وجيه الصقار: منذ أن تم الإعلان عن مشروع الكشف علي مومياء الملك المصري الشاب توت عنخ آمون بالأشعة المقطعية هو وبعض المومياوات الملكية‏,‏ ثارت العديد من الاجتهادات والتفسيرات لتلك الخطوة‏,‏ وفي حين رفضها البعض بشدة علي اعتبار أنها يمكن أن تضر المومياوات فقد أيدها الآخرون لأهميتها في الحفاظ علي هذا الكنز المصري النادر‏,‏ وما بين هذا وذاك خرجت أصوات أخري نشاز في وسائل الإعلام الأجنبية تربط بين تلك الخطوة والأديان في إطار البحث عن فرعون الخروج من مصر‏,‏ فما هي حقيقة الأمر؟ ما الهدف من وراء توقيع الكشف الطبي علي مومياء توت عنخ آمون وغيره من المومياوات؟‏!‏
جاء مشروع الكشف علي مومياء الملك المصري الشاب توت عنخ آمون‏,‏ بعد انتظار طويل للتعرف علي ظروف كثيرة ظلت غامضة منذ اكتشاف مقبرته في عام‏1922,‏ ولعل هذه هي المرة الأولي التي يقوم فيها علماء مصر من المجلس الأعلي للآثار والمركز القومي للبحوث وكلية طب قصر العيني في تخصصات متكاملة بحسم قضايا التشكيك والاتهام التي تدور حول شخص وحياة الفرعون المصري وتحديد حالته الصحية‏,‏ ومدي تعرضه للاغتيال أو الإصابة التي أدت لوفاته يقول الدكتور زاهي حواس رئيس المجلس الأعلي للآثار‏:‏ إن هذه رابع مرة يتم الكشف فيها علي مومياء الفرعون الصغير فالأولي كانت في‏11‏ نوفمبر عام‏1925,‏ والثانية في عام‏1968,‏ والثالثة في‏1987,‏ وعقدت من خلال أجانب وبعض المصريين‏,‏ وهذا العام يستحق أن يطلق عليه عام توت عنخ آمون‏,‏ حيث كشفت الفحوص الأولية تدهور حالة المومياء‏,‏ مما يتطلب ضرورة معالجتها‏,‏ وتوفير درجة حرارة ثابتة ورطوبة معينة لتحقيق الثبات‏,‏ ومنع أية إصابات جديدة‏,‏ وأن هذه أول مرة تستخدم فيها أجهزة علي مستوي عال لتصوير‏1700‏ صورة أشعة للمومياء‏.‏
تبدأ القصة عندما تقدم الدكتور صالح بدير عميد كلية طب قصر العيني السابق‏,‏ والمشرف علي المومياوات بالمجلس الأعلي للآثار‏,‏ بمذكرة علمية طالبا العناية بمومياء الملك توت عنخ آمون وترميمها ونقلها إلي المتحف المصري‏,‏ إلا أن الدكتور زاهي حواس رئيس المجلس الأعلي للآثار اعترض علي النقل‏,‏ وأكد أنه يفضل بقاء المومياوات في مواقع اكتشافها الأصلية‏,‏ كما عارض اختبارات‏DNA‏ للكشف عن المومياوات وأصولها علي أساس أن هناك نسبة‏40%‏ خطأ في التشخيص والتحديد‏,‏ وبالتالي كان الاتجاه لإجراء فحص بالأشعة المقطعية‏,‏ للتعرف علي تعرض الملك المصري للأمراض والأسباب التي أدت للوفاة في صغره‏.‏

*الخرافات
