الروح العسكرية عبر تتبع الآلة التربوية، التي استعملتها المؤسسة الإسرائيلية لتنشئة أجيال من الإسرائيليين العنيفين إلى حدٍّ كبير، لقد عمدت هذه «الآلة» وفق هذا الكتاب، على ترويج النصوص التي تُلهب المشاعر القومية الشوفينية من جهة، ومن جهة أخرى تنزع عن الآخر العربي إنسانيته تمهيداً لتبرير إلغائه.
يتناول الكاتب «دان ياهف» (باحث في التاريخ والجغرافيا) مئات النصوص الأدبية، للتأكيد على ان الأدب العبري متخم بالمفاهيم التعبوية المشحونة، وقد اقتصر على مجالي أدب الأطفال والكبار، دون تناول الثقافة الإسرائيلية بشكل عام، وأيضاً ليس الكتب الصادرة عن الجيش ونشرات تخليد القتلى ويوميات المعارك، كذلك لم يجر تحليل كتب نظرية بحتة.
كتب مترجم ومقدم الكتاب:
لقد عملت آلة محكمة ومتطورة على صياغة وعي هذه الأجيال، في المدارس والمؤسسات التربوية ووسائل الإعلام وفي الأدب والفن، إنها آلة التربية على العسكرة، وهي آلة ترويج النصوص التي تلهب المشاعر القومية الشوفينية من جهة، ومن جهة أخرى تنزع كل صفة عن «العدو» أي عن العربي، فالعربي في هذه النصوص هو «مخلوق حقير ولا يستحق الحياة»، واليهودي الإسرائيلي في القرن العشرين «يقوم بمهمة تاريخية، إنه يعيد كيان الدولة اليهودية القوية بعد ألفي عام، اليهودي الإسرائيلي يسجل صفحات بطولية في هذه الحقبة من التاريخ وعمله البطولي هو أقرب إلى المعجزة»، على هذه العقلية ينشأ الإسرائيليون، ولهذا السبب فإن تشريد شعب بأسره من وطنه وتحويله إلى لاجئين والسيطرة التامة على وطنه وبيته وأرضه، كل هذا يصبح مقبولاً وعادياً وفقاً لهذا الوعي ويستطيع معظم الإسرائيليين التعايش معه، لأنه في نظرهم مبرر: دينياً، بوعد إلهي، وسياسياً بدعم عالمي، وأخلاقياً بمنطق البقاء للأقوى، ولا أحقيّة للعربي على هذا المكان أو في هذه الحياة.
إن من يعود إلى أدبيات الحركة الصهيونية منذ بدايات القرن العشرين سيقرأ النصوص الأدبية، التي وصفت هذه البلاد، ففي مطلع القرن وبداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين بدأت عملية نشر نصوص تُصَّور فلسطين، بلغات هؤلاء المهاجرين وباللغة العبرية عند من تعلمها، وتصفها بأنها صحراء قاحلة في الجنوب وفي الشمال تكثر فيها المستنقعات وأن سكانها من البدو الرُحل البدائيين والقذرين، والذين يكرهون اليهود، ونشرت القصص والقصائد التي تمجد الإسرائيلي الذي جاء إلى فلسطين ليحيي القفار، وأحضر معه الحضارة الغربية المتطورة والثقافة العصرية، وبدأت هذه الأدبيات تصنع الأساطير الثقافية، مثل شخصية أهرون ديفيد غوردون، الفلاح اليهودي العصري والمثقف، والذي يعرف كيف يعطي الأرض، خلافاً للبدوي الذي يهملها ولا يحترمها كمصدر للعيش، وفي عام 1925 كتب المندوب السامي هربرت صموئيل تقريراً إلى حكومته يصف هذه العملية التي كانت تجري علىأرض فلسطين بقوله: "إن المستوطنين (اليهود) في كل أنحاء البلاد يعملون في الأرض بتلهف وإيمان، ويحولون المستنقعات والقفار إلى حدائق غنّاء. بلاد متخلفة تتحول إلى دولة متطورة».
مع اشتداد الصراع على الأرض ووقوع المواجهات الدموية بين العرب واليهود تمحورت الكتابة حول شخصية العربي الذي وصف بأنه: متخلف وخائن ومجرم يطعن من الخلف ومنافق وحرامي. هذه الصفات وغيرها كثير من قاموس التجريد من إنسانية العربي، ما زالت حتى اليوم تذكر في الأدبيات الإسرائيلية ويقتبسها السياسيون والعسكريون ويضيفون عليها أوصافاً لمخلوقات حيوانية حيّة: صراصير في قنينة (الجنرال رفائيل إيتان) سرطان في قلب الدولة (الجنرال يانوش بن غال) حيوانات تسير على قدمين (اسحق شامير) أفاعٍ رقطاء (الحاخام عوفاديا يوسف) وغيرهم كثيرون.
على هذه الأوصاف ينشأ الإسرائيليون، والكاتب دان ياهف يتناول مئات النصوص الأدبية للتأكيد على أن الأدب العبري المعاصر، متخم بالمفردات والجمل التي تنمي روح العسكرة العنيفة في وعي الإسرائيليين.