يخرج اللبنانيون من مشكلة سياسية ليدخلوا مشكلة أخرى. وإذا لم يجد السياسيون اللبنانيون مشكلة افتعلوا واحدة وكأنها عملية تسلية..! كذلك الأمر في التحالفات اللبنانية السياسية، فما أسهل أن يعلن زعيم لبناني الحرب على زعيم آخر، ويصفه بكل ما في القاموس من عيوب ، وقد يصل الأمر إلى التخوين والحديث في فساد الذمم، ثم يتحول فجأة عدو الأمس إلى صديق اليوم، يصبح الخائن وطنياً، والطائفي رمزاً للوحدة الوطنية..!
تدخلات الخارج تلعب هي الأخرى دوراً كبيراً، وخاصة في ما بعد مرحلة الحرب الأهلية وخلالها. فاللبنانيون يديرون حواراً مع أطراف خارجية ، ولكنهم لا يديرون حواراً جدياً فيما بينهم، والأخطر من ذلك أن بعض الأطراف اللبنانية وضع نفسه أداة في يد هذه القوة الإقليمية أو تلك، معتقدين أن أسهل طريقة لإضعاف الخصوم هي الاستقواء بالخارج..!
مؤتمر الطائف خلق موازنة معقولة للتعايش، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ألم يحن الوقت لعقد مؤتمر الطائف الثاني، من أجل سد ثغرات وإشكالات الطائف الأول. فهناك شكوى من أن رئيس الجمهورية قد انتزعت صلاحياته، إلى درجة أن أحد رؤساء الجمهورية اللبنانية كان يقول إنني أقضى معظم وقتي في لعب الطاولة ، ويضيف بلهجته الساخرة «يا عمي ما في شغل»..! ومع ذلك ففي الوقت الذي ينص فيه اتفاق الطائف على أن يرأس رئيس الجمهورية الاجتماعات المهمة لمجلس الوزراء، نرى أن الرئيس اللبناني الحالي يرأس مجلس الوزراء بمناسبة وبدون مناسبة.
وضمن اتفاق الطائف ، يستطيع أي وزير لبناني أن يرفض التوقيع على القوانين، وهو أمر يتعارض مع المبادئ الدستورية المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية.
مطلوب عقد مؤتمر الطائف الثاني، حيث يمكن التمسك بثوابت الطائف الأول وسد الثغرات ، ومن أجل إعلان مصالحة وطنية شاملة ، يكون أساس الخلافات فيها قضايا التنمية، وليس المماحكات الحزبية والشخصية والأمزجة، وتأكيد حقيقة أن الاستقواء بالخارج هي لعبة خطرة ومدمرة على الجميع.