منذ اندلاع الحرب الأميركية في العراق يبحث العالم عن روسيا. أدركت دول وحكومات وشعوب خطورة وقوع العالم في قبضة قوة عظمى وحيدة. أدركت أيضاً خطورة وقوع هذه القوة في عهدة فريق يعتقد انه يملك تفويضاً قاطعاً لتغيير العالم وتمدينه وتطويعه. لا مبالغة في القول ان كثيرين انتابهم الحنين إلى الاتحاد السوفياتي على رغم معارضتهم السابقة لنهجه ومرتكزات قوته. شعرت دول كثيرة بالحاجة الى وجود لاعب دولي كبير آخر يملك القدرة على لجم التهور الأميركي في هذا الجزء من العالم أو ذاك كما يملك القدرة على استخدام حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن.
كان الانتصار الأميركي على الاتحاد السوفياتي الذي اندحر وانتحر كبيراً وفاحشاً وأكبر من قدرة العالم على الاحتمال. لهذا حلم كثيرون في أن تضطلع روسيا الديموقراطية بدور كبير يخفف من وطأة الانتصار الأميركي. بعد 11 أيلول (سبتمبر) وخروج أميركا الجريحة لتأديب العالم اتجهت الأنظار مجدداً الى موسكو. ازدادت الحاجة إلحاحاً بعد انطلاق المغامرة الأميركية في العراق وبعدما تأكد ان الأمم المتحدة لا تشكل ضمانة أو قيداً وأن الصين بعيدة عن وراثة الدور السوفياتي وأن أوروبا الموحدة ليست جاهزة لوراثة من هذا النوع.
أقلق الخلل الهائل في التوازنات الدولية دولاً تصنف أصلاً في خانة الدول الكبرى. جاهر الرئيس الفرنسي بالحاجة الى عالم متعدد المراكز أو الأقطاب وشاركه المستشار الألماني هذا الحلم. وفي أكثر من منعطف بحث الزعيمان عن روسيا سعياً الى استعادة قدر من الضوابط للرقصة الدولية وسرعان ما اكتشفا ان روسيا تبحث هي الأخرى عن روسيا.
أفكار كثيرة ستتزاحم في رأس الرئيس بشار الأسد حين يتجه اليوم الى موسكو. يعرف ان صورة الشرق الأوسط ليست وردية على الاطلاق. الجيش الأميركي يرابط على الحدود العراقية - السورية وفي جعبته سلسلة اتهامات وشروط واملاءات. والعراق ضائع بين صناديق علاوي الانتخابية وشاحنات الزرقاوي الانتحارية. وبغداد موعودة بالفوضى الدامية أو الحرب الأهلية أكثر مما هي موعودة بدولة المؤسسات والممارسات الديموقراطية.
أفكار كثيرة ستراود الأسد. ينظر ارييل شارون الى المنطقة فلا يرى مبرراً لاستئناف مفاوضات السلام مع سورية. يعتبر شارون ان الوقت الذي كان سلاحاً في يد دمشق صار سلاحاً ضدها. يلاحظ أنها لا تمتلك حليفاً دولياً كبيراً، وان الانهيارات العربية حرمتها أيضاً من المظلة العربية. يعتقد أن علاقتها بإيران تحولت عبئاً عليها، وأن التحسن في علاقاتها مع تركيا لا يغير ملامح الصورة.
يعرف الأسد أن دور سورية الاقليمي مستهدف، وان القرار 1559 لمجلس الأمن الدولي يشبه لغماً مزروعاً على طريق دمشق - بيروت، وعلى طريق دمشق إلى كل من واشنطن وباريس ونيويورك. ويعرف ان أوراق القوة السابقة تحولت مصدر تهمة من العلاقة مع «حماس» إلى العلاقة مع «حزب الله». ويعرف أن واشنطن لم تعد تسلم لدمشق بحق أن تكون قوة عرقلة خارج حدودها.
يدرك الأسد حقائق المشهدين الاقليمي والدولي. وعلى رغم ذلك، يحاول استنفاد المحاولات سعياً إلى العثور على عاصمة كبرى يمكن التحالف معها أو الاتكاء عليها للانتظار أو تحسين شروط التفاوض. لهذا يذهب الأسد إلى الكرملين في محاولة لتشجيع بوتين على حضور أكبر في الشرق الأوسط وحرائقه وأزماته وعلى موقف أقوى في مجلس الأمن. لهذا تبحث سورية عن روسيا علها تجد مظلة أو محطة أو عاملاً داعماً ومساعداً. والبحث يجري بلا أوهام فالكلمة الأخيرة للمصالح. وليس ثمة شك في أن ما سيسمعه الأسد في الكرملين سيؤثر في خيارات سورية في المرحلة المقبلة.