على غرار ما تعرضه وسائل الإعلام حول موضوع "حدث في مثل هذا اليوم"، نحاول في هذا المقال طرح بانوراما ورصد لما جرى ويجري من أحداث خلال أعياد العرب على مدى العقدين الماضيين، حتى نشعر بالعيد، ثم يكون علينا أن نقرر بعد ذلك هل نفرح في العيد، أم ماذا؟!
إنها أحداث لو واجهتها أي أمة أخرى عاقلة لأفاقت من غفلتها، ونفضت عن إرادتها تخلف عقود من السنين، وسعت بكل ما تملك من قوى لتحصيل ما يمكن، ولبذلت كل ما تستطيع لتجاوز محنتها، واستعادة كرامتها المهدورة.
جاء العيد وقد فقد العرب حكيم القرن العشرين، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان يحمل بين يديه بوصلة التوجه الصحيح نحو المستقبل، وفي عقله "رحمه الله" تكمن حكمة التعامل مع القضايا العربية، وإعطاء القدوة والمثل للقادة والزعماء في العالم بأسره عن كيفية تحمل مسؤولية الشعوب وبناء الأوطان. وقد استطاع -رحمه الله- أن يشارك بفاعلية واقتدار في الحد من خسائر العرب والمسلمين في جميع أزماتهم وكوارثهم ونكباتهم، إما بشكل مباشر، عن طريق الدعم المادي والمعنوي بسخاء ومن دون انتظار لطلب من أحد، أو بشكل غير مباشر من خلال حكمة التصرف ونفاذ البصيرة. لذلك شعر معظم العرب باليتم لفقد هذا الحكيم، الذي استطاع بجهوده ومن دون ضجة إعلامية أن يقيم اتحاداً عربياً ناجحاً، في الوقت الذي انهارت فيه كل التجارب الوحدوية العربية، إما نتيجة لصراع المصالح، أو عدم صلاح النوايا.

يأتي العيد وفي الحلق غصة صنعتها ذكرى أحداث مغامرة النظام العراقي المدمرة وتهوره، ليدفع العراقيون الثمن، عندما أقدم على غزو الكويت، فبات الثاني من أغسطس 1990 تاريخاً مفصلياً لحقبة سبقته، وعقود تلته، انكشفت فيها عورة الأمن العربي من محيطه إلى خليجه، وسقطت خلالها ورقة التوت التي كانت توهم بحماية هذا الأمن عربياً، وأضحت جميع اتفاقات الأمن العربي الجماعي والتآزر والوقوف صفاً واحداً أمام الشدائد حبراً على ورق. وبذلك أصبح الطريق ممهداً أمام الولايات المتحدة لاستغلال الموقف وتحقيق كل ما كانت تصبو إليه من اتفاقات ومعاهدات وحضور عسكري مباشر في قلب منطقة الخليج العربي، وتم الانفتاح الكامل على ترسانة التسليح الغربي.

وعلى مدى 12 عاماً من الأعياد العربية، دفع شعب العراق من أطفال وعجائز ومرضى ثمن مغامرة النظام الديكتاتوري لصدام حسين، نتيجة للحصار والعقوبات الدولية التي فرضت على العراق، ومن خلفه أدين الشعب العربي بالتخاذل والضعف وعدم القدرة على ردع المعتدي. ووسط العويل وصرخات الثكالى لم يستمع أحد لصوت العقل والحكمة، ليقع الغزو الأميركي للعراق ويزال حكم الطاغية صدام، ولكن الشعب العراقي يدفع الثمن مرة ثالثة.

ثم يأتي العيد وقد أصبح العراق مقسماً بين نير الاحتلال ولهيب الإرهاب، وينتظر النجاة في انتخابات عقيمة تعيد للتاريخ ما مر به العراق من أحداث في العشرينيات من القرن الماضي، عندما أدى صراع موزاييك المجتمع العراقي على السلطة، وفقدان الهوية الوطنية العراقية، وتغليب المصالح العرقية والطائفية الضيقة إلى سيطرة الأقلية السنية على الحكم، وافتقاد الديمقراطية والحريات السياسية، واستمرار الاحتلال البريطاني للعراق وتدخله المستمر في الشؤون الداخلية، وارتباطه ببعض المسؤولين ومصالحهم السياسية، وبعد ذلك مرحلة الاغتيالات حتى وصل الطاغية صدام إلى سدة الحكم.

والآن يأتي العيد والعراق يكرر نفس سيناريو الأحداث، فسوف يصبح العراق "شيعي الحكم"، علماني الرؤية ومتطرف التوجه، ولن يستعيد السنة مجدهم في الانفراد بحكم العراق، فنعود لحلقة الاغتيالات وصراع المصالح الضيقة، ويظل الاحتلال الأميركي جاثماً على قلب العراق تحت ذرائع وحجج مختلفة مثلما كان حال البريطانيين مع العراق من قبل، وتظل الفوضى إلى حين أن يظهر صدام حسين جديد أكثر دموية وسطوة ليعود العراق إلى ما كان عليه قبل 9 أبريل 2003، ويمر عيد بل وأعياد عربية أخرى كثيرة، إلى أن تصبح "كوالالمبور قوة عظمى عالمية" وتحاول تحرير الشعب العراقي!

