لا يختلف اثنان من المطلعين على أحوال ايران بأن البلاد تمر في ظروف في غاية الحساسية والأهمية. يمكن تلخيص أهمها على الشكل التالي: 1ـ الجمهورية الوليدة التي انبثقت في الحادي عشر من فبراير العام 1979 ورغم كل الانجازات الكبرى التي حققتها والامتحانات العسيرة التي تجاوزتها بامتياز لا تزال تحت أنظار المجهر الاختباري الداخلي كما الخارجي بامتياز أيضاً.

2ـ ثمة كم هائل من المطالبات والاحتياجات الشعبية المتراكمة تواجه الحكومة والنظام تقف في مقدمتها الاحتياجات المعيشية الاساسية للناس مطلوب البت فيها من جانب قيادة حكومية حاذقة وقوية تعرف معنى أولوية الاقتصاد وحاجات الناس الأساسية في عصر الحكومات الشعبية.

3ـ ثمة كم هائل من الخطط والبرامج الدولية المعدة في دوائر العواصم الكبرى لمنطقتنا الاسلامية تشكل بمثابة تحد استراتيجي فريد من نوعه يقف في مقدمته موضوع «الشرق الأوسط الكبير» الذي يعتبر الشكل الأبرز من اشكال المواجهة المفتوحة بين العولمة الأميركية «المتوحشة» ومشاريع الدول والشعوب والأمم الساعية نحو تحقيق الاستقلال السياسي الناجح وحماية الاقتصادات المحلية الناشئة، والتي تعيش طور اختبار النمو.

4ـ ثمة تحدي ثقافي ـ فكري فريد من نوعه ايضا يشكل بمثابة نوع من «حرب الهويات» المفتوحة حول شكل ائتلاف او صراع القوميات والمذاهب والأديان قررت الدوائر الاستراتيجية العليا الغربية وفي مقدمتها الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية ان تكون منطقة الشرق الاوسط مختبرها النموذجي الأوسع بعد تجربة العدوان على العراق، وايران كما يفترض هي المحطة الأكثر تعرضا للخطر في المرحلة المقبلة.

ولما كانت مقولة الاصلاح في صدر أولويات الحياة الفكرية والثقافية والسياسية الايرانية فان الفصل الدقيق بين متطلبات الاصلاح الداخلي القائم على الأسس الدينية والوطنية وبين «الاصلاح» المحمول جوا أو برا أو بحرا على طريقة دس السم في العسل سيصبح من أولى أولويات الحاكم الرشيد والحكومة المرتقبة.

ولما كانت ايران الجمهورية الاسلامية مقبلة على انتخابات مصيرية بعد تجربة اصلاحية غنية بالانجازات ومليئة بالعبر والدروس الحلوة والمرة، وان المطلوب بالحاح الابقاء على تعددية حيوية يكون فيها شعار الجميع «الوحدة في عالم متعدد» وان يظهر البيت الايراني بكل حيويته صاحب بستان يضم كل القوميات والمذاهب والملل والنحل كافة لكنه في الوقت نفسه «صف كأنهم بنيان مرصوص» في مواجهة كل تلك التحديات مجتمعة.

فإن الأمر يتطلب ربانا لهذه السفينة «التنفيذية» قادرا بذاته التعددية المنفتحة على الجميع لكنها «المتوائمة» مع «رب البيت» ان يتخذ القرارات الشجاعة المناسبة «سلما» أو «حربا» دون مضاعفات ارتجاجية على كاهل الناس والنخب الوطنية، فإن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه في مثل هذه الحالة هو: أين هي الحركة السياسية الايرانية من هذا الرجل؟

الذين يعرفون إيران جيدا يعرفون تماما بأن ايران ثرية بالرجال وانها ليست بلد «قحط الرجال» كما يقال وأن ثمة كثيرين ممن يستطيع كل واحد منهم ان يقوم بالكثير من المهام الصعبة ويتقن انجازها بامتياز وقد يكون هو الأصلح للقيام بواحدة او اثنتين من تلك المهام الآنفة الذكر.