وقال د‏.‏ زاهي حواس‏:‏ إن أحد الأسباب التي دعت لإجراء هذه الأشعة ودراستها‏,‏ تلك الخرافات التي تدور حول الملك‏,‏ خاصة بعد ظهور أفلام منها ما يحمل عنوان‏:‏ من قتلة توت عنخ آمون‏,‏ مشيرة إلي أن الملك مات مقتولا‏,‏ وتطوع البعض للبحث عن قتل الملك‏,‏ وهناك فريق آخر يشير إلي أن وفاة الملك كانت طبيعية‏,‏ وأن البحث وتحليل الصور سيظهر حقيقة هذه الإدعاءات مع إلقاء المزيد من الضوء علي الفترة التي حكم فيها‏,‏ وهي فترة العمارنة‏,‏ وما فيها من أحداث مازالت غامضة أمام العلم حتي الآن‏,‏ وكان القرار بإجراء التصوير والدراسات في مقبرة الملك بوادي الملوك‏.‏
وقال‏:‏ إن القراءات العلمية علي المومياء ستتحدد من خلال المتخصصين في قراءة الأشعة لاستبعاد أي احتمالات أو تكهنات أو تخيلات غير علمية‏,‏ بعد أن يقوم علماء المصريات بالتفسير‏,‏ وأنه يجب أن ندرك أن دراسات سبقت للمومياء أولاها كانت في‏11‏ نوفمبر عام‏1925,‏ في مرحلة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون‏,‏ بعد‏3‏ سنوات من الاكتشاف‏,‏ حيث قام هيوارد كارتر مكتشف المقبرة بالاشتراك مع العالم ديري المتخصص في المومياوات‏,‏ وصالح بك حمدي من جامعة الإسكندرية بالفحص‏,‏ واتضح لهم أن المحنطين صبوا الراتنج والزيوت علي جسد الملك كله في أثناء عملية التحنيط واللف بالكتان‏,‏ وهو ما أدي إلي التصاق القناع الذهبي بالرأس‏,‏ وكذلك الجسد بالتابوت‏,‏ ثم وضعوا المومياء في الشمس أملا في أن تذيب حرارتها الزيوت والمواد الراتنجية والمواد اللزجة‏,‏ إلا أنها لم تؤثر‏.‏
وأضاف د‏.‏ زاهي أن كارتر ومساعديه نقلوا المومياء للممر الخاص بمقبرة الملك سيتي الثاني بوادي الملوك لإجراء اختبارات أخري‏,‏ والتحقق من طبيعة المومياء‏,‏ حيث تبين لهم أن الكفن الكتاني الموجود عليها كان سريع التحلل‏,‏ وهو مطل بطبقة من شمع البارافين‏,‏ فقاموا بتمزيقه بواسطة سكين إلي قطع كبيرة‏,‏ وأزالوا الأغلفة الخارجية الفاسدة‏,‏ واتضح أن الأغلفة الداخلية كانت صغيرة ووضعت بهدف تماسك اللفائف الكتانية‏,‏ وخوفا من زيادة تأثر المومياء بسبب سرعة نمو الفطريات‏,‏ وتم اختبار المومياء بداخل التابوت‏,‏ واتضح من الفحوصات أن توت عنخ آمون كان يرتدي صنادل ذهبية‏,‏ وأغطية لأصابع اليدين والقدمين‏,‏ مع وجود أكثر من مائة قطعة أثرية وضعت مع الملك في طبقات مختلفة داخل المومياء‏.‏

*تمزيق الأربطة
