جبران تويني: الذين استمعوا الى خطابي الرئيس اميل لحود امام السلكين الديبلوماسي والقنصلي وخطاب الرئيس كرامي أمام السلك القنصلي، لاحظوا خلوها من المنطق الذي يفترض ان يحكم هذا النوع من الخطب التي توجه الى اشخاص غير عاديين، يتمتعون بمستوى عال من الثقافة والخبرة، ولا يستسيغون اللغة الخشبية التي خاطبهم بها الرئيسان، اذ لم يفهم السفراء وكذلك القناصل، كيف يمكن ان يشكل القرار 1559 خطراً على وحدة لبنان وامنه واستقراره.

وهل من يفسّر لنا ولهم كيف تشكل المطالبة باحترام سيادة لبنان واستقلاله خطراً على وحدته واستقراره وامنه؟

وكيف تشكل المطالبة بانسحاب كل القوات الاجنبية من لبنان خطراً على وحدته واستقراره وامنه كذلك؟

وكيف تشكل المطالبة بحل كل الميليشيات وبألاّ يكون في لبنان سلاح الا السلاح الشرعي الموجود في ايدي العناصر التابعة لمؤسسات الدولة، كيف يشكل ذلك خطراً على وحدة لبنان واستقراره وامنه؟

وكيف تشكل المطالبة باحترام الديموقراطية والانتخابات الحرة خطراً على وحدة لبنان واستقراره وامنه؟

... وكيف تكون كل هذه المطالب مطالب اسرائيلية حسب قول الرئيس كرامي.

وكيف يشكل الاعتراف بلبنان والاصرار الدولي على سلامته ارضاً وشعباً خطراً على وحدته واستقراره وامنه؟

وهل من يفسّر لنا تلك البدعة الرئاسية الاستراتيجية المبنية على وهم، ان وجود الجيش اللبناني في الجنوب انما يحمي اسرائيل لا لبنان، وان نشر الجيش على الحدود في حالات الحرب يشكل خطراً على البلاد، على اساس ان الجيش هو لحالات السلم فقط!

واذا كان الامر كذلك، فلماذا تبني الدول الجيوش وتدربها وتنفق عليها المال الكثير؟ أليس للدفاع عن حدودها من الاعداء؟

ثم الا يظن الرئيس لحود ان كلاماً كهذا يُلقى امام سلك ديبلوماسي محترم، معيب في حق لبنان وصدقيته حيال المجتمع الدولي؟

وهل يعتقد رئيس الجمهورية ان السلك الديبلوماسي والمجتمع الدولي سيحترماننا ساعة يشن رئيس لبنان حرباً على القرار 1559 من منطلق الدفاع عن سوريا لا عن بلاده، بينما سوريا تعلن في اليوم نفسه وبلسان نائب وزير خارجيتها انها ليست في حالة حرب مع القرار 1559؟

ألم يدرك اركان السلطة على كل المستويات، ان سياسة التبعية لا تخدم لبنان ولا سوريا ولا العلاقات اللبنانية السورية، كما لا تخدم صورة لبنان ولا صورة سوريا حيال الغرب؟

أوَليس في الدولة عاقل واحد يصارح الرئيس لحود بأن مواقف كهذه تضر بلبنان وسوريا معا؟

وهل انعدمت الشجاعة الى درجة ان احدا لا يجرؤ على ان يشرح للرئيس ان القرار 1559 هو نتيجة القهر الذي تعرض له الشعب اللبناني، وبسبب اخطاء الدولة اللبنانية واداء سوريا السيئ في لبنان؟

الى ذلك نود ان نسأل الرئيس لحود عن البدعة التي استند اليها للقول ان القرار 1559 يساهم في توطين الفلسطينيين في لبنان؟ واين هو خطر التوطين ما دام الشعب اللبناني ضده بكل فئاته وطوائفه؟

ذلك ان خطر التوطين يصبح واقعياً ساعة تنقسم آراء الشعب حوله، او ساعة تقرر الدولة الموافقة عليه. ولا اظننا وصلنا الى هذه الحال. ثم من يجرؤ على توقيع مرسوم التوطين؟

كما ان من ابسط واجبات الرئيس ان يفسّر للشعب ويوضح له كيف ان رفض اسرائيل تنفيذ قرار حق العودة للفلسطينيين لا يعني رفضها حق عودة اللاجئين الى الدولة الفلسطينية العتيدة، بل عودتهم الى اسرائيل ليصبحوا مواطنين اسرائيليين ربما من الدرجة الثانية!

