مصطفي الـضمراني: في البداية‏..‏ اقدم التهنئة للشعب السوداني الشقيق بمناسبة اتفاق السلام النهائي الذي وقعته الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان والذي سينهي بإذن الله اطول حرب في القارة الافريقية‏.‏ ويحقق المصالحة بين الشمال والجنوب والدور الذي قامت به مصر بة الرئيس مبارك في تحقيق مسيرة السلام بالسودان‏,‏ واشاد به الرئيس السوداني عمر البشير وبهذه المناسبة نخصص مقالنا اليوم عن العلاقات الثقافية المصرية السودانية حيث يشكل العمل الثقافي رافدا مهما للدور المصري في السودان وهو دور مطلوب في الوقت الحاضر اذ يصر عل كثير من السودانيين لما يمثله من دعم للهوية العربية والثقافية المصرية ولذا فان قضية تنمية العلاقات الثقافية بين مصر والسودان تعتبر من اهم القضايا التي تفرض نفسها علي العمل الثقافي المصري باعتباره منطلقا لأي علاقات أخري بين البلدين الشقيقين ويؤيد ذلك ان السودان عرف الحضارة المصرية القديمة قبل غيره وشارك مصر في الارتباط بتلك المؤثرات الثقافية وكانت مصر الباب الرئيسي لدخول الاسلام في السودان ولها دورها ايضا في تكوينه الحديث‏.‏ كما كان للأزهر الشريف دوره في تنمية العلاقات الثقافية بين البلدين‏,‏ وتشير آخر اسات التي قامت بها شعبة الثقافة بالمجالس القومية المتخصصة الي ان اربعة ملايين ونصف مليون سوداني لجأوا الي مصر في اواخر التسعينات منهم نحو‏600‏ الف جنوبي يعيش كثير منهم في احياء معينة من العاصمة واطرافها بالاضافة الي مجموعات كبيرة من الاسر السودانية تقيم فكل محافظات مصر‏,‏ وإن مؤثرات مصرية كثيرة حدثت طوال فترة بقائهم كما تأثر بهم المجتمع المصري ذاته وظهر ذلك بوضوح في العادات الاجتماعية السودانية في الافراح المصرية واستخدام الثياب السودانية المزركشة والحناء السودانية وغيرها‏,‏ وتشير الدراسة ايضا الي الخلالتاريخية للدور الثقافي المصري في السودان وذلك بهدف تعريف الاجيال الجديدة بمدي عمق العلاقات المصرية ـ السودانية ونجاحها في توثيق وتعميق روح الود والوفاء التي جمعت بين الشعبين والذين يقرأون التاريخ يتبين لهم ما يلي‏:

‏*‏ ان لمصر دورا ثقافيا ملموسا في السودان طوال تاريخه المسجل‏,‏ ويبدو ذلك واضحا بمطالعة الآثار السودانية القديمة التي لا تختلف عن نظيرتها المصرية إلا في اللون الداكن نسبيا للوجوه النوبية مقارنا بأخوانها من الوجوه المصر

‏*‏ ان التأثير الثقافي المصري في العصور القديمة يظهر في العديد من الملامح قبل وجود المعبودات المصرية القديمة بالنوبة السودانية ووجود ظاهرة الاهرامات فضلا عن عادات الملبس والمأكل والتقاليد الاصيلة المشتركة بين الشعبين الشقيقين

‏*‏ كان السودان في العصر الاسلامي هو البلد الوحيد الذي مثل في الازهر الشريف برواقين كبيرين من اروقة الدراسة للطلاب الوافدين وهما رواق الفور لابناء غرب السودان ورواق النارية لابناء سلطنة الفونج‏.‏ وكان لهما شهرتهما بين الاروقة

‏*‏ في عهد حكم اسرة محمد علي ـ‏1821‏ ـ‏1884‏ ـ كان لمصر دور كبير في بناء وحدة السودان السياسية‏,‏ فبعد عهد طويل من الحياة في ظل فرقة سياسية جمعت مصر اقاليم السودان اقليما وراء اقليم وهو دور تاريخي معروف لكل السودان

‏*‏ ظهرت في السودان في هذه الفترة مجالس علمية وثقافية لحكمداري السودان وبنت مصر مدنا جديدة مثل الخرطوم وكسلا وسواكن وانشأت مقار للحكم والقضاء ومساجد وادارات اسهمت في توثيق وتدعيم وتقوية الروابط المصرية السودانية

‏*‏ نفي عباس حلمي‏1849‏ ـ‏1854‏ ـ رفاعة الطهطاوي الي السودان ليتولي ادارة احدي المدارس‏,‏ ويعتز السودانيون بفترة وجوده معهم لاسهامها في النهضة الثقافية السودانية

‏*‏ دعمت مصر تأسيس معهد ام درمان ـ جامعة ام درمان الاسلامية فيما بعد ـ وذلك بموافقة قادة الميرغنية والانصار‏,‏ وقدم الازهر كل تأييد لهذا المعهد ذي الطبيعة الدينية الاسلامية‏,‏ كما توسعت مصر بعد الحرب العالمية الثانية في تعليم السودانيين وايفاد النابهم الي الخارج للدراسة‏.

