لندن من فيصل حيالي: حافظت المغرب على علاقاتها مع الاوروبيين من خارج المنظومة الفرانكفونية التقليدية ووجدت في التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي مع بريطانيا مجالاً رحباً لتعزيز تنوعها وانفتاحها في عالم بات يحتم عليها توسيع العلاقات· وكذلك كانت بريطانيا حريصة على تعميق تلك الصلات مع المغرب بوصفه البلد الاكثر اهمية بين الدول العربية التي كانت على صلة تقليدية مع الفرنسيين المنافسين التقليديين بفعل استعمار فرنسا للمغرب فترة طويلة من الزمن·
ولعل الرسالة واضحة في تخصيص كرسي الملك محمد السادس للدراسات المغربية والمتوسطية بجامعة اوكسفورد اعرق الجامعات البريطانية في شهر اكتوبر من العام الماضي·
وطالما وجدت لندن في الرباط عاصمة للتوازن العربي في مواقف وازمات صعبة وخاصة ازاء الملف الفلسطيني وقضية السلام في الشرق الاوسط حيث كانت الرباط محافظة على صوت الاعتدال في المنطقة وادارت ملف لجنة القدس الذي ترأسته بطريقة هادئة وحظيت برضى مختلف الاطراف الدولية المعنيين بصراع الشرق الاوسط·
ولا يمكن فصل التقارب الاسباني المغربي الاخير حيث لقاء الملكين قبل ايام الا في اطار تسليم اسبانيا التي اعلنت في السابق مواقف متشددة من المغرب بانه ليس من المصلحة الاوروبية استمرار اجواء الازمة بينهما وحسب احد المعلقين البريطانيين فان نصيحة من اعلى المستويات في لندن ارسلت عبر مبعوث الى مدريد السنة قبل الماضية مفادها ان المغرب يجب ان لا تكون حكرا على دولة واحدة في العلاقات المتميزة ويقصد فرنسا وان لها اهمية كبرى في نظر الغرب وليس من مصلحته استمرار اجواء غير مستقرة بين الاسبان والمغاربة·

ويرى البريطانيون ان المغرب بلد مستقبل بوضوح وسلاسة لرؤى الاصلاح والانفتاح وان السمة الاسلامية والعربية التي يحوز عليها تجعل العلاقة اكثر توازنا وثقة بين العرب والغرب وانه لم يخضع لقيود فرضتها حقبات سابقة او تجاذبات النفوذ الدولي في القارة الافريقية او على سواحل المحيط الاطلسي· واستجابة لنوازع الاستقلالية الهادئة للمغرب في التعاطي مع الشأن الدولي والاقليمي وجد البريطانيون ان الرباط ركيزة ذات مواصفات تتناسب ايجابياً مع تحولات العولمة لتوثيق العلاقة بين ضفتي الاطلسي وضفتي شمال افريقيا واوروبا أيضاً·
ان تلك هي اسباب عامة جعلت بريطانيا ترسخ مفاهيم صداقتها مع المغرب وتسعى لتنميتها وتطويرها·
واعلنت بريطانيا اكثر من مرة عن رضاها بالاجراءات التي اتخذتها السلطات المغربية ضد (الجماعات الارهابية) لاسيما انها عانت منها في تفجيرات الدار البيضاء لذلك وجدت ترحيب وزارة الخارجية البريطانية باعتقال المغرب لعناصر من جنسيات عربية يعملون في شبكة القاعدة حاولت تنفيذ عمليات كبرى قبل سنتين ويرى البريطانيون ان الرباط سند مهم في الحملة المستمرة على الارهاب
المغرب ام اسبانيا؟
