يدور بين فرق lt;lt;أهل اليسارgt;gt; سجال هو اقرب الى lt;lt;المناجاةgt;gt;، لذلك تظل حصيلته، lt;lt;ضجيجا للاشيءgt;gt;. واذ يدرج تبادل المواقف في اطار lt;lt;نقاش في الخيار الثالثgt;gt;، او في سياق lt;lt;السائد والمرتجى في معركة التغيير والانقاذ الوطنيgt;gt; فإن تفصيل البديهيات وشرح المصطلحات المستجدة، يظلان مطلبين حيويين لا يمكن بلوغ الفهم والوضوح من دون الخوض في احكامهما. لعل الشرح، ان استفاض، لا يظل lt;lt;جعجعة من غير طحنgt;gt; ولعل الحصائل اذا استقرت، تصير قاعدة استناد يمكن البناء عليها والتقدم الى ما هو اوسع مدى منها واعمق مضمونا. وربما من الانصاف القول (انصاف السجال) ان مبعث الحرارة الكلامية، دورانها فوق ارضية واحدة او ضمن بيئة فكرية من منبت واحد، يحاول المنتمون الى كل منها، تسويغ الانتقال الذي حصل لدى جزء منهم، وتبرير الاستمرار في الوضعية لدى جزء آخر، لا يأمن عواقب النقلات الفجائية، فيتمسك بمراقبته، وبآلية التجاوز الخاصة به، لما هو سائد في الحياة السياسية اللبنانية.
فحص السجال، يعني الجس الفكري والسياسي لمواضيعه، وحصد المواضيع يتيح لكل مهتم فرصة التركيز المطلوبة والممهدة لاتخاذ الموقف، ومقياس الصواب او الخطأ يصير ذا مرجعية مبوبة ومشروحة، ودليل الممارسة يصير الجزء الواقعي الملموس والمحسوس من الكل النظري المتخيل المجرد والمأمول. وعليه، ما المواضيع الأصلية التي يدور حولها lt;lt;تبادل الآراءgt;gt; في ظل الاحتقان السياسي اللبناني الحالي؟ في التحديد لا بد من الاختيار، ولا مفر من المفاضلة، حسب ما يرتئي كل متابع من أولويات.
1 على صعيد النظام اللبناني، موضوع الاعتراض، وحقل رماية lt;lt;المعارضةgt;gt;. من البديهي ان ينطلق كل تأسيس اعتراضي، من وصف وتحليل النظام المعترض عليه، لأن البديل لا يكون بديلا فعليا الا إذا تجاوز lt;lt;نقيضهgt;gt; وقام على الضدّ منه. هذا لا يعني، ولا يوحي مباشرة بأسلوب العمل التغييري، او بوسائله المتنوعةgt;gt; بل يحدد الاساس الموضوعي لكل بداية معارضة. في مقاربة اولى، يمكن القول ان وصف نظام ما بعد الطائف، بنظام المحاصصة الطائفية، والاستقواء بالخارج، وانتهاك الحقوق الاساسية للمواطنين والتفريط بالديموقراطية... الخ، ليس وصفا جديدا. بل يمكن القول اكثر ان هذه هي حال النظام اللبناني في امسه الاستقلالي وفي حاضره الطائفي (نسبة الى الطائف). المتبدل في النظام مواقع الطوائف فيه واوزانها وثقل مصالحها... والمتبدل هوية الخارج الذي يستند اليه، والمتبدل الاهتراء المتزايد lt;lt;للهمة الكيانيةgt;gt; الذي يجد اساسه في الصيغة الطائفية اياها التي شكّلت lt;lt;علّة وجود الكيان اللبنانيgt;gt; وما زالت تشكل القيد النظري والعملي على احتمالات تطوره، بل على امكانية انفكاكه من اسرها كمنطلق سياسي واجتماعي ذي افق مفتوح. إذاً، هل تضع المعارضة لذاتها، او لبرامجها افقا يهدف الى lt;lt;تغيير بنية النظام، ام تكتفي بتبديل التوازنات بين طوائفهgt;gt; المتناحرة؟ على ما جاء في مقالة سعد الله مزرعاني المنوّه عنها! كلام ثان: ألا يفترض ان تكون السلة البديلة هدفا من اهداف المعارضة، لتنفذ برنامجها البديل؟ فإذا غاب السعي الى السلطة عن وعي البدائل، فما المتبقي غير اعلان النوايا؟ وما الذي يميز احزابا، تنطق باسم خيارات اجتماعية وتقود تيارات سياسية، عن جمعيات خيرية، تكتفي من lt;lt;الغنيمةgt;gt; اليسارية بطلب lt;lt;حسن الختامgt;gt;؟!