‏*‏ ولم تغفل مناقشات الخبراء بشأن هذه العلاقات الدور الذي قامت به ثورة‏23‏ يوليو في دعم العلاقات المصرية ـ السودانية حيث اسست مصر بعد الثورة اتصالا قويا مع الاتجاهات المؤمنة بوحدة وادي النيل من الاحزاب الاتحادية ومع الجنوب

‏*‏ افتتحت مصر خلال الحكم الذاتي في السودان‏53‏ ـ‏1956‏ ـ الذي قام بمقتضي اتفاقية السودان في‏13‏ فبراير‏1953‏ بين مصر وبريطانيا ـ فرع جامعة الازهر بالخرطوم وضم كليات الآداب والحقوق والتجارة وشيئا فشيئا ضم الفرع اكبر عدد من المتعلمين السودانيين فيدة وضم هذا الفرع قبل اغلاقه‏24‏ الف طالب وهو عدد يكاد يساوي كل طلاب الجامعة السودانية‏,‏ كما وفر الفرع اعدادا كبيرة من الدارسين وموظفي البنوك والمحامين بالسودان‏,‏ واسهم في رفع المستوي الثقافي والتعليمي بالبلاد كما اسهم ايضا في تعريب النظامين القضائيتصادي‏.

‏*‏ وقد أسعدني الحظ ان اتابع حفلات سيدة الغناء العربي في الخميس الاول من كل شهر والتي كانت تنقلها الاذاعة المصرية علي الهواء مباشرة والتقي مع شاعر السودان الكبير الهادي آدم الذي غنت له ام كلثوم احدي قصائده أغدا القاك وشعرت بمدي الابتهاج والفرحة التي ملأتلوب ملايين المستمعين في مصر والسودان الذين تجمعوا حول الراديو لسماع هذه القصيدة من ام كلثوم وتلحين محمد عبدالوهاب ويومها قال لي الهادي آدم إن فرحتي مضاعفة لانني لم ابعث بهذه القصيدة لام كلثوم ولكنها اختارتها من ديواني دون ان تراني‏,‏ ولاتزال هذه القصيدة مقدمة المقتنيات الفنية التي يعتز بها السودانيون في عصر زمن الغناء الجميل‏.

‏*‏ احتل الكتاب المصري والمسلسل المصري مكانة مرموقة في السودان ووصلت العلاقات المصرية السودانية الي الحد الذي لا ينافس خاصة لدي الافراد والجماعات السودانية التي لها علاقات مصاهرة مصرية والعاشقين للكتاب المصرية

‏*‏ لا ينسي السودانيون الزيارة المهمة والتاريخية التي قام بها الرئيس مبارك للسودان في ابريل‏2003‏ لاول مرة منذ عام‏1989‏ وقد مثلت هذه الزيارة تأييدا واضحا من مصر للسودان وجاءت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لمصر في منتصف يناير‏2004‏ كخطوة مهمة فيلاقات المصرية السودانية حيث تم خلالها الاتفاق علي عودة الامانة العامة للتكامل بين البلدين لاول مرة منذ توقيعها عام‏1985,‏ والمسارعة بعودة التكامل المصري السوداني وشهدت اللجنة المشتركة بين البلدين تفعيل كل سبل التكامل بينهما وتوقيع اتفاق الحريات الاربع ـ نقل والإقامة والعمل والتملك كحق لمواطني الدولتين في البلد الآخر‏.

‏*‏ ونحن من جانبنا اذ نشكر كل الجهود التي يبذلها خبراء الشعبة بالمجالس القومية ودعوتها لدعم وتنمية العلاقات الثقافية المصرية ـ السودانية من خلال دعوة الحكومة والمنظمات والجمعيات الاهلية ورجال الاعمال والازهر والكنيسة المصرية والمثقفين والمفكرين والجامعييلتفعيل العمل الثقافي المصري ـ السوداني في المرحلة القادمة‏....‏ونحن في الانتظار‏