السيد الرئيس
ثمة مصادفة رتبها القدر هذا العام حيث يتزامن حفل تنصيبك لولاية رئاسية ثانية مع اليوم الذي يحتفل فيه المسلمون بواحد من أهم أعيادهم الدينية. هل هي مجرد صدفة تاريخية ساخرة جمعت هذين الإحتفالين في آن معا؟
وفي الوقت الذي تجري مراسيم تنصيبك لفترة رئاسية ثانية أود - بإعتباري مواطناً مسلماً أوروبياً - أن تشاركني بعض الأفكار.

السيد الرئيس
لقد منعت من دخول الولايات المتحدة الأميركية بموجب قرار أصدرته إدارتك حين ألغيت تأشيرة الدخول التي منحت إلي بينما كنت علي وشك إستلام موقعي كأستاذ لمادة القيم الإسلامية في جامعة نوتردام .
وحتي هذا اليوم لم يقدم إلي أحد تفسيراً عن أسباب المنع. أعلم جيداً كما يعلم مسؤولو وزارة الخارجية والأمن القومي بأن الملف الخاص بي لا يحوي أي شيئ. لقد تم إعمال قانون السلامة الوطنية لتبرير هذا المنع وطلب مني إعادة تقديم طلب للحصول علي تأشيرة دخول ولكن حتى هذا الطلب لم أتلق عليه رداً سوى الصمت المطبق، فلماذا أتخذ هذا القرار، ومما الخوف؟
هل أن حرية التعبير الأكاديمية باتت تشكل خطراً يتهددكم؟ أم هل هو الخوف من أن يؤدي ذلك الى زيادة حدة الإنتقاد ضد إدارتكم بغض النظر عن كونه نقداً بناءاً يصدر من مفكر مسلم ؟

ماذا عساك تفعل ببلدك؟
لقد أدنت - كمفكر مسلم - هجمات الحادي عشر من سبتمبر مثلما فعلت الغالبية العظمى من المسلمين في جميع أنحاء العالم. كما أننا أظهرنا التعاطف مع معاناة الشعب الأميركي، فنحن نتفهم مخاوفهم تماماً ونقدر عمق شكوكهم.
وحتي نتجاوز هذه التجربة الأليمة كان لا بد من تحقيق أمرين مهمين: أولاً كان على المسلمين أن يقدموا إدانة صريحة وحازمة لأشكال الإرهاب والتطرف وهو ما فعلوه حتى وإن أتت هذه الإدانة على إستحياء من جانب البعض.
ثانياً كان على الإدارة الأميركية أن توضح بعض الحقائق حول الأسباب التي دفعت بوقوع هذه الأحداث الممقوتة ومن تقع عليه مسؤولية الفشل المعلوماتي المتكرر. لقد كان الأميركيون - شأنهم في ذلك شأن بقية شعوب العالم - بحاجة الى تفسيرات مقنعة والى شفافية في التعامل وفوق كل ذلك كانوا بحاجة الى معرفة الحقيقة.
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أنخرطت إدارتكم في ممارسات مشبوهة وكانت النتيجة أن بعض لجان التحقيق التي شكلت لتقصي الحقائق أرجئ عمله والبعض الأخر شكل بطريقة غريبة. وفي الوقت ذاته غلب الطابع السري على معاملات الإدارة وزاد الصمت المريب وبأسم «الحرب علي الإرهاب» - الذي صار هو المنطق الأوحد لإسباغ الشرعية - سمحت للمسؤولين في إدارتك بأن يتخذوا القرارات وأن يتصرفوا بشكل تنقصه الشرعية وحتى القليل من المصداقية. وبمباركة منك تم إستصدار قوانين تمحو الحقوق المدنية الأمر الذي أثار تساؤلات حول مفهومك لمبدأ حقوق المواطنة. ففي ظل إدارتك تمت مأسسة وشرعنة مبدأ التمييز ضد المسلمين والعرب ولم يعد هناك سقف للتقصي حتى بات الأفراد يعتقلون من دون سبب وأصبح الكذب باسم الولايات المتحدة هو القاعدة.
ومهما كانت اللهجة الإيجابية التي تتسم بها خطاباتك العديدة فالحقائق لا تكذب.
وأحدى هذه الحقائق هي أن كون المرء مسلماً يعيش في الولايات المتحدة اليوم ليس بالأمر الهين. لقد أدى تطبيق قانون السلامة الوطنية إلى النتائج الكارثية ذاتها التي توقعها أكثر المناهضين له. لقد شكل القانون إعتداءً على حقوق المواطنين وأدى إلى تقنين التمييز، وهو يعيد التذكير بالحقبة الماكارثية.
كما أن إلتزاماتك على الساحة الدولية تثير قلقاً مماثلاً. فالغزو الأميركي لأفغانستان تسبب بمقتل آلاف الأبرياء والمدنيين، الذين لم تكن لهم علاقة بهجمات سبتمبر، ولم يؤد لتسوية الأوضاع هناك. اذ لا يزال أسامة بن لادن هارباً بينما تتم ممارسات التعذيب تحت سمع وبصر إدارتكم حتى صارت من قبيل الروتين بحسب تقارير منظمة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش).
إن المعاملة غير الإنسانية لسجناء غوانتانامو التي صارت تحت إدارتكم بمثابة منطقة لا تعترف بمبدأ حقوق الإنسان لهو أمر مخزٍ. وقد كان الغزو الأميركي للعراق بمثابة دليل آخر يؤكد أن هذه الممارسات التي تتسم بالكذب والإستغلال المنظم ومقتل عشرات الآلاف من العراقيين وكذلك المئات من الجنود الأميركيين قد باتت أمراً روتينياً.
إن الأحداث المروعة التي وقعت في سجن أبو غريب والتي بدت كأنها كشف لعمليات التعذيب تعكس في واقع الأمر حقيقة أن التعذيب صار مؤسسياً من أفغانستان الى غوانتانامو.
ويجب أن لا تقع التبعية بالأساس علي الجنود الأميركيين في العراق فهناك أناس على قمة الهرم بإدارتكم قد أعطوا هؤلاء الجنود الضوء الأخضر للقيام بممارسات كهذه.
السيد بوش، هل نفهم من ذلك أنك شخص يؤيد ممارسات التعذيب التي ترتكب بحق العرب والمسلمين؟ هل هذه هي الرسالة التي يجب أن نفهمها من تلك الممارسات؟
لقد تأسست سياسة إدارتكم خلال السنوات الثلاث الماضية على تقديم القوة العظمي الأميركية في صورة الضحية الى الحد الذي باتت معه في المقابل لا تلق بالاً أو أحتراماً لحقوق الإنسان الأساسية. وبدلاً من أن تكون مهمتك تهدئة المشاعر من خلال العمل على كشف الحقيقة والحوار أخترت أن تثير مخاوف الأميركيين وتبقي عليهم في حالة جهل تام بما يحدث بل وصل الأمر إلي حد الكذب عليهم. لقد كان من المتوقع أن تساهم إدارتك بمساعدة الشعب الأميركي في تخطي مأساة هجمات الحادي عشر من سبتمبر إلا أنها تعمل علي تكريس الأزمة بشكل خطير.
لقد فزت بالولاية الثانية من خلال العمل على إذكاء المخاوف لدى المواطنين الأميركيين لكنك قدمت نفسك اليهم بإعتبارك الضامن الوحيد لأمنهم. وبالتالي حققت الفوز لأنك لعبت على مشاعر الأميركيين لا على ذكائهم.

