استطيع ان افهم (وان كنت لا اتفق) ان يكون الدافع وراء الهجمات المتصاعدة على العراقيين هذه الايام ومع اقتراب موعد الانتخاب، هو رؤية دول مجاورة للعراق تعتقد ان من مصلحتها الخاصة استمرار الفوضى فيه وعدم استقراره إلهاء للجميع (بما فيها الولايات المتحدة الامريكية) بميدان غير ميدانها. افهم (وان كنت لا اتفق) ان تشتكي الطائفة السنية العراقية من التهميش وتحاول ان تفرض اجندتها عن طريق التخريب. افهم (وان كنت لا اتفق) ان احزابا كالبعث تريد ان تعيد امتيازاتها التي انتزعت منها عن طريق اشاعة الفوضى، كل ذلك متوقع ومفهوم يفسر تلك الهجمات وطبيعتها ومن تستهدف، لكن ان يروج لتلك الهجمات على انها جهاد اسلامي وتجد لهذا الفهم من يصدقه ويدافع عنه من هذا المنطلق، ويصر بعد كل ما يراه ويسمعه ويشاهده كل يوم في نشرات الاخبار، من هجوم على مراكز الاقتراع وعلى مراكز الاحزاب وعلى مراكز الحرس الوطني والشرطة وعلى منظمات اغاثة، وعلى افراد ينتمون لشخصيات تدعو للانتخاب ويحصد كل يوم عشرات الارواح من العراقيين مقابل عدد لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة من الامريكيين، على انه جهاد له علاقة بالدين الاسلامي وينسب موت الشباب العراقي لله سبحانه وتعالى، فتدافع عن هذا الفهم جماعات السنة اخوان وسلف بكل حماس وصدق وعفوية وتشجعه وتدعو له بالنجاح، حقيقة لا افهم كيف ثار حماسنا الديني دفاعا وتقديسا لاسم مدينة ولم نسمع حرفا واحدا ولا حتى فاتحة تقرأ على ارواح الشباب العراقي الذين يموتون يوميا بالعشرات في الهجمات الانتحارية؟ تلك عقلية تحتاج لدراسة (ما اكثر ما ادعو لدراسة هذه العقلية المحيرة) لا عجب اذا ان باعوا علينا علب التونة بعد ان كتبوا عليها »ذُبح حلالا«! ولا عجب ان سرقوا أموال واحلام البسطاء والفقراء بتلك الشركات التي ما كانت تحتاج الا لرفع شعار اسلامي حتى وان كان صورة للحية!
ألا ترون؟ لا تلاحظون انه عدا العراقيين الذين يموتون يوميا في تلك الهجمات ان شبابنا العربي المسلم من سعوديين وكويتيين واردنيين وسوريين هم الذين يموتون معهم في تلك الهجمات؟ ومن يعود منهم سالما من الفلوجة يقف ذات الموقف من حكومته مثلما يحدث في الكويت الان (المهاجمون في حادثة ام الهيمان وحولي هم من الناجين من الفلوجة)، ومثلما حدث مع السعوديين الذين عادوا من تورابورا، الا يكفي هذا الدليل الساطع وحده دون غيره لنفتح عيوننا ونستبصر ان ما يجري في العراق تخطى عنوان »مقاومة احتلال«؟!
عندنا مراكز تجنيد في دولنا الخليجية والعربية تحول ابناءنا لقنابل موقوتة ان لم تجد ما تنفجر من اجله فجرت نفسها في العراق او في تورابورا فان نجت عادت وحاربت حكوماتها تحت نفس النهج الانتحاري، انهم نفس الفئة، نفس الجماعة يروج لفكرها في صحافتنا وفي منابرنا ويدافع عنهم الطيبون السذج من المتدينين، ألا يلفت نظركم كل الذي يجري امام اعيننا؟ شبابنا لا يقاوم الاحتلال انه يقاوم الحياة !
هذه هي الفلسفة التي تشاع اليوم في نفوسهم باسم التدين وباسم الطوع وباسم الالتزام، فلسفة تستحضر قصص التاريخ المقطوعة من سياقها، وتستفز مشاعر الكره والبغض للآخر ايضا باقتطاع جزء من الصورة الشمولية لعلاقتنا بالآخر، انه تاريخ مبتسر وفهم مبتسر وفلسفة مبتسرة ، فتخلق شبابا لا يرى من التاريخ غير حكايات لملائكة كانوا بالامس يمشون على الارض، وشياطين يسكنون اليوم الغرب، وعليهم ان يختاروا بين الفسطاطين كما قال شيخهم! انها كارثة احيقت بنا فالحقوا بعقول ابنائكم.
- آخر تحديث :
التعليقات