2 على صعيد تشكل المعارضة اليسارية موضوع اختلاف أهلها وتباين اجتهاداتهم. من الطبيعي والمسلّم به، ان lt;lt;اليساريةgt;gt;، ليست وكالة حصرية لأحد، وشهادة الانتماء اليها مصدرها اعلان صاحبها قبوله لها كصفة له وكدليل مرشد في ممارسته. لكن من البديهي ايضا ان lt;lt;اليساريةgt;gt; تصدر عن موقع اجتماعي، عندما يؤول الحديث الى تشكيلات جبهوية والى تحالفات، ولا تقتصر على مجرد اعلان شخصي. نقاش التحالفات هو نقاش المواقع، وتقرير الاوزان السياسية للاطراف هو اعتراف بمستوى التمثيل الاجتماعي الذي تحوزه وتنطق باسم مصالحه. خارج الوزن التمثيلي لا معنى للحديث عن تحالفات. بل يمكن الكلام عن لقاء افراد، في اطر هيئات مختلفة. ذلك لا ينتقص من الرأي الفردي، او من رأي أطر lt;lt;الرأي العامgt;gt; لكن ذلك يقرر حجم النفوذ ومدى التأثير في العملية السياسية التي تتحدد نتائجها في اطار الصراع ضمن الكتل الاجتماعية المختلفة. وفي هذا المضمار، الموالاة للنظام مثل الاعتراض عليه، لا يعدوان كونهما عملية صراعية ضمن lt;lt;الصف المتجانس الواحدgt;gt; او في مواجهة الآخر المختلف. عليه كيف يقرر بعض اليسار وزنه الاجتماعي حتى يتسنى له الجهر بأنه يقف مع الآخرين من ممثلي الكتل الطائفية المختلفة على سوية سياسية واحدة؟ نطرح جانبا lt;lt;الانتقال من ضفة سياسية الى اخرىgt;gt; على ما قال الياس عطا الله في مقالته المشار اليها، فكل اتهام مسبق، يُسقط موضوعية الحوار سلفا، لكننا نتوقف مليا (وندعو غيرنا الى التوقف) عند صواب الاعتقاد بالقدرة على التأثير في lt;lt;التشكيلة الاعتراضية الراهنةgt;gt;!!
3 على صعيد ائتلاف بقية المعارضة، موضوع اختلاف تصنيف اليساريين لها، وتنوع مقاربات المسالك حيالها. ليس افتعالا غير واقعي القول ان lt;lt;الائتلافgt;gt; يشكل مستودعا lt;lt;لقوس قزحgt;gt; النظام اللبناني الطائفي. هذا ليس انتقاصا من قيمة lt;lt;الائتلافgt;gt; ولا حطاً من شأنه بل تقرير لواقعه من دون اضفاء صفات عليه، ليست من ديناميات اشتغاله وليست من صلب تكوينه البنيوي. يجري الحراك الحالي في السياسة اللبنانية على اساس طوائفي، زاد في احتقانه كل المسار الذي سلكته التوازنات اللبنانية منذ ما يزيد عن عقد من الزمن وحتى اليوم. داخل هذا الحراك لا تتشابه الاوزان الطائفية ولا تتطابق المنطلقات، كذلك لا تتوحد الغايات. لذلك يصير كل lt;lt;يساريgt;gt; او ديموقراطي lt;lt;تغييريgt;gt; معنيا بقراءة اللوحة الطائفية الحالية ومطالبا باستنطاقها ايضا، إذ في ضوء القراءة والاستنطاق يمكن تقدير حجم lt;lt;التبدل الايجابي لدى الطبقة السياسية في غالبيتهاgt;gt; كما يمكن ملاحظة حجم الثبات الجوهري حول منطق تشكلها اللبناني الأصيل! كعلامات على طريق المعاينة يُسأل lt;lt;الائتلافgt;gt; عن حقيقة قدرته على الاصلاح؟
4 على صعيد الموقف من المقاومة. ليس صحيحا القول ان اللبنانيين اجمعوا على الخيار بل ان الواقع ينبئ ان طائفة لبنانية بعينها آلت اليها مواريث المقاومة، فاتخذت المسألة الوطنية سبيلا الى حضورها المدوي في المعادلة السياسية الداخلية، فيما فُرض القبول الى حد ما فرضا على بقية الوان الطيف اللبناني. يمكن القول ان كتلا اهلية لبنانية lt;lt;واكبتgt;gt; الصراع من أجل التحرير، وكان في ذلك دليل حكمة سياسية، لكنها لم تعتنق lt;lt;خيار المقاومةgt;gt; كقناعة راسخة. ليس في الامر ما يدعو الى الاستغراب لبنانيا، لأن كل زخم سياسي، يحسبه كل lt;lt;لاعب طائفيgt;gt; حسب تأثيراته المباشرة والبعيدة في التوازنات الداخلية. لقد ظل المضمر، وصار معلنا جزئيا، ان استمرار المقاومة على خلفية استكمال تحرير مزارع شبعا، هو وجه lt;lt;غير مرئيgt;gt; من وجوه النفوذ السوري في لبنان، وتمييز لطائفة مسلحة، على نظيراتها من الطوائف التي باتت منزوعة السلاح.
