عبد الرحمن الراشد: منذ ان فر أحمد الجلبي من بغداد، وهو الذي دخلها فاتحا كونه مهندس مشروع الغزو، بعد ان اتهمه حلفاؤه بالخيانة وبيع اسرارهم الى ايران، منذ ذلك الحين، وهو يحاول العودة الى الواجهة السياسية العراقية، ولو من نافذة رجال الدين، رغم اختلافه الفكري والسياسي معهم.
ولأن الجلبي متمرس في العمل السياسي المعارض، لم ييأس من تسويق نفسه بين أهالي الجنوب العراقي، الذين لا يعرفونه كثيرا، ولا ينسجم مع مقاييسهم الانتخابية. أخيرا، وجد حيلة للوصول اليهم، عبر أقصر الطرق، الوعود المالية. طرح على اهالي البصرة وميسان والناصرية نظرية سهلة، ان يأخذوا خمس النفط قبل ان يصل الدولة. يريد اغراء المنطقة التي يعرف انه لو امسك بها انتخابيا، قبض على بغداد عن بعد، وتحديدا المحافظات الاساسية الثلاث. الاغراء المالي محرك قوي في اي نقاشات شعبية، او انتخابات حرة، والجلبي يعرف اهميته للجنوب الفقير، ويريده ان يكون طعمه الانتخابي، الذي لا يكلفه الا ان يكون محاميها.
الحقيقة ان الجلبي منذ زمن يحاول بيع فكرة فدرلة الدولة، مشيرا الى ان العراق في اساسه مفدرل اثنيا وجغرافيا واقتصاديا، ويعتبرها حلا سياسيا مريحا لهذا البلد الواسع الارجاء. لكن مشروع تقسيم العراق فيدراليا منذ قبل غزو البلاد، يواجه معارضة شديدة من اطراف داخلية وخارجية. فالاتراك يعتبرونه بذرة حرب مع الدولة الكردية ويهدد استقرارها الداخلي، وكذلك يمس ايران التي تواجه مشكلة مشابهة، حيث توجد مناطق نفطها جغرافيا في تجمعات عربية الأصول. وقد رضخ الاميركيون الى رغبة دول المنطقة المعارضة للفيدرالية، ووافقت على المحافظة على الصورة القائمة للخريطة العراقية. والولايات المتحدة قد تضطر الى تغيير موقفها اذا وجدت ان المثلث السني المضطرب، مصر على مقاطعته للحياة السياسية ومعارضتها بقوة السلاح، الذي يعني ان مركزية بغداد لكل العراق لم يعد لها معنى، اذا كانت عاجزة عن إخضاع منطقتها نفسها.
دعوة الجلبي محاولة تسويق ذاتي في الانتخابات، وقد منحته الدعوة التقسيمية الاهتمام الذي ينشده في الاعلام العراقي والعربي، واوصلت فكرته الى الجمهور الذي يريد شراء اصواته. ففي الانتخابات كل يريد استمالة الجمهور. الوزير حازم الشعلان يقول انه يتفهم لماذا يحمل السنة السلاح في وجه نظام يسمح بوجود الاحزاب الدينية بما يهدد تمثيلهم، ورئيس الوزراء يعد مواطنيه بالأمن، وقائمة الحكيم تذكرهم وتحذرهم من الديكتاتورية مرفقة بصور الجماجم، وهكذا.
ومع ان فكرة الفيدرالية ليست خاطئة، وقطعا ليست خطيئة، على اعتبار انها واحدة من صيغ الحكم المجربة والناجحة في العالم، مثل المانيا والولايات المتحدة والامارات العربية المتحدة، الا ان الوضع العراقي ليس مهيأً بعد لمثل هذا الطرح. وسيأتي يوم مناسب عندما يستقر العراق بشكل كامل، وبعدها يمكن للفيدرالية ان تكون مضمونة العواقب، لا مدخلا لتفكيك البلاد وادخاله في حروب تمزيقية.

[email protected]