وفي ايام الازمات وخاصة تلك التي نشأت في المحيط الاوروبي مع المغرب عندما اعلن الاتحاد الاوروبي وقوفه ضد المغرب في تموز (يوليو) عام 2002 في النزاع بين اسبانيا والمغرب على جزيرة ليلى ووصفوا الموقف المغربي حينئذ بانه اعتداء على السيادة الاسبانية· في تلك الازمة وجدنا بريطانيا لا تذهب بعيداً في انتقاد الموقف المغربي ولعلها اكتفت بذلك الموقف الجماعي الاوروبي ولم تحاول ان تبدي استفزازا لعلاقتها المستقرة مع المغرب لصالح دولة مؤسسة في الاتحاد الاوروبي هي اسبانيا· فبريطانيا لم تكن مستعدة للتضحية بصديق مهم لا يوجد شوائب في العلاقة معه هو المغرب من اجل حليف اوروبي مازال يثير خلافا مع بريطانيا حول حكم صخرة جبل طارق تلك المنطقة التي مساحتها ستة كيلومترات مربعة في اقصى شبه جزيرة ايبيريا التي سبق ان استعمرتها وبنتها بريطانيا عام 1713 وتطالب اسبانيا بسيادة كاملة عليها· واظهرت مواقف متشددة وغريبة ازاء لندن التي وافقت على اقتسام الحكم في جبل طارق مع اسبانيا وتفاوضت على هذا الاساس بالرغم من ان زعيم المستعمرة البريطاني رفض التنازل للاسبان بشدة ورأى ان بريطانيا هي التي عمرت الارض المتروكة·
الاستثمار والسياحة
كانت الشهور الماضية حافلة باتصالات نوعية بين المغرب وبريطانيا على جميع الاصعدة افضت الى اطلاق عدد من الفعاليات السياسية والاقتصادية المجددة الكفيلة بتنمية وتطوير العلاقات بين البلدين· وكان هناك طموحات كبيرة معلنة من الطرفين تتمثل في اسكتشاف الوسائل الكفيلة بالارتقاء بالعلاقات الاقتصادية الى نفس المستويات السياسية التي شهدت تطويراً وتبادل ثقة·
وجاء في هذا الاطار الزيارات المتبادلة بين المسؤولين والنشطاء الاقتصاديين المغاربة ونظرائهم البريطانيين·
وكان في مقدمة الاشنطة زيارة الامير آندرو دوق يورك للمغرب في مارس الماضي لمدة ثلاثة ايام على رأس وفد من رجال الاعمال البريطانيين الذين ينتمي اغلبهم لقطاع السياحة· حيث دعا الامير البريطاني خلال المباحثات التي اجراها في المغرب الى انعاش وتنمية الاستثمارات البريطانية في المغرب الامر الذي دفع عدد من رجال الاعمال البريطانيين الى البدء بمشروعات استثماريات على النطاق السياحي والتنموي في المغرب·
ثم جاءت زيارة الوزير الاول المغربي ادريس جطو لبريطانيا بدعوة من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يومي 29 و30 نوفمبر الماضي حيث حظى الجانب الاقتصادي بحصة الاسد من مباحثاته مع المسؤولين والاستثماريين الاقتصاديين البريطانيين·
آفاق جديدة للتعاون
واستغل المغرب هذه الزيارة لشرح الاختيارات الاقتصادية والسياسية الممكنة والطموحة للمملكة والخطوات التي قطعتها على طريق الاصلاح ودعوة الشركات البريطانية الى المساهمة في اشغال البنية التحتية التي يشهدها المغرب والمشاركة في برامج الخصخصة وتعزيز التبادل التجاري المشترك ومثل قطاع السياحة كذلك مرة اخرى محور مباحثات الطرفين حول تنمية العلاقات الاقتصادية الثنائية حيث اعتبر الجانبان هذا القطاع نموذجا للتطور الايجابي للمبادلات بين المغرب وبريطانيا وهو ما تجلى في الاتفاق المبرم مع شركة النقل الجوي (بريتش ايروايز) القاضي بالرفع من عدد رحلاتها نحو مدن اغادير وفاس ومراكش وكذلك ازدياد نسبة السياح البريطانيين المتوجهين الى المغرب خلال التسعة اشهر الاولى من عام 2005 بنسبة 24 في المائة· وفي هذا السياق جاءت المشاركة المغربية
المتميزة في الدورة 25 للمعرض الدولي للاسفار بلندن وساعد هذا المعرض المملكة في التعريف بامكاناتها السياحية وتقديم المغرب كوجهة متميزة خاصة وانه تم اعتبار السوق السياحية البريطانية سوقا تحظى بالاولوية ضمن استراتيجية تنمية القطاع·