السيد الرئيس
لقد زرتُ الولايات المتحدة أكثر من عشرين مرة خلال الثلاثة أعوام الماضية وأنا أعلم أن بلادكم تزخر بالأشخاص الذين يتسمون بالذكاء والصراحة، فكثير من المواطنين الأميركيين لا يمكن خداعهم بسهولة وهم لا يخجلون من الصورة التي تقدمها أنت للولايات المتحدة فحسب وإنما هم يشعرون بشكل أكثر عمقاً بالخجل من الطريقة التي تسعى بها الى تحويل أميركا إلى قلعة محاصرة بالخوف والعجرفة.
لكوني مواطناً مسلمًا أوروبياً تخيفه وتزعجه أحادية النهج الذي تتبعونه والتطرف الخطير الذي تتسم به سياسات إدارتكم، فإنني أدعو المسلمين اليوم الى أن يتجهوا بأنظارهم الى المواطنين الأميركيين ليسعوا معاً الى تحقيق الآمال. وإذا كان المسلمون علي حق بألا يثقوا بك فعليهم أن يفرقوا بين الشعب الأميركي من جهة وبين أولئك الذين يناصبونهم العداء داخل إدارتك.
لقد مر أسبوعان منذ أعلنت تأييدك وتعاطفك مع ضحايا كارثة تسونامي وذلك في بادرة منك لتبين للمسلمين أنك قادر علي إظهار التعاطف وأنك تحترمهم. غير أن عليك أن تعلم، سيادة الرئيس، أنه على رغم إدراكهم فداحة الكارثة فإن المسلمين يظلون على يقظة من أمرهم، وأعلم أنك لن تكسب ثقتهم باللعب علي مشاعرهم.
بدأت ولايتك الثانية في 20 كانون الثاني (يناير) وقد قدمت نفسك الى الشعب الأميركي بإعتبارك الحل، ولكن لأصارحك القول: المشكلة فيك أنت فقد سعيت دوماً الى تعميق الهوة بين الولايات المتحدة وبقية أنحاء العالم، ليس العالم الإسلامي فحسب، وإنما في أوروبا أيضاً.
ولكوني مواطناً مسلماً أوروبياً فإنه كان يحدوني الأمل بأن إقامتي في الولايات المتحدة ستجعلني أسهم في تقديم بعض من النقد البناء، غير أن إدارتك أرتأت إبعادي شأني في ذلك شأن الكثيرين من المفكرين المسلمين وذلك بغية أن تحصن إدارتك نفسها ضد فكرة النقاش والحوار.
لقد أتخذت قراراً نهائياً بألا أستقر في الولايات المتحدة وأنا لا أعلم كيف يمكن خلال فترتك الرئاسية الثانية أن تتخلص من الرؤية المانوية التي تحكم نظرتك للعالم وتفسيرك للأحداث. ولا أعرف كيف يمكن إقناعك بأن تستخدم أكاذيب أقل وحقائق أكثر. ولكني أعلم جيداً أن المسلمين احتفلوا يوم 20 يناير بدين يؤمنون بأنه أقوى من كل الأهواء، وأنهم إذا تمكنوا بضمير قوي وحسن فطنة من أن يضعوا حداً فاصلاً بين إدارتك وبين الشعب الأميركي وأن يواصلوا الحوار مع أولئك المواطنين الأميركيين الذين لم تعميهم المخاوف التي تثيرها حينئذ فقط فإن الأمل سيظل قائماً.
هذا هو الأمل الوحيد إلا إذا أصابتك مسحة من النبل تجعلك تدرك بأنه من أجل سلامة هذا الكون يجب عليك أن تغير سياساتك.