وأضاف أنه بعد أن انتهي كارتر ومعاونوه من تمزيق الأربطة الكتانية‏,‏ أخرجوا المومياء من التابوت باستخدام سكاكين ساخنة‏,‏ تمكنوا بها من نزع القناع الذهبي عن الوجه‏,‏ كما فصلوا الرأس عن الجسد‏,‏ وعظمة الحوض عن الجذع‏,‏ والذراعين والساقين‏,‏ ونزعوا الأيدي والأقدام‏,‏ حيث تم اكتشاف كل ذلك من خلال فحص المومياء بأشعة إكس في عام‏1968,‏ لأن كارتر لم ينشر ذلك‏,‏ كما ظهرت إصابات نتيجة التحنيط في وسط البطن وحتي عظمة مفصل الساق اليسري‏,‏ أما الذراعان فهما مثنيتان عند الكوع متقاطعتان عند الخصر وأن الذراع اليسري فوق اليمني‏,‏ والرأس حليق ومغطي بغطاء سميك أبيض‏,‏ ثم بقبعة مليئة بالخرز وطراطين آتون‏,‏ وحدد ديري عمر الملك عند الوفاة ما بين‏18‏ و‏22‏ عاما‏.‏
وأضاف أن فريق العمل برئاسة كارتر أعاد المومياء لمقبرتها في أكتوبر‏1926,‏ وأصبحت عارية ووضعوها علي الرمال لإخفاء الإصابات الحديثة‏,‏ كما تم إعادة تركيب القدمين واليدين لكل من الكاحل والرسغ بواسطة الراتنج‏,‏ وتم دفنها بعناية ووضعت المومياء مرة أخري في التابوت الخارجي ثم التابوت الحجري‏,‏ ووضعوا طبقة زجاجية علي غطاء التابوت‏.‏
في عام‏1968‏ حلل العالم هاريسون أستاذ التشريح بجامعة ليفربول‏,‏ المومياء وأجري دراسة عليها بأشعة إكس بعد رفع الغطاء الزجاجي‏,‏ وفتح التابوت‏,‏ واكتشف أن المومياء مفككة إلي قطع‏,‏ وأن إعادة الدفن تمت بطريقة سيئة بواسطة كارتر أو شخص آخر جاء بعده‏,‏ وأن الجمجمة خالية تماما عدا تراكمات بسيطة من مواد داكنة‏,‏ وهي غالبا من الراتنج المتحجر‏,‏ بالإضافة إلي جزء من عظمة‏,‏ واستند العالم في ذلك إلي أن الملك المصري مات مقتولا بضربة علي رأسه‏,‏ كما اكتشف أن القفص الصدري وأجزاء من عظام مقدمة الصدر مفقودة‏,‏ غير أن هناك من العلماء المتخصصين في علم المصريات من يري أن الملك مات في حادث في أثناء ركوبه العجلة الحربية‏,‏ مما تسبب في كسر مقدمة قفصه الصدري‏,‏ وأصيب أيضا في الفك الأيسر وعولج‏.‏
أما في عام‏1978‏ فقد تم إخراج المومياء مرة ثالثة عن طريق فريق أمريكي متخصص من جامعة ميتشجان وفحصت المومياء مرة أخري بأشعة إكس وأوضح الفريق أن الصور التي التقطت توضح أن عيني الملك قد فقئتا‏,‏ وأن الأذن اليمني مفقودة‏,‏ وأن نتائج تحليل الدم الذي أخذ من العظام أوضحت أن فصيلة دم الملك هي إيه‏2,‏ وفي كل الحالات أوضحت الأشعة حاجة المومياء إلي ترميم إلا أنها لم توضح صراحة العمر الحقيقي للملك وقت الوفاة أو سببها‏.‏

*علاج المومياء
وأشار إلي أن الفحص يتم بأيد مصرية لأول مرة حيث سيمكن التعرف علي حالة المومياء بالكامل ومعرفة وسائل علاجها وترميمها‏,‏ بالإضافة للتعرف علي أسباب الجرح الموجود في الصدر‏,‏ وحياة الملك وسبب وفاته‏,‏ وعلي حالة المومياء‏,‏ والأمراض التي كان يعانيها الملك والتي كانت في عصره‏,‏ إضافة لتلافي تعرض المومياء للتغيرات الجوية والعمل علي ثبات درجة الحرارة بها لأن العوامل الجوية السيئة التي كانت بالمقبرة أثرت سلبيا عليها‏.‏
