لم يكن الكاريكاتير سوى صورة مقتضبة للحالة العامة، وهو ما يضم بعض الفكاهة عندما يمحور التفاصيل في صورة مضحكة لا تنسى ان تلم بعض أجزائها الغامضة. الكاريكاتير السياسي المعبر ليس مباحاً في دول العالم الثالث، وهو ما قد يعرضه للدبلجة التي يحيلها الفنان الكاريكاتيري الى صور متداخلة، وربما حوّلها الى ميادين فسيحة تبعده عن الشبهات.
أصبح هذا التعبير في عالمنا الآن متضائلا، عندما ضاقت به مساحة الرأي واحتجزته قيود الحرية المرهونة بالاعتداء والمساءلة في اقفاص الاتهام. لذا خرجت الى الناس الشغوفة بما يسليها في أتراحها، كأمة تضحك على مآسيها، النكتة المرسلة في رسائل ال “اس.ام.اس”، هذه التقنية التي تستطيع بها ان تجس نبض الشعوب والمجتمعات.
اكثر النكات السياسية والاجتماعية التي عبر عنها الناس كانت تتم عن طريق شركات الاتصالات في كل بلد، هذه الشركات المملوكة او شبة المملوكة للحكومات، وحتى إن لم تكن مملوكة فهي محكومة، لكنها نفذت بجلدها من الرقابة وداعبت خلد العامة وهم يتناقلون همومهم.
وآخر ما كان معبرا في تفاوت الاعلان عن عيد الاضحى هي “قالوا العيد الجمعة، بعدين قالوا الخميس، قلت اهني قبل ما يقولوا ما فيه عيد”!
لم تكن تعبيرات ناس فارغة، ولم تكن قصراً على سباق التفاهات، عندما قالت احدى المفكرات إنها لا تضيع وقتها في قراءة الرسائل الهاتفية، فهي احدى وسائل التفاهة كما ترى سعادتها!
لكن الأجدى بنا ان ننتظر هذه المدلولات البعيدة لمثل هذا التحكم الاجباري، وهي الحكم على ما لا يروق لنا بمثل هذه الادبيات، التي تعكس أيديولوجيا معينة تنهل من مصدر واحد ولا تمانع في قمع نفسها متى رأت ان ذلك يشكل مصدرا للقلق العام.
اما اكثر ما تتفهمه اجيالنا الحاضرة، فهو الايمان التام بكامل تفاعلات الحياة، الايمان وليس التصديق. كل ما يهدر حولنا هو جزء من الواقع، ومن حقنا تجاهله كما هو حقنا التفاعل معه، لكن غير المفهوم أبداً ان يتم التعامل مع بعض افرازات الوقت، رغم سلبيتها، بوصاية لا تتماشى حتى مع عقول الصغار، الصغار الذين لم يصبحوا كصغار الزمن الفائت، وقد اثبت الوقت ان التعامل معهم من اصعب المعادلات، حين تصل الرقابة الى “اس.ام.اس” الفار منها اصلا، فتمنع بعض الشركات التصويت لبعض البرامج بحجة تفاهتها أو عدم تناسقها مع الثقافة العامة.
نسي التبرير ان الشعوب المعروفة بحماستها لأي شيء ينتمي لها ستمارس المراوغة ايضا، وستبحث عن ال (اس.ام.اس) في اي مكان من أجل ما تريد. ورغم تفاوت الهدف والثقافة، ورغم ان برنامج ستار اكاديمي، القضية التي تتجدد كل عام، هو كغيره كثير، لا يحمل اي اخلاقيات تذكر، وان الجيل الذي يشجع “نجوم التفاهة” لن يمانع في التصويت له حتى لو اضطر الى السفر لبلاد اخرى، فإن مبرر المنع نسي ايضا ان الناس “حرة في فلوسها” وان تفاهتها مدفوعة، حين يذهب هذا الثمن الى خزائن اتصالات!