5 العلاقة مع سوريا في المدى المباشر. يجب ان يكون اليساريون في موقع عدم الموافقة على وضع اليد السورية على لبنان، سواء تم ذلك بدواعي قراءات lt;lt;عروبيةgt;gt;، او بنظارات العلاقات التاريخية الخاصة بين البلدين. وللتذكير كان lt;lt;اليسارgt;gt; سباقا في هذا المضمار، عندما كان غير اللبناني في مطرح الترحيب بالتدخل، الذي رأى فيه وسيلة لاستعادة هيمنة مفقودة. وفي المدى الأبعد، لا يستطيع lt;lt;اليساريونgt;gt; اغماض الفكر عن ضرورة رؤية مستقبل علاقة لبنان بسوريا، ضمن ثوابت المصلحة الوطنية اللبنانية، الملتقية موضوعيا مع مصلحة كل بلد عربي آخر. في lt;lt;تأسيس تناولgt;gt; هذه المسائل، يطرح على بساط البحث مسائل منها: أولا: هل تخوض سوريا الآن معركة فعلية حول موقعها ودورها وعناصر تماسكها وقوتها أم لا؟ إذا كان الجواب بالايجاب، فأين تكمن المصلحة اللبنانية؟ هل في تحجيم الموقع السوري وضربه؟ أم ان الأمر على العكس من ذلك؟ نفترض ان الجواب lt;lt;اليساريgt;gt; المسؤول يقترع في صالح التماسك السوري ومناعته، لأن اضرار اصابته تطال بسهامها مناعة البلدان العربية الأخرى.
ثانيا، تفترض العروبة اللبنانية، حصانة في وجه أزمان السلم والحرب وتداعياتها، ومن عناصر هذه الحصانة فتح رئات التنفس اللبناني على المدى العربي. على هذا الصعيد، كل اقفال عربي، بقرار لبناني او غير لبناني، هو فتح موضوعي على أمداء أخرى. فيها الاسرائيلي القريب وفيها الاميركي البعيد. تجدر الاشارة الى ان استمرار انتماء لبنان الى دائرة الصراع العربي الاسرائيلي، لا ينتهي موسمه بانتهاء الشكل المسلّح من الصراع، فمقاومة التطبيع مثلا المختار او المفروض، ستظل مهمة شعبية ومسؤولية رسمية إلا إذا كان البعض يضمر خلاصا نهائيا من موجبات الصراع، عند اول مفترق اتفاق عربي اسرائيلي. ثالثا، ان محك الديموقراطية اللبنانية عموما واليسارية خصوصا، هو في قدرتها على التخاطب ديموقراطيا مع lt;lt;الشارع العربيgt;gt; لتصير مسائلها بندا على جدول أعماله، وكي يشكل عنصر استقواء داخلي لها، في قلب كل بلد عربي، يضيف الى الطرح اللبناني ويتقاطع معه. رابعا، ليس من الحكمة السياسية في شيء الذهاب في طرح مسألة العلاقة مع سوريا الى ما يشبه طلب كسر سوريا في لبنان، على صعيد عملي لا تشي به الأطروحات النظرية، فالكسر يكاد يكون lt;lt;مستحيلاgt;gt; لأسباب لبنانية اولا. لا ننسب الى فئة لبنانية الآن الرغبة في اخراج النفوذ السوري على حاملة التدخل الخارجي، هذا لأننا نفترض ان اللبنانيين اعتبروا من محاولات عدة اعتقدوا خلالها بتوظيف lt;lt;الآخرgt;gt; الخارجي في خدمة مصالحهم الداخلية، فارتد عليهم lt;lt;الآخرgt;gt; هذا الى عناصر خطته الاصلية من التدخل!! هذا لأن لا خدمات سياسية تقدم بالمجان. أين يقف lt;lt;الاعتراضgt;gt; بكل تلاوينه من مسألة التمييز بين الكيان السوري ونظامه؟ وكيف يرى الآخرون الى ديمومة العلاقة التي تستند الى عمر الأوطان وليس الى عمر الأنظمة؟
