على مدى ثلاثة أرباع الساعة، استمع قاضي التحقيق في بيروت ماجد مزيحم إلى إفادة كل من رئيس قسم المحليات السياسية في صحيفة "المستقبل" الزميل فارس خشان، والمدير المسؤول في الصحيفة توفيق خطاب، الا ان السماح لهما بترك ديوان قاضي التحقيق لم يصدر وخلافاً للعادة والأصول القانونية، الا بعد أربع ساعات قضاها الزميلان خشان وخطاب كما أفادت أوساط قانونية، في توقيف احتياطي مقنّع.
وقد استمع القاضي مزيحم أمس إلى خشان وخطاب في الدعوى المقامة في وجههما من الوزير طلال ارسلان بجرم القدح والذم واختلاق أخبار من شأنها زعزعة السلم الاهلي، في حضور وكيليهما المحاميين فؤاد شبقلو وحمادة حمادة ووكيل الجهة المدعية المحامي نزيه ابو ابراهيم.
وقد أمهل مزيحم الجهة المدّعى عليها عشرة أيام لتقديم مذكرة حول الدعوى تتضمن أشرطة فيديو وأحكاما قضائية وأدلة أخرى تؤكد صحة ما أورده الزميل خشان في ردّ على كلام صدر بحقه عن الوزير ارسلان.
وبعد الجلسة، طلب القاضي مزيحم من الزميلين خشان وخطاب الانتظار في ديوانه لوقت قليل ريثما تنظر النيابة العامة الاستئنافية في الملف.
إلا ان الوقت طال على مدى أربع ساعات وأقفلت أبواب قضاة قصر العدل، وفي الثالثة الا عشر دقائق أفرج النائب العام الاستئنافي المختص عن الملف طالباً ترك الزميلين خشان وخطاب بسندي إقامة لأن قانون المطبوعات لا يجيز التوقيف الاحتياطي في دعاوى المطبوعات.
وبعد الجلسة، وهذا التوقيف الاحتياطي المقنّع، أدلى الزميل خشان بالتصريح الآتي:
"لن نعلق على إبقائنا في قصر العدل لساعات طويلة من دون أي مبرر منطقي أو قانوني لأن هذه المسألة متروكة لأصحاب الاختصاص وللمدافعين عن الحريات العامة وفي مقدمها حرية التعبير، ولكن لا بد من لفت انتباه الرأي العام إلى خطورة الدعوى المساقة بحقنا.
ان هذه القضية نموذجية وتطال في الصميم حرية التعبير التي يملكها الصحافي في لبنان لجهة حقه في التعاطي الحر مع ما يدلي به السياسيون عموما والوزراء خصوصا من آراء وأفكار.
وهذه القضية في حال تم السير بها قضائيا بما يرضي أهل السلطة، تكون قد انتهت إلى إعطاء الوزراء حق اختلاق الوقائع وحق التهكم وحق الشتيمة وحق التصرف وحق مخالفة القوانين، ومنعت الصحافي من حق المناقشة الحرة تحت طائلة العقاب.
لا بل أكثر من ذلك، فإن أخطر ما في هذه الدعوى يتمثل في محاولة الجهة الداعية إلى إعطاء الوزير حق التهجّم على الصحافي بسبب ما كتبه لدرجة المس بشرفه وصدقيّته، حتى اذا تم الرد على هذا التهجّم يتحول الصحافي إلى "رهينة" في ديوان قضاء التحقيق.
ولكننا اعتبرنا ذلك شبه طبيعي لو ان الدعوى تحركت بناء على شكوى مباشرة تم تقديمها إلى قاضي التحقيق، ولكن ان تقدم الدعوى بداية إلى النيابة العامة التمييزية وكأنها تختص بإحدى جرائم أمن الدولة، ويتم تحويلها على النيابة العامة الاستئنافية التي تدعي فورا امام قاضي التحقيق، فتصبح الدعوى غير طبيعية خصوصا أنها تعطي الوزير ومعه الموالاة حق الكلام كيفما اتفق، وتسحب عن الصحافي القدرة على التعليق والرد والتنوير وصناعة اتجاهات الرأي العام.
وكلنا أمل ان يتمكن القضاء من تصحيح الاعوجاج، ولن نعتبر إبقاءنا لأربع ساعات من دون مبرر في قصر العدل بمثابة إشارة سلبية إلى ما يمكن ان يحصل لاحقاً".
كرم
وتعليقاً على ما حدث في قصر العدل في بيروت مع الزميلين خطاب وخشان قال نقيب المحررين ملحم كرم "ان حرية الصحافة هي من المقدسات التي لا يجوز ان تمس أو ان يقوم بشأنها أي تهاون، ونحن نؤمن بالقضاء وبأحكامه، لكننا نؤمن ايضا بحقوقنا كصحافيين، وهي فروض ومقدسات يمليها المنطق وتمليها النصوص ويمليها العلم والدستور".
اضاف: "اننا إذ نسجل هذا وندعو ألا تتكرر تصرفات كهذه تحدث غلياناً ونقمة عارمة في أوساطنا الصحفية، خصوصاً ان الزميلين اللذين تعرضا هما من الصحافيين المعروفين بمسلكهما النقابي العالي، وبأخلاقيتهما النموذجية الرفيعة".
وشدد على ان سقوط المرسوم 104 "ألغى التوقيف الاحتياطي للصحافيين إلى غير رجعة، وبالتالي نحن ضد استنهاضه بصورة أو بأخرى أيا كان مبرر ذلك".