ولماذا لا يطلع الجهابذة والمنظرون لحود على وقائع اجتماع طابا الشهير للجنة اللاجئين عام 2000 والذي بحث في موضوع الفلسطينيين وعودتهم او استيعابهم في العالم. اذ يومها ظهر موقف واضح وصريح بموافقة الولايات المتحدة وكندا على استيعاب أكثر من نصف مليون لاجىء فلسطيني مع اعطاء الاولوية للفلسطينيين الموجودين في لبنان، في حال تمسك اسرائيل برفض حق العودة لهؤلاء، أو رفض هؤلاء العودة الى فلسطين!

وحبذا لو يطلب الرئيس اطلاعه على المعلومات المتوافرة في الملاحظات التي دونها وزير الخارجية الاسباني الحالي ميغيل أنخيل موراتينوس الذي شارك يومها في ذلك الاجتماع!

فكفى مزايدة في موضوع التوطين، لأن الخطر هو في مكان آخر. في استمرار الرئيس لحود بربط حل القضية اللبنانية بكل قضايا الشرق الاوسط... وربما العالم، وجعل لبنان رهينة، أو بالاحرى سلعة يستعملها كل من لديه قضية عالقة في العالم.

ثم بأي منطق يقول لنا الرئيس لحود ان تجريد الفلسطينيين من سلاحهم في المخيمات يعني تجريدهم من الوسيلة التي تحقق السلام، في الوقت الذي اتخذت فيه الشرعية الفلسطينية قراراً بوقف العمل المسلح وعمليات المقاومة ضد اسرائيل، وبالأخص من لبنان؟

فعلى من يزايد الرئيس لحود بهذا الكلام؟ ولماذا يريد ان يكون ملكيا أكثر من الملك؟

ان المزايدة الخطابية لا تحمي لبنان ولا تخدمه بل يحميه ويخدمه تطبيق القرار 1559 بالتفاهم والتنسيق، وهو السبيل الاساسي لخدمة لبنان وحمايته والسبيل ايضا وأيضا لخدمة سوريا وحمايتها من أي استهداف خارجي وخدمة ايضا للعلاقات اللبنانية السورية.

كما أن حماية المقاومة لا يمكن ان تكون بابقاء ميليشيا "حزب الله"، ولا بالتمسك بالسلاح غير الشرعي، ولا برفض انتشار الجيش على الحدود مع اسرائيل وفي الجنوب، ولا خصوصاً بالقيام بعمليات عسكرية من أجل تحرير مزارع شبعا، في أجواء اقليمية ودولية مشحونة تعتبر استفزازاً ولعباً بالنار ويخشى ان يدفع لبنان، وربما سوريا، ثمنها على حساب استقرارهما وأمنهما.

فهل هذا هو المطلوب؟ وألا تخدم هذه العمليات اسرائيل باعطائها ذرائع للاعتداء على لبنان وسوريا؟

وليسمح لنا بأن نسأل هنا، بلسان المواطن العادي والبسيط الذي فوجىء بالتدهور الامني والعسكري في الجنوب: لماذا يترك لبنان يحارب اسرائيل وحده في حين تنعم الجبهات العربية الاخرى بالأمن والهدوء؟

ونسأل هنا، كما سألنا قبلاً في موضوع القرار 1559: لماذا يشن لبنان وحده حرباً عسكرية على اسرائيل، في وقت تصر سوريا على هدنتها مع اسرائيل في مرتفعات الجولان المحتل؟

قليل من الهدوء مفيد هذه الأيام يا فخامة الرئيس. فالاساليب الديماغوجية ليست في مصلحة لبنان ولن تكون في مصلحة سوريا كذلك، ولا نظنها تخدمك في شيء اذا كان الهدف منها استرجاع موقع أو دور ما!

ان الهدف يا فخامة الرئيس يجب أن يكون انقاذ لبنان والدفاع عن مصالحه العليا، وتقويم الاعوجاج في العلاقات اللبنانية السورية، فضلاً عن المحافظة على سمعة لبنان وصدقيته في المحافل الدولية، والعمل على استرجاع ثقة اللبنانيين بوطنهم كي يعود اليه من هاجر منه، ويبقى فيه من لم يهاجر بعد هرباً من طبقة سياسية أفرغت لبنان من قيمه، كما أفرغته من شعبه من خلال الاصرار على البهلوانيات الديماغوجية التي انطوى عليها كلام رئيس الجمهورية وكلام رئيس الحكومة امام السفراء والقناصل العرب والأجانب.