وقال الدكتور حسن الشريف أستاذ التاريخ الفرعوني‏:‏ إن تطورات الاجتهادات في المرحلة الأخيرة حول مقتل توت عنخ آمون ظهرت في تفسيرات تناولتها أفلام عن حياة الملك الشاب سواء في أمريكا‏,‏ أو بريطانيا‏,‏ وأظهرت أفلام وثائقية قتله علي أيدي بعض الأفراد الطامعين في الحكم‏,‏ حيث بحث فريق أمريكي سبب غموض مصرع الفرعون منذ نحو‏3‏ آلاف و‏350‏ عاما في سن التاسعة عشرة‏,‏ الذي خلف والده اخناتون ليصبح أصغر ملك في تاريخ مصر‏,‏ وأنه توفي إثر تعرضه لإصابة أثرت علي نخاعه الشوكي‏,‏ وأن هناك إعوجاجا غير طبيعي في العمود الفقري‏,‏ مما نتج عنه صعوبة في الحركة والسير قبل وفاته‏,‏ وهذا ما جعل المحققين يجمعون علي أن الملك المصري تم قتله في عملية اغتيال للاستيلاء علي الحكم من جانب أحد الطامعين في عرشه‏,‏ ولم يستبعدوا مشاركة زوجته‏,‏ وأخته غير الشقيقة أنخس آمون في التدبير لعملية اغتيال الفرعون المريض للزواج من القاتل بعد الحصول علي العرش‏.‏
وحدد فريق الباحثين الأمريكيين‏,‏ المشتبه فيهم بقتل الفرعون في‏4‏ أشخاص‏,‏ وجمع الفريق الأدلة علي ذلك من مصر ولندن وأمريكا‏,‏ وأجريت مقابلات مع شهود عيان من علماء المصريات والأطباء الشرعيين والنفسيين‏.‏
ووضع الفريق البحثي سيناريو متصورا لموت الفرعون الشاب من خلال الأدلة‏,‏ ومن بينها دليل وجوده لدي فحص الجثة باستخدام أشعة إكس‏,‏ ودليل آخر علي الجدار الجنوبي لمقبرة توت عنخ آمون التي لم يكتشف موقعها الفراعنة الذين خلفوه حتي لصوص المقابر‏,‏ كما كشفت الدراسات التي أجراها الفريق الأمريكي عن أن الدليل الأول يتمثل في عظمة ناتئة في مؤخرة رأس الجمجمة‏,‏ ورجحوا أن يكون نتوء هذه العظمة نتيجة ضربة شديدة في مؤخرة الرأس‏.‏
وانتهي المحققون إلي أن الوزير الأكبر لتوت عنخ آمون‏,‏ الذي يدعي آي خطط لقتل الفرعون الشاب وطلب من الكهنة ترسيمه وريثا للعرش في الشعائر الملكية‏,‏ كما قام بمحو الكتابات التي تتحدث عن توت عنخ آمون في المعابد‏,‏ واستبدلها بأخبار انتصاراته وأمجاده‏,‏ ويعد هذا التفسير البحثي أول تفسير لوفاة توت عنخ آمون في ظروف غامضة شغلت علماء الآثار علي مدي‏81‏ عاما‏.‏
وقال‏:‏ إن هذه القضية ظلت مثار بحث لمدة طويلة دون أن يحسمها أحد لأنها احتمالية‏.‏
وحول مشروع تصوير المومياء يقول الدكتور عبدالحليم نور الدين عميد آثار بني سويف‏:‏ إنه سبق التصوير بالأشعة لجسد الملك في مرتين سابقتين ولا شئ يعتبر جديدا في الموضوع‏,‏ إلا أن ذلك لا يمنع من أن عدد الصور الكبير قد يفيد في التعرف علي مدي تعرض الملك المصري للقتل‏,‏ وسبب وفاته والأمراض التي أصابته‏,‏ والتي كانت شائعة في ذلك الوقت‏.‏