ولكن لما كان المطلوب أن يجتمع العديد من الرجال في رجل واحد قادر على الأداء «الممتاز» لمهام متعددة قد تكون «متضادة» أو «متعاكسة» وفي الوقت نفسه له القدرة الفائقة على تحمل تبعات تلك المهمة «السهلة الممتنعة» دون كلل أو ملل أو انكفاء، فإنه ثمة من يؤكد على أن مثل هذه المهمة لن تستقيم الا على يد رجل واحد شاءت الأقدار أن يكون هو الشيخ الرئيس اكبر هاشمي رفسنجاني صاحب المنظومة الفكرية ـ السياسية المنسجمة لدولة الثورة سواء اتفقنا مع مقولاته أم اختلفنا، تماما كما شاءت الأقدار أن يكون هو نفسه الرجل الذي قال عنه مرشد الثورة يوما: «لن يكون أحد بالنسبة لي مثل رفسنجاني مما يشكل صمام امان فريدا من نوعه أيضاً يصعب أن تتوفر شروطه في زعيم آخر.

الذين يذهبون المذهب الآنف الذكر يشددون على ان ايران مقبلة على منعطفات خطيرة في سياستها الخارجية وقد تضطر في مثل تلك المنعطفات امام الاقدام على عقد «صفقات» من نوع ما او اتخاذ قرارات «مواجهة» من نوع ما لا يستطيع ان يتحمل اوزارها» او تبعاتها الا رجل مثل رفسنجاني سبق له ان تمرس هذا الدور في مراحل اختبارية سابقة اثبت فيها «شجاعة» المدير و«تقوى» الثائر في الوقت نفسه وهما الصفتان اللتان تبدو الحاجة الى من يجمعهما ببراعة في المرحلة المقبلة اكثر من ماسة.

تأسيساً على ما تقدم فان مشهد المعركة الانتخابية الرئاسية الايرانية يبدو اليوم محكوماً بقوة الى قرار الرئيس السابق بترشيح نفسه او عدمه، القرار الذي يقول العارفون عنه بأنه قد يكون مؤجلا الى الدقيقة 90 كما هي العادة في كرة القدم الايرانية التي لطالما فاجأت العالم بتحولها في تلك الدقيقة.

ولا يخفى على المراقبين اليوم كيف ان الرجل الغائب والحاضر الاكبر في معركة المنافسة التي بدأت مبكراً برموز عديدة متباينة الاتجاهات، استطاع حتى الآن ان يلقي بظلاله بقوة على برامج كافة المرشحين الى حد كبير حتى صار الخبر الابرز حتى هذه اللحظة هو: ماذا سيفعل هذا المرشح او ذاك اذا ما قرر رفسنجاني فعلاً الترشح؟

ناهيك عن ان كافة استطلاعات الرأي الحكومية والخاصة التي اجريت من قبل مؤسسات عديدة حتى الآن اثبتت بأن الرجل يحظى بالنسبة الاعلى من المؤيدين ثم يليه الآخرون بفارق كبير بترتيبات متفاوتة.

كل ما هنالك ثمة من يبدي قلقه على نسبة المشاركين بالانتخابات، وهو ما قد يبدو انه السبب وراء كثرة الاسماء التي قدمت نفسها من جانب التيارين الرئيسيين الاصلاحي والمحافظ، والتي يراد منها تسخين الساحة السياسية الايرانية عموماً وجذب العديد من الاوساط المسترخية او تلك التي قررت ان تذهب في «اجازة سياسية» بعد تجربة «الاصلاح» الراديكالي المحبط والاوضاع الاقليمية والعالمية المستقطبة.

من هنا يؤكد العارفون بأن عودة من كان «رئيس الظل» طوال عهد ولايتي الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي قد تكون هي «الصدمة» المطلوبة.