قد لا تبدو تصرفات ابنك او شقيقك مثيرة للقلق.. ولكنه ربما كان قد وضع قدمه على اولى درجات الضياع. قد لا تبدو اهتماماته او علاقاته مدعاة لتدخلك وتوجيهك له.. ولكنه ربما كان قد توغل بعيدا عنك وعن الاهل جميعا.. والاصدقاء. ربما كانت المسألة انكبابه على اشرطة الاناشيد الدينية او الفيديو و«قصص البطولات الاسلامية» والمجاهدين. او ربما مجموعة كتيبات وكتب ونشرات اعطاها له صديق او اشتراها من بعض مكتبات حولي. او لعلك رأيته لا يشاهد في التلفاز الا البرامج الدينية و«المحطات الاسلامية» او يتابع في الانترنت كتابات مشايخ الارهاب.

هذه كلها، رغم انها لدى البعض من علامات الصلاح والفلاح، مؤشرات ونذر لما قد يحدث لابنك او قريبك.. بعد فترة لا تطول من الزمن. كان أصدقاء السوء في الماضي هم فقط المدخنون او المنحرفون اخلاقيا او ذوو اللسان السليط، وقد يكون اصدقاء ابنك من المصلين والمستقيمين وممن يبدون ابعد الشباب عن المشاكل، ولكن هذا النفر «الصالح»، المتردد بانتظام على المسجد، قد يدمر مستقبل ابنك.. ان لم تنتبه للتفاصيل!

الكثير من الامراض الخطيرة ليس لها اعراض منذرة في البداية، كالضغط المرتفع والسكر والامراض الخبيثة ولكن بدايات الانزلاق في درب التشدد والارهاب لحسن الحظ.. لها اعراض.

وعندما ترى بدايات المرض لا تنتظر استفحال الداء، فالأمراض الخطيرة في معظم الاحيان تهدد حياة المريض وحده بينما التشدد والارهاب يهدد تماسك العائلة وأمان الوطن وحياة المواطنين!

ما العلاج؟
لا تبدأ تدخلك بمعركة عائلية وبتسفيه آراء ابنك والتهجم على اصدقائه وتكسير الاشرطة وتمزيق او مصادرة الكتب وحبس الولد.
فأنت في هذه الحالة تلجأ للحل القمعي والمصادرة والسجن، وهذه خطوات لا تعالج المشكلة.
ثم ان هذا الشاب ترك مهملا لمصيره فترة طويلة، وتريد انت ان تغيره بالقوة بين ليلة وضحاها.. وهذا مستحيل.
ولهذا يقول جميع الكتاب والساسة والقادة للحكومة بأنه لا يمكن ان تتركي هذه التوجهات والمجموعات والنشرات والمخيمات تنمو بلا رقيب، وهذه المناهج المدرسية بلا تعديل، وهذه المجموعة المتعصبة من مدرسي ومدرسات الدين وتفسير القرآن دون تنبيه، ثم تضربي الارهاب فجأة.. «بيد من حديد»!!
عليك في اصلاح الابن والقريب ممن تخاف عليه من الانخراط في النشاطات الارهابية، ان تكسب ثقته اولا، وان تتفهم منطقه وفكره، وان تجيب بطريقة مقنعة عن اسئلته.

عليك، ثانية، ان تبين له تعدد الآراء والاجتهادات في اوامر الدين وتوجيهاته، وان الرأي الذي يتبناه في الجهاد والعقيدة وكراهية غير المسلمين واحكام الدولة، تقابله آراء كثيرة اخرى لم يطلع عليها حتى الآن.

عليك، ثالثا، ان تتجنب قدر المستطاع الدخول معه في جدل ديني، بل حاول ان تشرح له حقائق الحياة وتعقيدات السياسة والاقتصاد، واستحالة علاج كل المشاكل بطريقة سريعة وبحل سحري، وبأن المسلمين اليوم جزء من سكان العالم، وسكان العالم ينفرون من الحلول القائمة على العنف والارهاب.

عليك، رابعا، ان تعيد دمج هذا الشاب بالحياة الطبيعية والعائلية، وان تشرح له بعض المشاكل الواقعية التي تجابه العائلة او المجتمع او الدولة او حتى العالم العربي والاسلامي، وان العنف والتشدد لا يحل هذه المشاكل.

عليك، خامسا، ان تنوع ثقافته ان كان يحب القراءة فالمادة الدينية جزء هام من ثقافة مجتمعنا، ولكن لا بد من توجيه هذا الشاب نحو القراءة في اللغة والآداب والتاريخ وسير الشخصيات وفي السياسة والاقتصاد، ومتابعة الصحافة، وغير ذلك.

وعليك، سادسا، ان تساعده في ايجاد هدف لحياته وفي التوجه نحو اختصاص ما والتركيز على مجال من المجالات، في مستقبله الدراسي او الوظيفي.
باختصار.. قم ببعض هذه الخطوات.. استشر بعض ذوي الرأي.. افعل شيئا ازاء هذه المشكلة.. بدلا من ان تخدع نفسك، او ان تغمرك السعادة والثقة لأن لديك ولدا شديد التدين والصلاح.. بينما هو في الواقع قنبلة موقوتة على وشك الانفجار!