لا يوجد اتفاق على طبيعة النهج الذي سيتبعه الرئيس يالاميركي جورج بوش الأبن، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، فهناك من يرى، وبخاصة بعد اقصاء كولن باول واستبداله بمستشارة الأمن القومي السابقة كونداليزا رايس، بأن الأربع سنوات المقبلة ستكون سنوات الهراوة والعصا الغليظة وهناك من يعتقد ان هذه السنوات ستكون سنوات «وسطية» وتهدئة والابتعاد عن الايديولوجية والسعي لتحسين صورة اميركا البشعة في العالم كله.
ولعل ما يزيد الأمر غموضا ان الخطاب الذي القاه الرئيس في حفل بدء ولايته الثانية قد خلا من اي جزم لا في هذا الاتجاه ولا ذاك وان تركيزه كان على اشاعة الديمقراطية في العالم وبخاصة في منطقة الشرق الاوسط التي غدت اكثر اهمية لبلاده بعد احتلال القوات الاميركية للعراق ثم وبالاضافة الى هذا فان عدم استكمال التعيينات في الادارة المتجددة يترك المجال واسعا امام التكهنات والتوقعات والاجتهادات بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية خلال هذه الاعوام الاربعة المقبلة.
وبالطبع فان تركيز الرئيس الاميركي في خطابه الآنف الذكر على الديمقراطية والاصلاح اكثر من تركيزه على محاربة الارهاب وعلى حل المشاكل العالقة، وبخاصة في الشرق الاوسط قد اخاف بعض دول هذه المنطقة التي ترى ان التصرفات الاسرائيلية التي تحضى بمساندة مطلقة وعمياء من قبل الولايات المتحدة في عهود الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، هي المفرخة الحقيقية لهذا العنف ولهذا الارهاب وليس غياب الديمقراطية والحريات العامة.
ويجب القول بينما العالم كله وليس هذه المنطقة فقط، يقف امام بوابة اربعة اعوام تخبىء مفاجآت كثيرة انه لا بد من الاستعداد استعدادا جيدا لهذه السنوات الاربع المقبلة فهي سنوات استحقاقات خطيرة تقضي حسابات دقيقة وتقضي واقعية حقيقية والتخلص نهائيا مما تبقى من ثقافة وأدبيات عصر الحرب الباردة التي ولت بلا رجعة في المدى المنظور على الأقل.
ستتغير خلال هذه السنوات الأربع انظمة وقيادات، في هذه المنطقة وفي العديد من دول العالم الثالث وستكون هذه التغييرات حتى وان كانت عواملها داخلية ونتيجة تزاحم الاجيال، مؤلمة وصعبة ولذلك فانه لا بد من العمل ومنذ الآن لأن لا تكون هناك خظات ولا اعراض جانبية، فالمنطقة بفعل عوامل كثيرة تقف على رجل واحدة وأي خطأ ولو صغير في الحسابات سيؤدي بالتأكيد الى عواقب كارثية.
على دول هذه المنطقة ان لا تنام على ارائك من ريش النعام فالزلازل عندما تضرب منطقة لا ترحم احدا وعلى القوى التي امتهنت الهدم واحترفت المزايدات واطلاق الشعارات الفارغة ان تدرك انها اذا كانت سلمت في مرات سابقة فانها لن تسلم هذه المرة فالقادم اعظم والديمقواطية حتى التي تحدث عنها الرئيس الاميركي لها انياب ومخالب وهي ستفترس حتما بأنيابها ومخالبها هذه، الذين وصلت اقدامهم الى هذا القرن بينما لا تزال رؤوسهم في العصور الوسطى.
وهنا يجب ان يدرك الذين وصلت اقدامهم الى القرن الحادي والعشرين بينما لا تزال رؤوسهم هناك في العصور الوسطى ان هذا البلد قد التقط الاشارة الصحيحة منذ نهايات ثمانينات القرن الماضي ولذلك فانه اختار خيار الديمقراطية ولذلك فانه ذهب الى السلام من الأبواب العريضة ولذلك ايضا انه يقف الان هذا الموقف العملي والواقعي تجاه الأ زمة العراقية.