- أصبحت الحياة الجديدة تحاصر عناترة الزمن القديم، وغدت مظاهر العصر الحديث تضغط على الإنسان غير السوي والمنتفع والمتاجر بالضمائر وبالقيم الإنسانية، قدرت الحضارة الجديدة بمفاهيمها السياسية والثقافية والاجتماعية أن تعطي لمثل هؤلاء الأفراد والمؤسسات أحجامها الحقيقية، وعرّت أوهامها الكبيرة في الانتفاع والظلم وبسط اليد واستعمال النفوذ والمحاباة والمحسوبية والفساد·
- البلد الكبير الذي يريد أن يبسط يده - ليس بالجود والكرم- ولكن على طريقة قبضة المعلم على بلد جار صغير ليعبث بالمكتسبات الجميلة فيه، كالحرية والاقتصاد الحر والديموقراطية والرفاه الاجتماعي والضحكة الغالبة على الـ آه·· و سهولة وبساطة الأشياء فيه، يأتي النظام الدولي الجديد ليقول له: دونك وإلا هدمنا المعبد على رأسك ·
- البنك الوطني الشعبي الحر هذه اللافتة القديمة التي لا تخرج عملة وطنية ولا تدخل عملة أجنبية إلا من تحت إبطه وأختامه الكثيرة والتي بلا داع، أصبح اليوم كالموظف أبوأكمام و بدلة سفاري عدة الشغل بعد الظهر، بنظارته السميكة وببصره القصير الذي يتلاعب به وهج شاشات الكمبيوترات اليوم وهو لا داري ولا هون يأتي بنك صغير رأسماله باب زجاج وبنت في الاستقبال وموظفوه سبور وثلاثة فاكسات للاحتياط، وأجهزة كمبيوتر متصلة بالعالم، ومدير صغير في السن في بداية الثلاثين، منظره لا يوحي للآخرين قوم دقة قديمة بأنه له مستقبل أو هو بشكل أصح مجرد شاب طائش وهامل، يقوم هذا البنك الصغير في الحجم، بمديره الصغير في السن، بملاعبة البنك الوطني الشعبي الحر وينفض عنه غباره وعفن ملفاته ويقول له: من فضلك أخرج ·· فأنت كالعملة القديمة كانت لها قيمة، أما اليوم فهي مجرد ورق لا يجمعه إلا مصانع إعادة التصنيع وهواة جمع العملات، الآن ماكينة صغيرة للصرف في حي بعيد عن المدينة قادرة أن تلعب نفس الدور الذي كنت تلعبه بكسل وبمهل في الأيام الخوالي·
- القبضاي أبوذراع موشوم، وضربة سكين على خده الشمال والشوارب المعقدة والصوت الجهوري قادر شاب صغير وذكي أن يقوده في المدينة الكبيرة التي حتماً سيتوه فيها ويسأل ألف مجرب وألف طبيب وألف شخص مار على الطريق، ولن يصل وبإمكان هذا الغرّ الصغير أن يرميه في الحفر ويرسله إلى ألف داهية·
- المواطن المغلوب على أمره الذي كان يسكّته كم كف، وكم حديث شريف، وكم فتوى مفصّلة على مقاسه، وكم مخبر يرتدي بالطو أغبر، وينظر من ثقب الجريدة القديمة، ويترصد المواطنين على زوايا السكك، ما عاد في الوقت الجديد، عرّفته العولمة وعرّفته تجارب الشعوب، أن هناك واجباً وحقاً وفرضاً وسنّة، وأن هناك ظلماً اجتماعياً وأموراً أساسية بحدها الأدنى، للعيش بكرامة وبعزّة وبصدق مع النفس والآخرين في الوطن الجديد والشريف.