إنه عيد الأضحى، الذي يضحي فيه بوش الصغير وشارون الصغير بالشعب الفلسطيني قرباناً للصهيونية العالمية، وإرضاء ليهود أميركا، فهم يشعرون بأنه واجب ديني لتصبح فلسطين خالصة لليهود للحفاظ على الجنس السامي، وتكون نقية العرق وصافية التطرف، ولذلك فمن يقتل فلسطينياً رضيعاً كان أو كهلاً، ذكراً أو أنثى، تكتب له جنة شارون ورضا بوش الصغير.

يأتي العيد والشعوب العربية ترزح تحت نير القهر والظلم، ومصادرة الحقوق السياسية، وافتقاد الحريات، وانتشار البطالة، وتدني مستوى المعيشة، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية، وتراجع مستوى الدخل، وكأن 14 قرناً من الأعياد لم تؤثر فينا، ولم تدفعنا إلى التغيير. ورغم صيحات الإصلاح، التي تواكب هذه الأيام الاحتفال بالعيد الخامس لإطلاقها، فإن شيئاً فاعلاً لم يحدث، وتوارى الجميع خجلاً من التذكير بها بعد أن هدأ بوش الصغير من ثورته، وأفاق من غفوته، على حقيقة أن الوضع العربي الراهن يخدم مصالحه بأكثر مما سيحققه أي إصلاح، فبات يتغنى بالديمقراطية العربية الفذة، ويدعو إلى استمرار النهج الثوري العربي الراهن في جميع المجالات، كضمان أساسي لمواجهة الموجة الإرهابية الشرسة، وكمرتكز يصعب التخلي عنه لتحرير فلسطين من الفلسطينيين، وتخليص العراق من السنة.

يأتي العيد وفتاوى شيوخ "الذبح الحلال" مستمرة، وتشجيع الإرهاب باسم الجهاد منتشر، والإسلام موسوم بالإرهاب ولا يجد من يدافع عن سماحته، وبات الإسلام العدو الأول والوحيد لكل شعوب الأرض، ولم يتعظ أحد بما حدث من خسائر مادية وبشرية نتيجة لإعصار تسونامي. وفي ظل الانفتاح الإعلامي الفضائي غير المسبوق على الترفيه والتسلية، أصبح المحظور مباحاً، وانفتحت أبواب مغلقة، ورأى الناس ما لم يكونوا يرونه، وظهر العري بكل أشكاله المادية والفكرية والسياسية والفنية، وانقطعت العلاقة بين العيد والفرحة... إلا أن الجميع، كل بطريقته، يفرح بالعيد وفق رؤيته وظروفه، ويحاول أن ينسى واقعه ويهرب من حاضره، ولا يجرؤ على التفكير في مستقبله، لأنه لا يملك من أمره شيئاً.

جاء العيد وقد حلت كلمات المحنة والنكبة والأزمة والكبوة والهزيمة محل النهضة والصحوة والإصلاح والتنمية والتقدم في قاموس الواقع العربي، بينما المسؤولون يرون الأوضاع بالعكس، لذلك لا يخلو خطابهم الإعلامي من الحديث عن التقدم في جميع المجالات والثورة على التقاليد، فيصبح الموضوع أشبه بـ"النكتة" المبكية المضحكة. فالشعوب في وادٍ، والمسؤولون في واد آخر، وكأن كلا منهما يعيش في كوكب مستقل، بعيداً عن الآخر ولا يجمعهما سوى تشابه اسم الدولة.

تمر أعياد العرب وكأن الزمن متوقف، فلا حاجة لعناء الاحتفاء بأي نجاح، ولا أمل للفرحة بإحراز أي تقدم، وفي ظل وجود بوش الصغير وشارون وزمرته، واستمرار الغفلة العربية، واتساع الفجوة بين الحاجات العربية والقدرة على تحقيقها، واستمرار الشعوب العربية في خدمة الحكومات على عكس الواقع المفروض أن يكون في ظل مؤسسات حكم تعمل لصالح شعوبها، لن تكون هناك فرحة بأعياد العرب.

لقد وقف على جبل عرفات هذا العام نحو مليوني حاج، كنت آمل منهم أن يجتمعوا على قلب رجل واحد ويتوجهوا بالدعاء إلى العلي القدير، عسى أن يتقبل منهم، ليقضي على بوش الصغير وطموحاته، ويشرد شارون وزمرته، ويخلصنا من الإرهابيين وشيوخهم، ويقصف عمر كل من يقف حائلاً أمام تطور العرب ولا يسهم في استعادة دورهم ومكانتهم فكرياً ومادياً، حتى تصبح أعيادنا القادمة أعياداً حقيقية، ونزيد من مساحة فرحتنا بقدومها كل عام، ونشعر بأننا نتغير لنواكب حركة الزمن.