وعلى الصعيد ذاته تم ابرام عقد شراكة لمدة ثلاث سنوات مع المنعش السياحي البريطاني الكبير (توي ــ اوكي تومسون) الذي يعد اول منعش للقطاع على الساحة الدولية واذا كانت سنة 2004 قد شهدت اعلان الطرفين عن رغبتهما في تدعيم علاقاتهما الاقتصادية من خلال وضع الوسائل والآليات الكفيلة بالارتقاء بها الى المستوى المأمول فان سنة 2005 سوف تشهد من دون شك تنفيذ عدد من المشاريع المحددة والمبرمجة·
ثالث سوق للصادرات المغربية
واذا اردنا معرفة حجم اهتمام المغرب وبريطانيا بتطوير علاقتهما بما يناسب التفاهم السياسي بينهما على ملفات شائكة نقرأ تصريح سفير بريطانيا في الرباط السيد هايدن وارن الذي قال ان بلاده تعد ثالث سوق للصادرات المغربية وان حجم تغطية الواردات المغربية من الصادرات نحو هذا السوق بلغ نسبة 131 في المائة وهو ما يشكل اعلى مستوى خلال السنوات الخمس الاخيرة· واشار الدبلوماسي البريطاني في حديث نشرته مؤخرا صحيفة (لانوفيل تريبون) الى ان المبادلات التجارية بين البلدين سجلت ارتفاعا خلال سنة 2003 لتحقيق قيمة اجمالية قدرها 11,5 مليار درهم مشيرا الى ان هذه المبادلات ارتفعت بشكل ملموس خلال الشعرية الاخيرة وان بلاده تعد حاليا من الشركاء التجاريين الخمسة الاوائل للمغرب· وقال السفير ان السياح البريطانيين احتلوا سنة 2003 المرتبة الرابعة ضمن السياح الاجانب الذين اختاروا وجهة المغرب حيث بلغت مداخيل هذا التدفق السياحي زهاء 1,4 مليار درهم مقابل 1,2 مليار درهم سنة ·2002
وعن مكانة بريطانيا في مجال الاستثمارات بالمغرب ابرز هايدن وارن ان بلاده كانت تحتل المرتبة السادسة خلال الفترة الممتدة من سنة 1992إلى2000 مبرزاً ان حوالي 30 الف مغربي يشتغلون في 150 مصنعا تعمل بالمغرب لفائدة صناعة النسيج البريطانية· وبعد ان ذكر بان قطاع النسيج يطال نسبة 50 في المائة من المبادلات التجارية في الاتجاهين اعرب الدبلوماسي البريطاني عن اقتناعه بانه وفضلا عن هذا القطاع الحيوي هناك امكانيات لتكثيف المبادلات بين البلدين· ورأى ان السياحة مجال للشراكة قابل للتطوير مبرزا ان بريطانيا التي تعد ثاني اكبر بلد مصدر للسياح في العالم تساند برنامج الاستثمارات المغربي الرامي الى بلوغ 10 ملايين سائح سنة 2010 وان بامكانها ان تصبح الشريك المفضل للمغرب سياحياً·
وفي الدورة الرابعة لمهرجان مراكش للسينما الذي انعقد العام الماضي نجد ملامح من الانسجام الثقافي بين مؤسسات مغربية واخرى بريطانية حيث كان البريطاني الان باركر على راْس لجنة التحكيم وقد حظي بدعم مغربي كبير في القرارات التي اصدرها او صادق عليها· وهو الذي يتمتع بمنزلة عالمية حيث يرأس المجلس البريطاني الحالي للسينما· وفي ذلك المهرجان حضر النجم البريطاني شين كونري وكرم لدوره الشهير في تجسيد شخصية جيمس بوند· وكان الجمهور المغربي يتذكر على الدوام مشاركة الممثل كوبري للممثل المغربي الراحل العربي الدعمي في فيلم (الرجل الذي طمح ان يكون ملكا) والذي صور قبل ثلاثين سنة في المغرب· وفي لندن احتفت ثلاث صالات بريطانية على الاقل بالفيلم المغربي (الملائكة لاتحلق فوق الدار البيضاء) الذي رحبت الصحافة الفنية البريطانية به بحرارة·
وكان البريطانيون قبل اشهر مع حضور مدهش للمغرب عبر سفارتها بلندن في الاسبوع الذي خصص للتعريف بالاسلام·
هناك عناية بريطانية للانفتاح الثقافي على المغرب ينسجم مع الانفتاح السياسي والدبلوماسي.