6 على صعيد المصطلحات lt;lt;الجديدةgt;gt;، يستسهل اليساريون اليوم تداول مصطلحات باتت رائجة lt;lt;قليلاgt;gt;، من دون ان يكلفوا أنفسهم عناء شرحها، ومن دون ان يعلنوا التبدل الذي طرأ على فهمهم لها. ماذا يعني اليوم ان يطرح في سوق النقاش مصطلح lt;lt;الشرعية الدوليةgt;gt; كمرادف لنجدة عالمية لهذا lt;lt;المستضعف الوطنيgt;gt; او ذاك؟ وهل lt;lt;الشرعيةgt;gt; تلك غير محصلة توازن النفوذ العالمي في لحظة من اللحظات؟ وغير تأشير على غلبة وجهة سياسية، لقطب دولي او أكثر على مجمل المسلك الدولي؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن استظلال lt;lt;مظلة الشرعية الدوليةgt;gt; لا يستقيم إلا على خلفية تقاطع المصالح الوطنية مع الوجهة العامة لمصالح هذه الشرعية. وسؤال المتمسكين بيساريتهم يظل: lt;lt;ما واقع lt;lt;الشرعيةgt;gt; اليوم؟ وكيف يفرز بين مضمونها الفعلي وبين ادعاءاتها؟ بشكل مباشر، لا يمكن ان ننسب lt;lt;لتوازن الشرعيةgt;gt; اليوم تطلبا ديموقراطيا، او سعيا للحفاظ على سيادة، او مساعدة على صون استقلال... الخ. ولنا في العالم الفسيح شواهد!! يبقى ان نجهد في البحث لنتبين لماذا يجب ان تتقاطع المصالح الدولية lt;lt;الشرعيةgt;gt; معنا اليوم؟ وما هي الأثمان المطلوبة؟
ختاما، في موسم الموج الطوائفي الحالي، يمكن التذكر، ان استقلال العام 1943 انجزته الطوائف، وفق توازن معين، وقد نكون اليوم بصدد استقلال آخر، تنجزه الطوائف ذاتها، آخذة في الاعتبار ما طرأ من جديد على موازينها... هذا واقع. من الواقع ايضا، أين مكان اليسار حين تجلس الطوائف الى مائدة حوارها، مع كل عدتها اللازمة؟ وما الحيز الموضوعي الذي ما زال متاحا له؟ وكيف يعمل على استغلال هذا الحيز؟ وما الوزن الاجتماعي الذي سيحلّه فيه؟ هذا يحيلنا الى سؤال أصلي ما زال مرافقا للنشأة اللبنانية، ومفاده: انه إذا كانت lt;lt;الطائفية علّة نشوء الكيان اللبناني، فلماذا تظل قيدا ثقيلا على تطوره؟gt;gt;، وبالتالي ما السبل الى تجاوز هذا القيد بالتناسب مع المعطيات اللبنانية وما يحيط بها عربيا ودوليا؟ السؤال وطني عام، ويساري خاص، بل خاص جدا، هذا اذا كان التغيير الحقيقي والجوهري ما زال يشكل واسطة عقد كل برنامج يساري!!... واضح.
الوضوح صعب، تبعا لصعوبة الوقائع، لكن lt;lt;اليسارgt;gt; ملزم بدفع ضريبة وضوحه.